الخميس، 25 نوفمبر 2010

تعليم الأطفال في اليابان..صناعة البشر

صناعة البشر ..قبل صناعة الألآت

أقوم الفترة الحالية بدراسة شكل التعليم في دول العالم الأتية:  تركيا وماليزيا واليابان وكوريا الجنوبية، وتأثير التعليم ودوره في عملية التحول الاجتماعي بهذه البلدان.

صادفت وجود هذا التقرير المترجم البسيط الذي يتحدث عن شكل التعليم في رياض الأطفال اليابانية، اندهشت تماماً وأصبت بحالة إلاشمئزاز عند مقارنتي بهذه التجربة وتجربتي الشخصية- داخل فصول الدراسة المحترمة وعبر  17 سنة دراسية كاملة- التجربة التراجيدية التي يمكن إعطاءها عنواناً معبراً  يمكن أن يحمل اسم " هدم الشخصية وإخصاء الوعي " ..!!

بينما يعطي هذا التقرير لك وعبر مساحة مقطعية من داخل المجتمع الياباني كيف استطاعت اليابان وخلال أقل من 60 عاماً أن تبني مجتمع حقيقي ذي بنية مجتمعية وبشرية قوية، ذات طابع ثقافي ياباني أصيل..والأهم كان بناء الإنسان هو المركز فيها، بعكس التجارب الفاشلة التي ركزت على دولة قوية معالمها تظهر في الجيوش والمصانع والسدود وهياكل الجثث الملقاة في الزنازين أو المعلقة على المشانق تحت منطق أنه " لا صوت يعلوا فوق المعركة".

 ( من كتاب : Japanese Schooling : Patterns of Socialization ,Equality ,and Political   control. Ed By : James J .Shields, Jr   )   
  ترجمة : د. فوزية البكر 

يلتحق أكثر من 90% من الأطفال في سن الطفولة المبكرة برياض الأطفال في اليابان . وتندرج هذه الرياض تحت نوعين أكاديمية وغير أكاديمية .
وتعد مرحلة رياض ٍالأطفال في اليابان هي الطريق للتحول من التربية الغير منضبطة المدللة التي يتعرض لها الطفل في المنزل الى التربية الصارمة في الأبتدائية حيث يشترك من أربعين الى خمسين طفل في مدرسة واحدة وحيث تخضع الرغبات الفردية للاحتياجات الجماعية .
يذهب الأطفال الى الروضة من سن الثالثة أو الرابعة الى سن السادسة وهناك مايربو على 60 الف روضة 60% منها غير حكومي و 40% منها حكوميه .
وسنركز هنا على طرق تكوين القيم داخل الروضة ويالتحديد دور الروضة والمعلمة في تنمية السلوك التعاوني بين أطفال الروضة .
( قامت بهذا البحث :كاترين لويس واستخدمت أسلوب الملاحظة عبر زيارتها لخمسة عشر روضة )
أولاً فصل الروضة :
كافة المعلمات من السيدات ويقضي الأطفال من ساعتين ونصف الى خمس ساعات في الروضات .
ثانياً : تقسيم الطلاب الى مجموعات صغيرة في الفصل :
يقسم الطلاب الى مجموعات من تسعة الى عشرة أطفال بشكل دائم أعتماداً على قبولهم لبعضهم البعض وليس أعتماداً على معايير علمية كالذكاء أو المهارات.
وكل مجموعة من المجموعات لديها طاولتها الخاصة المشتركة وتنظم المعلمة المشاريع التي يقومون بها .
كل مجموعة لها أسم . المكافآت والتشجيع لا تعطي للأطفال كأفراد بل للمجموعة والعمل الذي يسند للمجموعة يتطلب عملهم مع بعضهم البعض . مثلاً في إحدى المجموعات طلبت المعلمة أن يقوموا برسم قصة معينة .بحيث تقسم  خطوات القصة على أفراد المجموعة وبذا أصبح عمل كل واحد يترتب على عمل الآخر وهكذا.
هذا يتطلب أن يتفق الأطفال على قصة معينة ثم يتفقون على تقسيمها بينهم وقبل البدء في أي عمل جماعي تطلب المعلمة من كل مجموعة أن يمسكوا بأيدي بعضهم البعض وأن يغمضوا أعينهم ثم يفكروا في الآخرين وبعدها يبدأون عملهم.
عندما يسأل الأطفال سؤالاً تطلب المعلمة منهم أن يعودوا الى أفراد مجموعاتهم لسؤالهم بقولها : أسأل الأطفال الآخرين في مجموعتك وتذكر أن تعمل الصورة التي تناسب سياق القصة الجماعية .
ثالثاً أدوات اللعب :
 تميزت المكعبات في الروضات بالحجم الهائل يحيث لا يمكن لطفل واحد أن يحركها بنفسه مما يستلزم أن يتعاون أكثر من طفل لعمل شكل معين !
أدوات الرسم : توزع على المجموعة بحيث يكون عدد الأقلام والفرشات أقل من عدد المجموعة لماذا ؟ حتى يقوم الأطفال بطلب المعاونة من الآخرين وهكذا يجبروا على التفاعل مع بعضهم . كذلك عليهم تعلم أنتظار دورهم كما أنهم يتعلمون الحذر عند ألتقاط الفرشاة حتى لا تتطاير الألوان على الآخرين وهذا يحدده موقع ادوات الرسم والفراشي والذي يوضع في وسط الطاولة.
أكدت المعلمات أنهن يقمن أحياناً بسحب بعض الألعاب لأنقاصها على الأطفال لتعلموا التعاون مع بعضهم البعض.
رابعاً : تقليل روح المنافسة  في الحصول على أنتباه المعلمة :
لم يكن هناك تنافس واضح بين الأطفال للحصول على أنتباه المعلمة . ربما لأن السلطة والمسئولية أعطيت للأطفال أصلاً . هناك متابعة جماعية وملاحظات جماعية تصدرها المعلمة معظم الوقت .
خامساً : أستراتيجيات للسيطرة على سلوك الأطفال : كيف تقوم الروضة بتحويل الطفل من وسط بيئته المنزلية المدللة الى عالم المدرسة ؟
1-     التقليل من الأحساس بسلطة او وجود المعلمة :  كانت الأصوات والضحكات وسط المجموعات عالية ، أعلى من الحد الذي يمكن أن يوجد في أي مدرسة أمريكية أو بريطانية دون أن يضايق ذلك المعلمة التي كانت تحاول التقليل من أستخدام سلطتها داخل الفصل حتى الحد الأدني .
لم يكن من الضروري أن تكون المعلمة موجودة مع الأطفال دائماً فهي تفترض قدرتهم على السيطرة على أنفسهم وسلوكهم !
وفي الحقيقة لاحظت الباحثة انه ربما توجد بعض ألأدوات الخطرة كالمقصات والمساطر التي يمكن أن تؤذي الأطفال لكن حين سألت الباحثة المعلمة : ألا تعتقدين أن الأطفال قد يستخدمونها لإيذاء بعضهم ذهلت المعلمة من السؤال ومن أفتراض أن الأطفال قادرين على الأيذاء أصلاً !
فالأطفال في الثقافة اليابانبة لا يميلون داخلياً الى الخطئ او الإيذاء !
في أحدى المرات وكانت المعلمة تقف أمام حوض السمك وكان بعض الأطفال يقومون برمي قطع الصلصال في الحوض . ذكرت المعلمة أن الصلصال يمكن أن يؤذي السمك لكنها لم تطلب من الأولاد التوقف كما أنهم لم يتوقفوا !
في حديث المعلمة للفصل كله في آخر اليوم قالت المعلمة أن بعض الأولاد ظنوا أنهم يساعدون السمك بألقاء الصلصال عليه كطعام ولكن هذا في الحقيقة يضر بالسمك !
2-تفويض السلطة من المعلمة الى الأطفال :
 كان الأطفال في الغالب مسؤولون عن تنظيم المجموعات والأشراف على تنفيذ المشاريع وحتى حل الأشكالات وعدم الموافقات داخل المجموعات .
مثلاً : الذهاب الى المنزل في نهاية الدوام : تذكر المعلمة الأطفال بأنها ليست بحاجة الى تذكيهم بمسئوليتهم وهو النظر الى الساعة ومعرفة الوقت والأستعداد للخروج من المدرسة ! وقد شوهد الأطفال يبحثون عن بعضهم للغداء أو يشرفون على انهاء المشروع أو يحثون نعض الأطفال الغافين أو المهملين على أنهاء عملهم الخ .
المعلمات يدربن الأطفال على الأشراف على عملهم وحل مشكلاتهم بأنفسهم : مثلاً : طفل كان يقوم بالقاء الأحجار البلاستيكية من ركن المنزل : توجه له احد الأطفال ليخبره أن هذا قد يسقط على أحد الأطفال لكن الطفل العنيد لم يرتدع وأستمر في ألقاء الأحجار . أرسلت المعلمة طفلتين لأقناعه وطلبت منهن العودة وأخبارها بالنتيجة !
في أحدى المرات وفي الملعب الخارجي : تخاصم ولدان مع بعضهما وبدأ شد الشعر والضرب !
المعلمة كانت تقف من بعيد . حين سألها طفل لماذا يتخاصم الأثنان : قالت له المعلمة : أذهب وأسالهما . شجعت المعلمة طفلان آخران ممن كانا يراقبان العراك على أن يتدخلا ويسالا الطفلان لماذا الشجار ؟ عاد الطفلان اليها : قالت لهما أنتما الآن من يعني بالأطفال . قررا ماذا تستطيعان أن تفعلا لوقف الصراع والتفتت وأدارت ظهرها .
حاول الصبيان أن يدفعا بالطفلين المتعاركين الى الأعتذار الى بعضهما البعض دون جدوى . هنا طلبت المعلمة من فتاة أخري أن تذهب للمساعدة ولتربت على كتفي الصبيين حتى يهدئا وأقترحت عليها أن تأخذ معها فتاة أخري ,اخبرت المعلمة الجميع أنها لن تتدخل وعلى الفصل أن يجد حلاً لمشكلة !
بدأت الفتاتان تتحدثان مع الولدين طالبتين منهما الاعتذار لبعض . قامت المعلمة الآن بوضع دائرة حول الصبيين المتصارعين وأدخلت فيها كل من قام بمساعدتهم في حل المشكلة فى حين طلبت من الباقين أن يذهبوا للغسيل أستعداداَ للعودة للمنزل .
من يوجد في داخل الدائرة من الأطفال الآخرين حاولا تهدئة المتصارعين . أمسكوا بأيدي بعضهم كحلقة ,اعتذر البعض وبشكل جماعي .
من بعيد تقف المعلمة وتراقب : قالت لباقي الفصل يبدوا أن المشكلة حلت .
أحد الصبية من المتخاصمين ظل يبكي رغم ذلك . قالت له المعلمة أنها مشكلتك الآن . لقد انتهت المشكلة وأعتذر الجميع لبعضهم . قرر متى تريد ألأنتهاء .
بعد ان أستعد الأطفال للخروج جلسوا في الحلقة الأخيرة : تحدثت المعلمة بأسهاب عن الحادثة وأسماء الولدين وكيف ضربوا بعض وكيف تدخل الآخرين وناقش الأطفال في هدوء المسألة ليصلوا الى نتيجة أنه لو أعتذر أحدهم من الأول لما حدثت المشكلة !
هذا كله والأهالي ينتظرون خارج المدرسة بعد أن تجاوزت المعلمة والأطفال وقت خروج المدرسة بنصف ساعة !
3-     أتاحة الفرصة لتنمية الشعور بالذات :
بالأضافة الى المسئوليات الغير رسمية المقاة على عاتق الأطفال في أدارة الصف . معظم الروضات لها ما يسمي ( Monitors ) ( ملاحظين ) من الأطفال أنفسهم وهم المسئولون عن بعض الأدوار الظاهرة مثل توزيع الشاي على ألأطفال في فترة الغداء ، أتخاذ القرار داخل المجموعات في ما يخص من أنتهي من عمله والأنفضاض من المجموعة والبحث عن ألأطفال المختفين الخ !
وهكذا تساعد المعلمة الأطفال على أنشاء علاقات داخل المدرسة معتمدة على الأطفال الآخرين وليس عليها .
مثلاً في أحدي المرات : احد المجموعات لم ينهي عمله لأنهم أخذوا باللعب وتركوا علمهم .
أستشارت المعلمة باقي المجموعات عن ماذا نعمل اذا لم تستطع المجموعة أن تقنع بعض أفرادها بالعمل الجماعي .
أحد الأطفال أقترح أن يقوم باقي أفراد المجموعة بالصراخ بصوت عال على ألأطفال الذين يلتهون باللعب وهذا الحل لا يركز على العقاب وأنما على أستراتيجية لتنمية روح العمل العمل التعاوني بين و داخل المجموعات المختلفة.
4-     محاولة تجنب فكرة أن ألأطفال يسيئون السلوك بطبعهم :
 مثل ما فعلت المعلمة مع الأطفال الذين قاموا بالقاء الصلصال في حوض السمك  فهي لا ترجع خطأ الأطفال الى رغبة الأطفال في الأساءة او الى دوافع داخلية .السلوك الخطأ كما تراه المعلمة اليابانية هو ( خارجي ) عن الطفل وغريب عليه ولذا فهي تعمد الى استراتيجية شرح السلوك الصحيح المتوقع .
الأطفال يخطئون لأنهم قد  قد ينسون الوعود التي قطعوها على أنفسهم أو انهم لم يفهموا ماهو الصح . ولذا فوسائل الضبط المستخدمة من قبل المعلمة تأخذ في أكثر الأحيان طريقة الشرح المبسط للسلوك المناسب أو مجموعة من الأسئلة المتتالية التي تبني على فرضية أن الأطفال لا يمكن أن يقدموا على الخطأ وهم يعرفون !
مثلاً طفل قام بأخفاء حذاء طفل آخر كان يقوم بغسل رجليه . قامت المعلمة بتوجيه عدد من الأسئلة اليه : هل طلب منك (بين)(أسم الطفل )  أن تحرك الحذاء من مكانه ؟ ماذا يحدث لو كنت تغسل قدميك وانتهيت ولم تجد حذاءك ؟ هل تعلم أنه سيكون ألطف مساعدة بين في العثور على حذاءه ؟ واختتمت المعلمة تساءولاتها بالاتي : هذه المرة أنتهت ولكن حاول أن تتذكر كل ذلك المرة القادمة .
حادثة أخري حينما هم طفل برمي مكعب كبير على طفل آخر . أسرعت المعلمة وطلبت ( أستعارة ) الحجر من الطفل ! ثم قامت بتمثيل ما يمكن أن يحدث لو سقط هذا الحجر على رأس الطفل الآخر بلمس رأس نفس الطفل . المعلمة بعد ذلك أعادت الحجر لنفس الطفل وطلبت منه أن أن يحمله بعناية . المعلمة لم تطلب من الطفل أن يضع الحجر أو أوحت اليه أنه كان يهم بأيذاء الطفل الآخر ولم تعطه أية توجيهات أخلاقية مباشرة !
حينما سألت الباحثة المعلمات عن طرقهن في التعامل مع السلوك الخطأ ، كانت أجابة المعلمات المتكررة أن المتعة في المدرسة هي المفتاح السحري للسلوك الجيد لدي الأطفال . الأرتباط العاطفي بين المعلمة والطفل والصداقة مع الأطفال الآخرين كانا عاملين أساسيين للتمتع بالمدرسة.
ومن التقنيات المستخدمة لبناء علاقة طيبة بين الطفل والمعلمة : أبقاء المعلمة مع الطفل لسنتين أو ثلاث وكذلك زيارات المعلمة لمنزل الطفل
كما تبذل المعلمات والأدارة جهوداً كبيرة في أول العام لبناء المجموعات وتقوية الصلات بين الأطفال داخلها مثلاً : لقاء لأمهات الأطفال في كل مجموعة بحيث تلتقي مجموعة الأطفال ومجموعة الأمهات في نفس الوقت وهكذا .
مناقشة :
مما تقدم تتضح عدد من الأفتراضات التي تقوم عليها التربية في اليابان منها :
1-     الأطفال أصغر من ستة أو سبعة غير قادرين داخلياً على الأيذاء .
2-     قدرة الطفل على أدارة نفسه
3-     قدرة الطفل على معالجة المشكلات
4-     أستجابة الطفل لتوجيه أقرانه مقابل أستجابته لتوجيه الكبار .
5-     تفويض السلطة للأطفال سواء في أدارة الفصل او معالجة صراعات الأقران أو الأشراف على أنهاء العمل داخل المجموعة
أسئلة : ماهي النتائج المحتملة لأعطاءالأطفال فرصة لتطبيق ومتابعة تطبيق القوانين مقارنة بالكبار كالمعلمة ؟
عدد من النتائج محتملة : هذه الأستراتيجية تعطي المعلمة فرصة أن لا تفرض على الطفل الكثير من الأوامر والقوانيين .
في الروضة اليابانية يتحمل الأطفال الكثير من المسئوليات : التأكد من أنهاء زملاءهم للعمل . مراقبة الأطفال فترة ألأكل . أنهاء الصراعات في حين تبقي المعلمة كمدير خارجي يرتبط الأطفال به بعلاقة حب كبيرة .
ثانياً : تحمل الطفل لنتائج أعماله السلبية : حينما نسي أحد قادة المجموعات أنه وقت الأكل تلقي ضربة قوية على ظهره من باقي أفراد المجموعة الجائعين ! وذلك لتحويل أنتباهه الى حاجة المجموعة .
أن وقوع الطفل تحت هذا النوع من العقوبات المباشرة المرتبطة مباشرة بالفعل والتي تحدث داخلياً من ضمن المجموعة يجعلها نتائج طبيعية لسلوكه بما يدفع الى تعديل كبير وسريع في السلوك . الضبط لا يأتي بأوامر من عالم الكبار الذين يضعون القوانيين . هو يأتي من ألأطفال أنفسهم الذين يقترحون ويطبقون العقوبات على بعضهم البعض !
ثلثاً فأن نقد الأصحاب لبعضهم البعض يمثل تهديد اقل لذات الطفل في مواجهة المجموعة مقارنة بما لوصدر من عالم الكبار . نقد الكبار قد يشعر الطفل بأنه سئ مقارنة بنقد الأقران الذي يبدوا أكثر طبيعية وتلقائية وكنتيجة مباشرة وفي نفس اللحظة للسلوك .
الفصل الثاني : رياض الأطفال في اليابان : تعليم أكاديمي أو غير أكاديمي؟
 كما في كل مكان في العالم : تظل المناقشات الدائرة كالآتي : ماذا نعلم الصغار في رياض الأطفال ؟
هل نعلمهم القراءة والكتابة وبعض المفاهيم الرياضية أم انهم لازالوا غير مستعدين عقلياً وفسيولوجياً؟
تختلف الروضات في اليابان وتتنوع حول هذا الموضوع فمنها ما يؤكد أهمية تعليم الطفل مبادئ القراءة والكتابة وأعداده للمدرسة الأبتدائية وآخرون يرون التركيز على المفاهيم والمهارات وترك الحرية للطفل
العديد من الروضات في اليابان تلجأ الى أدخال المواد الأكاديمية في مناهجها وذلك لجذب أكبر عد ممكن من الأطفال حيث تعاني الروضات من التناقص المستمر في نسب ألتحاق الأطفال بها وذلك للتناقص التدريجي في عدد الأطفال في اليابان والناجم عن أنخفاض النسل بشكل عام كما لجأ عدد آخر الى تطوير مناهجهم وتوسيعها لتشمل تعلم مهارات عديدة بشكل منظم مثل تعلم الموسيقي أو الرسم او السباحة.
- حجم الفصول الدراسية ونسبة الأطفال الى المدرسات في الروضة .
رغم ان التلاميذ اليابانين قد تمكنوا من ومنذالصف الأول الأبتدائي من التفوق على كافة أطفال العالم بما فيهم ألأطفال الأمريكيون في معظم الأمتحانات العالمية ألا أنه من المدهش ان نعرف أنه وفي حين لا تتعدي نسبة الأطفال الى المعلمة اكثر من 8 ، تحدد وزارة التربية والتعليم في اليابان سياساتها في هذا المجال كالآتي :
-      الأطفال في عمر سنة وأكثر : اربعة أطفال للمعلمة واحدة
-      الأطفال فوق سنتين 8 أطفال للمعلمة الواحدة
-      أطفال ثلاث، اربع ، خمس سنوات: 30 طفل للمعلمة الواحدة
ماهي فلسفة اليابانيون في هذا المجال ؟
 تري الفلسفة اليابانية أن كثرة عدد الأطفال يتيح فرصة أفضل للطفل للتعرف والتعامل مع أنماط عددية من البشر والأستفادة منهم كما يخلق الكثير من المواقف التربوية التي يتعلم منها الأطفال ويمارسون خبرات علمية أو أجتماعية اوحتى سلبية لكنها ضرورية لنموهم وتوازنهم

الأحد، 14 نوفمبر 2010

حراك التغيير بين الأمس واليوم

 إياد حرفوش

  • عام 1992م، مقر حزب الوفد الجديد بذلك العقار العتيق في شارع النبي دانيال بالإسكندرية، وندوة لتأبين قيادة وفدية تاريخية راحلة، في حزب كل قياداته تاريخية، الحضور بينهم عدد لا بأس بها من الطرابيش، حقيقة لا مجازا، والبعض يناديهم الآخرون بفلان بك، والجو العام يجعلك ترتقب دخول شاب مندفع من الباب يبشر الحضور بأن السراي هاتفت دولة الباشا ليشكل حكومة ائتلاف، ولكنه أصر أن تكون وفدية، وقصر الدوبارة أيد رفعة الباشا
  • عام 1995م في وقفة احتجاج على أوسلو الثانية أمام مقر الحزب الناصري بشارع النحاس بطنطا، عدد الوقوف 8 أفراد، بعدها بأسابيع كانت الزيارة الأولى لمقر أمن الدولة بشارع النادي بطنطا بسبب توزيع دعوات لمؤتمر الحزب تحت كوبري المجمع الطبي في جامعة طنطا
  • صدرت الدستور الأولى الأسبوعية في نفس العام، وكنا ننتظرها من الأسبوع للأسبوع كنافذة مختلفة على الثقافة والرأي الحر الذي نقرأه لأول مرة خارج منظومة قاتمة تتكون من الأهرام والأخبار ومايو وأكتوبر وصباح الخير، قبل أن تتوقف في 1998م للمرة الأولى وبضربة مباشرة ومعلنة من النظام
  • عام 2004 وصدور البيان التأسيسي لحركة كفاية حاملا توقيعات مئات المثقفين والناشطين ورافعا شعاره ضد التمديد والتوريث، كان البعض بعد ظهور كفاية والهجوم على الرئيس لأول مرة مفرطا في التفاؤل بتخيل ثورة شعبية عارمة بسبب تعديل الدستور ويرى أن عام 2005 هو عام الحسم
  • في نفس العام قمت ببطولة مسرحية السلطان الحائر ذات الإسقاط السياسي على الحكم والشرعية على مسرح البلدية بطنطا في إطار مسابقة الجامعة، وحجبت أي جوائز عن المسرحية لبعدها السياسي بينما منحت مسرحيات خفيفة جوائزا متعددة
  • عام 2005 وفي يوم 27 أبريل الشهير وكردون أمني فرعي أمام نقابة الصحفيين بعد الفشل في الوصول لمكان المظاهرة الأساسي الذي لم أعد أذكره، الكردون يمنع التحام المجموعة بالمظاهرة الأساسية على بعد خطوات عند سلم النقابة، كان الهدف هو الاحتجاج على تعديلات الدستور المزمعة، وامتدت المظاهرات لعدة مدن، لكن التعديلات تمت
  • عام 2008 وأول فعاليات الحراك الثوري الإلكتروني على يد إسراء عبد الفتاح بدعوتها لإضراب 6 أبريل الشهير، حالة استنفار يشعر بها الناشطون القدامي لأن فتاة في عمر زهرة وبدون خبرات سياسية كبيرة حطمت جدار الصمت بمبادرة عبقرية مع مجموعة من رفاقها
  • عام 2010 ويوم الجمعة 19 فبراير في صالة 3 بمطار القاهرة الدولي وقرابة الألفين وخمسمائة من المواطنين في انتظار الدكتور محمد البرادعي، الأديب الناصري علاء الأسواني يقبل على الواقفين بوجهه الطلق وترحيبه البشوش المتواضع مصافحا الوقوف داخل الصالة ويتبادل معهم كلمات مفعمة بالأمل مع تحفظ حكيم على الآمال القريبة أكثر من اللازم
  لم نكن في حالة موات إذا حين عاد الدكتور البرادعي ليطلقنا من عقال، كنا نحاول ويتجاذبنا اليأس والرجاء، تماما كما يحاول إخوان لنا اليوم ويتناوبهم اليأس والرجاء، فما الذي كان ينقصنا أمس ومازال ينقصنا اليوم لنحقق التغيير؟

حراك التغيير وتيار التغيير والفروق السبعة
ما كان يحدث أمس على الساحة المصرية كان حراكا طفيفا ونادرا ومتباعدا، وما يحدث اليوم حراك كذلك ولكنه أقوى وأكثر اطرادا، ولكنه في النهاية حراك وليس تيارا، والحراك علامة إيجابية تعبر عن الحياة وتحمل الأمل، تكسر التابو السياسي وتخرق جدار الصمت، ثم ينتهي دورها التمهيدي ليبدأ دور تيار التغيير ليحقق خطوات واقعية على الأرض في سبيل التغيير، فماذا يميز التيار عن الحراك؟ ما الذي ينقصنا اليوم لنحقق التغيير المنشود أو نحقق خطوات ثابتة على طريقه؟ ينقصنا ما يلي
  1. التجانس العقائدي، فحتى تنتظم أفراد وقوى سياسية في تيار قادر على الفعل يجب أن يكون هناك حد أدنى من الاتفاق في المباديء العامة والأهداف والوسائل، فكرة الجمعية الوطنية أو أي ائتلاف غيرها تكون مجدية لو كان لديك عدة تيارات فاعلة وقوية لكنها تحتاج للتكتل والتنسيق لتصبح مؤثرة وتحقق التغيير، وهو ما ليس لدينا
  2. الاستعداد لتقديم التضحيات والتي تبدأ ببذل المال والجهد والوقت وتنتهي ببذل النفس، فهذا الاستعداد هو ما يكسب التيار الصلابة، وكل من يقدم تضحية يضع قيدا خلقيا على زملائه حين يفكر أحدهم في التخاذل او الإحجام
  3. التخطيط، فالحراك لا يتطور إلى تيار بصورة عشوائية وبقوانين الاحتمالات، ولكن يتطور لحراك أكبر فقط، والتيار بدوره لا يحقق التغيير لو لم تكن هناك خطة تصعيد سياسي تتم مراجعتها وتعديلها دوريا وفقا لمستجدات الشارع السياسي
  4. التزام الفرد نحو الكل، وهنا بيت القصيد، فانضواء الناشط تحت مظلة جامعة له مع غيره يمنحه قوة وقدرة على التأثير، شعوره بالالتزام نحو زملائه يلزمه بالمثابرة ويتغلب على نزعات اليأس والضعف التي تنتابنا كلنا، شعوره بالمسئولية لثقة قياداته التنظيمية فيه ورغبته في ألا يخيب آمالهم، شعوره بالدفء والحماية نوعيا لأنه جزء من كل أكبر منه وليس بمفرده في مواجهة قمع النظام، كل هذا يجعله أكثر التزاما ومثابرة
  5. التزام الكل نحو الفرد، فالكل للواحد والواحد للكل هو الجوهر الذي عليه تأسست الجماعات والتيارات التي غيرت وجه التاريخ في أوروبا والشرق الأوسط وكل مكان بالعالم، والمثل القريب هو ما يقدمه حزب الله لأسر الشهداء والمقاتلين بصفة عامة من دعم مادي ومعنوي، مما يفسر ثبات وصلابة جنوده في الميدان وهم يعرفون أن شهادتهم لا تضيع من يعولون
  6. السلطة المعنوية، فنحن نرى ظواهر التفتت والتشرذم في الحركات والأحزاب لغياب القائد الرمز المؤهل لموقع القيادة، مما يجعل كل فرد في التنظيم يسأل نفسه: ولماذا لا أكون أنا القائد؟ لأنه لا يرى ميزة فارقة في قائده، فليس بينهم غاندي بطاقته الروحية وفلسفته ولا مارتن لوثر بثقافته وعقليته التنظيمية ولا الخميني بقدرته الجدلية والتنظيرية، وبغياب السلطة المعنوية تصبح كل خطوة تافهة على درب طويل بحاجة لتصويت وفرصة لتفتت محتمل
  7. آليات الاتصال الآمنة وبدائلها، حيث يجب توافر أكثر من وسيلة اتصال تحسبا لمداعبات أمنية ثقيلة أكثر من محتملة، وكذلك قاعدة البيانات التي ينبغي وجودها على أكثر من مستوى تنظيمي
الحراك طاقة .. التيار قدرة
لدينا حراك بما يكفي وليس لدينا تيار تغيير، والمشكلة ليست في استحالة بناء تيار ولكن في تعجل الجميع على التغيير وطموحهم في إمكانية القفز على التيار وتحقيق التغيير بمجرد الحراك، وهو ما ثبت فشله بالتجربة، وهو فشل منطقي لعدة أسباب
  1. التيار قادر على المناورة لوجود بعد تنظيمي وقيادي وسلطة معنوية، الحراك غير قادر على المناورة
  2. التيار لا يقتله الكمون المؤقت أو التكتيكي ولكن الحراك يقتله الكمون ونبدأ كل مرة من قرب نقطة الصفر، فنحرم من التراكم
  3. التيار يركز طاقات الأفراد فتصبح طلقة في قلب الخصم، أما الحراك فقبضة رمال تنثرها في وجه الخصم، تضايقه وتؤذيه لكنها لا تقتله، ولهذا تجد أن الأنظمة تحسب حسابا لرد فعل التيار مما يقنن قدرتها القمعية، وكذلك قد تسعى الأنظمة للمصالحة الوطنية معه حتى ولو كان تيارا غير أخلاقي كتيار العنف والإرهاب الديني في التسعينات ومبادرة شيخ العرب عبد الحليم موسى للتصالح مع جماعات العنف الديني، لا يوجد نظام يحسب حسابا لرد فعل الحراك لأنه سيكون قاصرا على مبادرات فردية وشبه فردية، ولا يسعى للمصالحة مع الحراك لأنه لا يوجد كيان ملزم يضمن له نتيجة لتلك المصالحة الوطنية
عام 2011 ومصير التغيير
عام 2011م ليس عام الحسم بمعنى تحقيق التغيير المنشود كما يحلم البعض، لكن الفترة منذ الآن وحتى نهاية عام 2011 مفصلية في مصير التغيير، فلو انبثق عن الحراك في غضونها تيار فاعل يبدأ صغيرا وينمو في بضع سنين، فستكون النهاية مشرقة وقريبة، ولو ظل الحراك مرسلا على عواهنه فسيمر التوريث من حلق المصريين ونبدأ في تناول جرعات التبليع والتعايش مع الأمر الواقع ويؤجل التغيير لعدة سنوات وربما عقود .. تلك هي المشكلة



















التجانس والالتزام التنظيمي بين الفرد والجماعة هما كلمة السر.

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

علي شريعتي ..مفكر في قلب الثورة


 

علي شريعتي مفكر إيراني شيعي مشهور. اسمه الكامل: علي محمد تقي شريعتي. ولد قرب مدينة مشهد عام 1933، وتخرج من كلية الآداب بها عام 1955، ليُرشح لبعثة لفرنسا عام 1959 لدراسة علم الأديان وعلم الاجتماع ليحصل على شهادتي دكتوراه في تاريخ الإسلام وعلم الاجتماع. انضوى في شبابه في حركة مصدِّق وعمل بالتدريس واعتقل مرتين أثناء دراسته بالكلية، ثم بعد عودته من فرنسا، حيث أسس عام 1969م حسينية الإرشاد لتربية الشباب، وعند إغلاقها عام 1973 اعتقل هو ووالده لمدة عام ونصف. ثم سافر إلى لندن، واغتيل عام 1977 قبل الثورة الإيرانية بعامين عن 43 سنة. الرأي السائد أن ذلك تم على يد مخابرات مخبارات الشاه كما ايد ذلك حسن العلوي في كتاب عمر والتشيع. يعتبر الدكتور علي شريعتي نموذج فريد من مفكري إيران. حيث أنه بالرغم من أنه فارسي العرق، لم يكن يتوقف عن نقد النزعة الشعوبية لدى رجال التشيع الصفوي، بطريقة أكثر جذرية من غالب من تصدَّى لهذا الموضوع من الأدباء العرب. وقد بَيَّن آلية المزج في الموروث الشيعي الروائي ما بين السلطة الإيرانية الساسانية والنبوة الإسلامية، حيث اختُلِقَتْ الروايات ونُسِجَتْ الأساطير وعلاقات المصاهرة بين إمام الشيعة الحسين بن علي وبنت كسرى المزعومة: لتحقيق غرض الوصل بين السلسلة السلطانية الساسانية وبين السلطة الإمامية الشيعية، ولبعث العناصر الفارسية في صلب التشيع.

وبالرغم من كونه شيعياً متعصباً (يصف مجموعة من كبار الصحابة بأنها باعت شرفها وجمعت نقودها ببيع كل حديث بدينار) فلا فائدة في رأيه من الشعائر والطقوس الحسينية التي يتهم الحكامَ الصفويين بأنهم اقتبسوها من المحافل المسيحية في أوروبا الشرقية التي كانت تحيي فيها ذكرى شهدائها، وبأنهم حولوا الإمام الحسين إلى صورة عن آلام Passion المسيح. وحتى يتم صبغ هذه الطقوس والشعائر بالصبغة الإيرانية، أدخل الملالي عليها بعض التعديلات لتوافق الذوق الشعبي الإيراني وجعلوها موائمة للأعراف والتقاليد الوطنية والمذهبية في إيران. أما لغة هذه الطقوس فهي لغة التصوف وأعمال الدراويش ومبالغات خطباء المنابر وشعراء العامة.

 

رؤيته للتقريب المذهبي

كان من اللازم في ظل ما تعيشة الأمة من تفتت وانقسامات وتشردم وخلافات بل وحروب يطفو المذهبي فيها علي السياسي أن نستعيد ونستذكر بعض الأصوات العاقلة الهادئة عسي أن تكون هذه الكلمات حجراً في بركة راكدة.

يُعد فيلسوف الثورة الإسلامية في إيران الشهيد الدكتور علي شريعتي الملقب ب"المعلم" واحداَ من القلائل الذين تجردوا عن هوي التمذهب والتشدد أو التخاصم، وسعي بكل ما أوتي من قوة إلي لملمة الصفوف تجاه الوحدة بل إنه قد خصص كتابا يُعد معلما من معالم الفكر الشيعي في العصر الحديث ألا وهو " التشيع العلوي والتشيع الصفوي".

ولد علي بن محمد تقي شريعتي في مزيتان في منطقة خراسان عام 1933 نشأ في أسرة متدينة معروفه بالفقه والعمل، ونشط وهو في الثانوية العامة في التيار الذي قاده رئيس الوزارء السابق مصدق ثم تخرج بتفوق من كلية الآداب ليُرسل في بعثة دراسية لفرنسا، ويحصل علي الدكتوراه واحده في علم الاجتماع الديني والأخرى في تاريخ الإسلام، وهناك كان علي اتصال بجبهة التحرير الجزائرية والتقي مفكرى فرنسا البارزين أمثال فرانز فانون وسارتر، ثم عاد الي إيران ليؤسس"حسينية الإرشاد" وهو المعهد الذي هاجم فيه تعصب رجال الدين من الشيعة ضد السنة، ثم مالبث أن أعتقل مرات في فرنسا وفي إيران لتبنيه أفكاراً إصلاحية ثورية كبناء الدولة الإسلامية وإعادة صياغة الذات والمجتمع اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا علي نحو إسلامي حقيقي، كما اهتم بجوهر المساواه والعدل وتنقيه الإسلام مما شابه عبر القرون، خلف لنا حوالي مائة وعشرون (120) عملاً ما بين الفلسفي والأدبي والاجتماعي والسياسي كلها تتخذ من الإسلام القبس، استشهد في لندن علي يد جهاز المخابرات التابع للشاه- آنذالك- السافاك عام 1977

يشيد كاتبنا بالرؤية التي يتمتع بها شيخ الأزهر السابق محمود شلتوت وإخوانه في تدعيم حركة التقريب بين المذاهب الإسلامية ويصف هذا الدور بأنه واع ومسئول، هذا بخلاف وجود النفوس العالية التي تأبي الهزيمة أمام دسائس المتصيدين في الماء العكر من أعداء الداخل والخارج.


 انتشار العدوين وانحسار الأخوين

يعزو شريعتي انتشار الخلاف والخصام المذهبي إلي ما يُسميه انتشار العدوين المتآخيين "التشيع الصفوي والتسنن الأموي" وانحسارالأخوين " التشيع العلوي والتسنن المحمدي"، فما هو التشيع الصفوي والتسنن الأموي؟

التشيع الصفوي: نسبه الي الدولة الصفوية التي حكمت إيران وزعمت انحدارها من نسل الإمامة لتُضفي شرعية زائفة علي سلطتها الزمنية، ويري المعلم أن الحركة الصفوية ورجال الدين المرتبطين بها عملوا علي إضفاء الطابع المذهبي وبعث القومية الإيرانية والوطنية لتبدو في صورة وشاح ديني أخضر، وركزت أجهزة الدعاية الصفوية علي نقاط الإثارة والاختلاف بين السنة والشيعة وأهملت نقاط الاشتراك، وحرصت علي تعطيل أو تبديل أو إهمال الشعائر والسنن والطقوس الإسلامية المشتركة بين المسلمين، ويرفض ماكانت تقوم به هذه الدولة عبر رجالها الذين كانوا يجوبون الشوارع ويُرغمون المارة والعامة علي لعن الشيخين "أبي بكر وعمر"، ويصف هذه الأعمال ب"الوحشية والإرهابية" ويؤكد أن السباب والشتيمه واللعن هما من منطق التشيع الصفوي، ويرمي شريعتي هذا النوع من التشيع بأنه "تشيع الجهل والفرقة والبدعة، وتشيع المدح والثناء للسلطات، وتشيع الجمود والركود بتأدية طقوس عبادية ومذهبية دخيله علي التشيع الأصيل، وهو تشيع ندب الحسين، وتشيع يُعطل مسؤليات المسلم، وهو تشيع للفكر الصفوي الدخيل".

التسنن الأموي:الذي يستغل عنوان المذهب السني لتمرير المخططات الرامية لفرض الهيمنة علي مقدرات الشعوب، وتبرير أعمال السلاطين، والتبرع بالأحكام والفتاوي الجاهزة، لتتناغم مع التوجه الرسمي للحكومات، ف"التشيع الصفوي" وقرينه "التسنن الأموي" كلاهما مذهب اختلاف وشقاق، والحقد والضغينة هي من خصائصهما، لأن كليهما يمثلان الإسلام الرسمي، وكلاهما دين حكومي، الأول لتبرير الحكم الصفوي والثاني لتبرير الوجود الأموي في موقع الخلافة.

وبكل شجاعة وندرة يُصرح الشهيد أن "كل رموز التشيع الموجود في إيران وشعائره، رموز مسيحية ومظاهر مسيحية، أدخلها الصفويون علي يد طلائع الغزو الفكري الغربي، لكي يفصلوا إيران تماما عن الإسلام السني، الذي كان مذهب الدولة العثمانية عدوتها التقليدية، كما أن الصفويين قد ارتكبوا ذلك الخطأ الفادح بالتحالف مع الأوروبيين ضد العثمانيين مما أودي بإيران وبالدولة العثمانية معاً"، وينهي بقوله " ولو خرجت كل المظاهر الدخيلة علي التشيع فلن يبقي هناك أي خلاف يذكر بين مذاهب الإسلام".

ويرد مفكرنا علي التخاصم والتقاذف الحاصل بين أنصار التشيع الصفوي وبعض رجال التسنن الأموي بأن غرض هذه الأمور هي خلق الأحقاد بين المسلمين، واستغفال الأذهان لمسائل هامشية وقضايا مفتعلة، وكل مامن شأنه الإسائة إلي حقيقة الولاية، والشيع العلوي والمنهج الحسيني وتشوية صورة الحوزة العلمية الشيعية الكبري في أذهان الجيل المثقف.

أما "التشيع العلوي" فهو حركة ثورية، تمارس الجهاد فكراً وسلوكاَ، لتواجه الأنظمة ذات الطابع الاستبدادي والطبقي، وهذا التشيع يتبني إقامة العدل، ورعاية حقوق الجماهير المستضعفة، وهو تشيع الوحدة والسنة، فشعار هذه المدرسة هو ثقافة الاستشهاد ونشر الحق وإقامة العدالة، وإن الشيعي العلوي هو الذي يسير علي خطي ونهج الإمام علي بن أبي طالب.

ويخلص شريعتي إلي أن الحل في أسلوب الطرح، والنهج المتبع في المناقشة والاحتجاج، فالسبيل الوحيد الكفيل بتحقيق ذلك هو توفير قاعدة علمية مشتركة وراسخة بين الأَخوين المستعدَيَيْن " التشيع العلوي " و"التسنن المحمدي" لمواجهة العدوين المتآخيين " التشيع الصفوي" و" التسنن الأموي".

ويصل بشريعتي الأمر الي القول بأن" الاختلاف بين التشيع العلوي والتسنن المحمدي ليس أكثر من الاختلاف بين عالمين وفقيهين من مذهب واحد حول مسألة علمية... وأن التشيع العلوي والتسنن المحمدي طريقان متلاقيان من يسير في أحدهما لابد أن يأتي اليوم الذي يلتقي فيه مع صاحبه ليصبحا معاً وحدة واحده" وفي المقابل فإن " المسافة بين وجهي التشيع العلوي والتشيع الصفوي هي عين المسافة بين الجمال المطلق والقبح المطلق".


 نموذج علــي مؤســس "الوحدة الإسلامية"

يقدم الشهيد شريعتي شخصية الصحابي إمام المتقين ورابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب، كنموذج حي وراقي، لعملية تأسيس الوحدة الإسلامية والترفع عن الخلافات، والسعي المتواصل نحو التوحيد لا التشتيت، فيقول عن علي بن أبي طالب" كان أول من وضع حجر الأساس وأرسى قواعد الوحدة في المجتمع الإسلامي، أول من قدم القرابين وضحي، وتحمل أثقل ضريبة، ودفع أغلي الأثمان التي يمكن للإنسان الراقي والسامي لمستوي الكون أن يدفعها من أجل الوحدة" وهو يقدم شخصية الإمام باعتبارها باعثة علي التمسك بشعار الوحدة، وشعار التفاهم، وشعار المسيرة الواحدة، والصف الواحد ضد العدو الخارجي، بل إنه يسرد بعض الأمثلة التاريخية المعبرة عن المنطق المعتدل المنصف للتشيع العلوي كاستعانة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بالإمام علي في بعض المسائل الفقهية أو المشكلات الحياتية، وهذا المنطق يضاهي في اعتداله منطق علماء التسنن المحمدي فمثلا كان علماء التسنن المحمدي يقرون بالفضل للإمام جعفر الصادق، وهذا الإمام الشافعي يعلن محبته لآل البيت، وذاك الإمام مالك بن أنس يرفض أن يُعمم علي المسلمين فقهه بقرار من الخليفة المنصور، ويعلن شيخ الأزهر محمود شلتوت عن فتواه بجواز التعبد بالمذهب الجعفري، هذه مجرد أمثلة يضعها كاتبنا ليوضح الفرق بين منطقين.


قيام إسلام رسالي أممي بلا مذاهب

يري الأخ الشهيد في المرحلة الثالثة من مراحل مشروعه الفكري النهضوي الكبير "العودة الي الذات الإسلامية" ضرورة العمل علي قيام إسلام عالمي أممي، لا تُكونه قومية أو عرقية أو نعرات مذهبية، بل يكون الإسلام الرسالي هو الجنسية وهو الوطن، ويعطي مثالاً ب"اتحاد الغرب الرأسمالي مع الغرب الشيوعي، وبالأمس كان اتحاد المسيحية والاستعمار أو توافق المسيح والقيصر" وبالتالي " فلابد من قيام العالمية الإسلامية" وينبغي أن "تسكت الخلافات المذهبية تماماً وأن تُدرك مصادرها وتبعاتها وعواقبها والأيدي التي تحركها، وهي الأيدي نفسها التي تحرك مبدأ فصل الدين عن السياسة وتقصد بالدين الإسلام فحسب".


 دور العلماء في النظر للآخر المذهبي

ينادي كاتبنا بأعلي صوته على العلماء من الطرفين فيخاطب علماء الشيعة ويقول " علي علماء ومفكري الشيعة أن يوضحوا أن أجهزة الدعاية للتسنن الأموي تستغل الأقاويل والمزاعم التي يتشدق بها رجالات التشيع الصفوي للإساءة إلي كل الشيعة، وتشويه صورتهم عند إخوانهم السنة، وفي المقابل فإن أجهزة دعاية التشيع الصفوي تفعل الشيء ذاته، فتقتنص أقاويل ودعاوي ومزاعم النواصب والوهابيين وتلصقها باسم السنة جميعا"

ويحث علماء السنه علي التحري والتروي فيقول" على العلماء المخلصين من السنة أن يفندوا هذه المزاعم ويدفعوا هذه الشبهات التي تثار ضد إخوانهم من الشيعة وليقولوا لأبناء جلدتهم أن الشيعة هم من صلب الإسلام لا غير، ليسوا أعداء للمسلمين، ولا حلفاء للصهاينة...لكي لا يقعوا في شرك الأعداء وينشغلوا عن معاداه اليهود والنصاري الذين تسللوا الي عقر دار المسلمين بمعاداة إخوانهم الشيعة".

هكذا رسم لنا شريعتي صورته عن التقريب بين أهل المذاهب بقبول الاختلاف وإحسان الظن والبعد عن التشنجات وإعادة قراءة التاريخ وأحداثه بصورة نقدية ومغربلة، كي لا نقع في خطيئة التراشق بالتكفير والزندقة وأن ننتبه الي ما ينسجه أعداء الأمة للوقيعة بين أصحاب الملة الواحدة.


حرب داخل الدين

لا يستطيع قارئ علي شريعتي، المفكر الإيراني الإصلاحي، في الذكرى الخامسة والعشرين لاغتياله على أيدي شرطة الشاه السرية، أن يحدِّد بوضوح موقعه الفكري، على الرغم من إسهاماته العميقة في تجديد النظرة إلى الدين. وهو، كأيِّ مفكِّر إشكالي، تقاطعت لديه رؤى متعارضة وثنائيات صعبة، فَرَضَها المشهدُ السياسيُّ والثقافي في لحظة تاريخية، هي حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين التي تعددت فيها الإيديولوجيات والتيارات الحزبية، وانتعشت التيارات اليسارية والشيوعية وحركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا، وظهرت إزاءها محاولات لاسترداد الهويات القومية والوطنية، من جهة، والهوية الإسلامية الجامعة، من جهة أخرى.

بعد ربع قرن من غيابه تلاحقت التطورات والإخفاقات والارتكاسات الفكرية، وانقلبت التيارات والأحزاب على نفسها، وانحسرت موجات التحرر الوطني، وارتفع صوت التفرقة على صوت الوحدة، وصوت المغالاة على صوت الاعتدال. أضحت الصورة أكثر تداخلاً وقتامة. وبهذا ازدادت مقاربة أفكار شريعتي صعوبة، لكنها اغتنت، مع ذلك، بدلالات جديدة وعِبَر مفيدة.

وقد قُرِئَ شريعتي عربيًّا في أعقاب الثورة الإيرانية، عبر ترجمات ضحلة وعبارات مرتبكة. إلا أن دُورًا، منها "دار الأمير" اللبنانية، سعت، احتفاءً بذكراه، إلى ترجمة جيدة لمجموعة آثار شريعتي الكاملة إلى العربية. ومن مفارقات هذا الرجل أن الثورة الإيرانية التي عبَّدت مؤلفاتُه طريقَها، باعتراف قادة الثورة أنفسهم، ما لبثت، بعد انتصارها وتسلُّمها زمام الدولة ومقاليد السلطة، أن أدارت له ظهرها أو قدَّمته إلى أجيال ما بعد الثورة بكثير من التردد والتوجس، لأن قراءته ثانية ستكشف، لا محالة، عن اختلالات عميقة في إيقاعات الثورة أو الدولة.

يمثل شريعتي، الذي كان يواظب على محاضراته في حسينية الإرشاد آلافُ الطلبة الجامعيين الإيرانيين، بإشكاليته الفكرية التي أثارت حفيظة الطبقة الدينية التقليدية وغضب السلطة الشاهنشاهية، مظهرًا من مظاهر أزمة المصالحة العسيرة بين العناصر المتنافرة في المجتمع الإيراني الذي كانت تتجاذبه تجلِّياتُ الأنماط السلوكية التغريبية والأفكار التحديثية، متزامنة مع ذيوع المقولات اليسارية والشيوعية ذات المنحى الكفاحي الإيديولوجي، من جهة، ومن جهة أخرى، عمق الهوية الشيعية الإيرانية في نفوس العامة وفي أركان المؤسسة الدينية التقليدية.

في ضوء هذا المسعى التصالحي حثَّ شريعتي على ضرورة اقتباس التجارب الغربية وتوظيف الوسائل الإعلامية، كالتلفزيون والمسرح والسينما، في شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعلمية، دون المساس أو التعارض مع الدين. بل لقد رأى أن هذه الوسائل تخدم الدين وتساعد على نشر الأفكار والعقائد والثقافة الإسلامية. ويصف شريعتي هذه المصالحة بأنها حضارية راقية، تعبِّر عن التقليد بشكله الإيجابي الواعي. أما التقليد الذي يستحق الإدانة والشجب، في نظره، فهو التقليد الأعمى.


التوفيق

ويمتص شريعتي الكثير من المقولات والمفاهيم المختلفة المنتزَعة من حقول الدراسات والعلوم الإنسانية الحديثة التي كان متضلعًا فيها، بحكم اختصاصه في جامعة السوربون في علم الاجتماع الديني وتعرُّفه على أساطين الفكر، مثل ريمون آرون وماسينيون وجاك بيرك وهنري ماسيه وسواهم. وهو يعيد توظيف هذه المفاهيم لبناء نظريته التوفيقية التي تؤالف بين التراث والعصر. لكن شريعتي لم يستطع حجب العناصر المقتبسة؛ وحيث أراد أن يكون معاديًا للماركسية، كما يقول داريوش شايغان في ما هي الثورة الدينية؟، مدَّ يده إلى جعبة مصطلحاتها ومقولاتها (ص 299). فشاعت في متون كتاباته الغزيرة كلمات مثل: "البنية التحتية" و"البنية الفوقية" و"الحتمية التاريخية" و"الجدلية" و"الطبقات المسحوقة" و"الفوارق الطبقية" و"أفيون الشعوب"!

كذلك استثمر، على المستوى نفسه، العبارات التراثية، مثل: "المستضعفين" و"المظلومين" و"البيعة" و"الوعاظ" و"الإمامة" و"الولاية"، والرموز الدينية، مثل: قابيل وهابيل وقارون وبلعام بن باعورا، واتكأ على الأسماء القرآنية، مثل: الطاغوت والتوحيد والشرك.

واقتبس شريعتي، الذي تعمق في فهم تاريخ الأديان، من أطروحة هنري برغسون تفريقَه بين "الدين المنغلق" و"الدين المنفتح"، ليستخدم هذا التفريق نفسه لبناء ثنائيته الشهيرة التي تميز بين "دين السلاطين" و"دين العامة"، وبين التشيع العلوي (الحق) والتشيع الصفوي (المنحرف).

وشريعتي، الذي ينظر إلى الغرب نظرة إعجاب وارتياب في الآن عينه، يقرُّ بالمسيرة العلمية التصاعدية التكاملية التي وصل إليها الغرب وتفوَّق فيها على الشرق. إلا أنه ينكر عليه تفوُّقه على الشرق في المواضيع الأخلاقية والمواضيع المعنوية! ومن منطلق أن الثقافة ذات خصوصية تكدست بمرور الأجيال المتعاقبة في تاريخ شعب من الشعوب، وصنعت الرأسمال المعنوي له، كان منطقيًّا لديه أن يدعو إلى العودة إلى الذات لإصلاحها من الداخل. ولا عجب إزاء هذا المنظور الذاتي أن نرى شريعتي يتقبَّل ما جاء في الجهاز المفهومي للعقيدة الشيعية التي أرساها منذ قرون طويلة علماءٌ مثل الطوسي والطبرسي والمفيد والمرتضى والحلي؛ لكنه يعيد قراءتها وتأويلها على ضوء علم الأديان الحديث وعلى ضوء المقولات السياسية اليسارية والإيديولوجية الكفاحية، فيعيد تفسير "الإمامة" و"العصمة" و"الوصاية" و"الولاية" و"التقية" و"الغيبة" و"الشفاعة" وكل المفردات العقائدية الشيعية، بعد أن يجرِّد هذه المقولات من بُعدها الميتافيزيقي ويقف على أبعادها الاجتماعية والسياسية، كاشفًا آلية استخدام هذه المقولات التي نيطت بالتشيع الصفوي لترسيخ نمط الحكم الشاهنشاهي، ومبلوِرًا ما يسميه محمد أركون "الإيديولوجيا التي تتكلم بلغة روحانية"، والمتزامنة مع "لاهوت التحرير" المسيحي في أمريكا اللاتينية.

في هذا المقام التأويلي التوفيقي نزع شريعتي، بخطوة متقدمة ودراية اجتماعية، مفهوم "الإمامة" من مباحث علم الكلام الإسلامي الكلاسي، باتجاهاته الفلسفية التجريدية التي أبقت هذا المفهوم داخل نطاق المقولات والدلالات النظرية والافتراضية، وأدخَلَه في صيرورة الواقع المأزوم وأروقة الاجتماع السياسي، "فاتحًا بذلك كثيرًا من الأبواب المغلقة في المعرفة الإسلامية"، حسب عبارة عبد الرازق جبران في كتابه عن علي شريعتي، مضيفًا بذلك إشكالية الإنسان الاجتماعي وحاجته إلى القيادة الرشيدة ومعتبِرًا الدورَ الاجتماعي معيارًا لجدوى الأفكار أو لتفاهتها. وبهذه النظرة الاجتماعية الواقعية للإمامة تملَّص شريعتي من ذيول المنازعات التي اشتجرت بين المسلمين الأوائل وأراقت الكثير من المداد والدماء، رافضًا الشورى والنص كليهما، ليجعل الخلافة قائمة، لا بالعوامل الخارجية، مثل الانتخاب أو التعيين أو النص الإلهي، غير مقتصرة على سلالة أو قبيلة أو فئة، بقدر ما هي حصيلة حقٍّ ذاتي ناشئ من ماهية الشخص، ومن تشخيص الجماهير له، وتقبُّل إطاعته، والاقتداء به عن قناعة لا يرقى إليها الشك.

وعلى ضوء هذا الاتجاه الاجتماعي وضرورة التصدِّي لمسائل العصر وقضاياه، ينتقد الكاتب أولئك الفقهاء التقليديين الذين ينكبُّون على ألف مسألة شرعية في آداب التخلِّي (الدخول إلى بيت الخلاء) دون أن يقدموا مسألة واحدة أو حكمًا شرعيًّا واحدًا يتعلق بالمصير المشؤوم الذي ينتظر الأمة والبلاد. وإذ يعتِّمون على حقوق الشعب، يستفيضون في الحديث عن حقوق السيد على عبده (!)، ويتجاهلون كل اللغط حول الرأسمالية والبرجوازية، والاقتصاد الاستعماري والعلاقات الطبقية، وحقوق العامل والمستثمر والفلاح، وصاحب الأرض، والمنتج والمستهلك، وفوائد رؤوس الأموال، إلى ما هنالك.

وبآلية القياس التي يتبناها شريعتي لإقامة علاقة تكافؤ بين بنيتين مختلفتين، وزمنين مختلفين، تقوم علاقة استمرارية بين حلقات الماضي وحلقات الحاضر. ويحاول توظيف هذه العلاقة ليوحِّد بين مصطلح "الحتمية التاريخية" ذي البعد الماركسي، والنزعة المهدوية النشورية، ويجعل من مستقبل التاريخ، المدفوع بحركة الصراع بين الطبقات، مدارًا لمسار مدفوع، هو الآخر، بحركة العدالة والعناية الإلهية، انتصارًا للحق على الباطل، وللمظلوم على الظالم، وللضحية على الجلاد.


دين ضد الدين

وتمثل هذه النظرية القياسية بين الثنائيات المتناقضة، القائمة على قانون التدافع البشري، وبين قاعدة اللامساواة والصراع والتعارض بين الاستكبار والاستضعاف، منذ بداية التاريخ البشري الذي دُشِّن بالجريمة الأولى التي اقترفها قابيل بحق أخيه هابيل، والمستمرة حتى اليوم – تمثل هذه النظرة جوهر المنظور التاريخي لعلي شريعتي. وحركة هذا الصراع الثنوي المانوي بين الشيطانية والملائكية، بين القطبية السلبية والقطبية الإيجابية، تتكرر عنده بأشكال وصور شتى، ما دام الماضي يماثل الحاضر، وما دامت حركة الصراع دائمة على مسرح الحياة البشرية.

وعلى قاعدة هذا التناقض يكشف شريعتي أن العالم الذي لا يعيش إلا في كنف الحضارات الدينية، لأن الدين بُعد أساسي في نشوء الأمم والمدنيات، يعاني من مواجهة دائمة وأساسية بين دين ودين. ومن هنا جاء عنوان كتابه: دين ضد الدين. أما الأول فهو "الدين المنفتح" الذي يلبِّي أشواق الناس وتطلعاتهم؛ والثاني هو "الدين المنغلق" على عقائده الجامدة المتحجرة الذي يستلب إرادة البشر. ويَسِمُ الدين الأول بأنه دين الوعي الثوري الاحتجاجي ذو الإيديولوجية الكفاحية؛ والثاني الدين المنحول والموروث والتقليدي، الخاضع لمصالح الثالوث السلطوي، حسب تقسيم الأنثروبولوجي الديني الشهير جورج دوميزيل الذي تبحَّر في أديان الشعوب الآرية والهندوروبية، فوجدها تقوم على تحالف طبقة الحكام والطبقة الاقتصادية وطبقة الكهنوت. وهذه السلطة المثلثة تتبدل وجوهُها عند شريعتي عبر التاريخ، ولا تتبدل وظائفُها ومصالحها؛ وهي تظل ماثلة في كل مجتمع عبر صور القوة والمال والدين.

وحيث إن كل دين يرسو في البداية على جادة الحق والصواب، قبل أن تضع هذه السلطة المركَّبة يدها عليه وتحرفه عن مساره، فإنه يتحول، بعامل الخوف والجهل والمُلكية والتمييز الطبقي، إلى دين تبريري تخديري، إلى "دين أفيوني"، حسب عبارة شريعتي المنتشَلة من الجعبة الماركسية. وهذان القطبان المتعارضان المتناقضان في داخل كل دين، أو بين دين وآخر، مستمران في حربهما واحدهما ضد الآخر منذ بداية النوع البشري.

لكن يجب ألا يُفهَم من هذا الكلام أن شريعتي ينتقد أصل التدين كما كانت حال ماركس، عندما قال كلمته المشهورة: "بالنسبة إلى ألمانيا، اكتمل جوهريًّا نقد الدين، ونقد الدين هو الشرط المسبق لكلِّ نقد." إنما ينحو شريعتي إلى تصويب مسار الدين، وتعديل دوره في خدمة الناس، وإلى إيقاف الإسلام على قدميه. القدوة الكربلائية

لأن الإسلام اليوم "إسلام مقلوب"، حسب عبارة شريعتي ذاته، وبهذا الوقوف يتجرد من الأحكام الخاطئة والمسبقات والقبليات والتشوهات التي تركت بصماتها عليه، لا يستعيد الدين الإسلامي، أو التشيع الأصيل – بل كلُّ دين – نقاوته أو أصالته الأولى، إلا باستعادة دوره الاجتماعي والروحي وفعاليته الواقعية ومراميه التغييرية. وهذه الفعالية الاجتماعية هي جوهر كل دين، بصرف النظر عن أبعاده الفكرية أو العقائدية الأخرى. وبدون هذا الأداء الاجتماعي فإن الدين يفقد غايته وعلة وجوده. فكلُّ شيء، في نظر شريعتي، ينزع إلى ذاته وحسب ولا يكون وسيلة لمأرب أو هدف، يفقد فائدته وقيمته، مهما كان مقدسًا. لذا كان إسلام شريعتي على الدوام إسلامًا احتجاجيًّا اعتراضيًّا. ومن هنا عزا داريوش شايغان إلى شريعتي تمثيله النموذجي الإيديولوجي الذي يحوِّل الأفكار إلى قوة تاريخية. وبهذا المعنى ينحو في دراساته إلى الإيغال في الإيديولوجيا الكفاحية التحررية، وينتقد فكرة القضاء والقدر التي خاض فيها المتكلِّمون المسلمون طوال العصور الغابرة، لأن الجبرية لديه تعني الخضوع والاستسلام. في حين أنه يكرِّس نفسه لرفض الواقع والانحياز إلى كلمة "لا"، كما يقول، والثورة على الظلم والفساد.

وفي حياته كان شريعتي مؤازرًا لحركات التحرر الوطنية، وعلى رأسها الثورة الجزائرية، وانضوى في شبابه في حركة مصدِّق، ثم في حركة المقاومة الوطنية التي أنشأها طالقاني وبازركان وزنجاني. وتحت وطأة هذه النظرة الإيديولوجية الكفاحية لدور الدين، نظر شريعتي إلى الإنجازات الفنية والجمالية والهندسية ذات الطابع الديني نظرة نفعية فحسب، واعتبر الجمالية المعمارية في المساجد والتزويق والزخرفة زوائد لا قيمة لها وإضافات تحجب حقيقة العبادة. في حين أن المسجد – "برلمان الشعب" – مركز ومظهر من مظاهر الألفة والانسجام بين الناس وفضاء توحيدي يذيب الحدود والفواصل والطبقات. كذلك يحسب الحسين الشهيد قدوة وكربلاء مدرسة. ولا فائدة في رأيه من الشعائر الحسينية التي يتهم الحكامَ الصفويين بأنهم اقتبسوها من المحافل المسيحية في أوروبا الشرقية التي كانت تحيي فيها ذكرى شهدائها، وبأنهم حولوا الإمام الحسين إلى صورة عن آلام Passion المسيح. ولصبغ هذه الطقوس والشعائر بالصبغة الإيرانية أدخل الملالي عليها بعض التعديلات لتوافق الذوق الشعبي الإيراني وجعلوها موائمة للأعراف والتقاليد الوطنية والمذهبية في إيران. أما لغة هذه الطقوس فهي لغة التصوف وأعمال الدراويش ومبالغات خطباء المنابر وشعراء العامة.

ولم يتوانَ شريعتي، الذي يصب جام غضبه على رجال التشيع الصفوي المتعصبين والمتعنتين والمتحالفين مع السلطة الشاهنشاهية، عن نقد النزعة الشعوبية عند هؤلاء، بطريقة أكثر جذرية من كل من تصدَّى لهذا الموضوع من الأدباء العرب. وقد حلَّل في كتابه التشيع العلوي والتشيُّع الصفوي آلية المزج في الموروث الشيعي الروائي ما بين السلطة الإيرانية الساسانية والنبوة الإسلامية، حيث اختُلِقَتْ الروايات ونُسِجَتْ الأساطير وعلاقات المصاهرة بين أئمة الشيعة وبنات كسرى لتحقيق غرض الوصل بين السلسلة السلطانية الساسانية وبين السلطة الإمامية الشيعية ولبعث العناصر الفارسية في صلب التشيع.

بل من مفارقات شريعتي الإشكالي التوفيقي أيضًا أنه لا يلبث، في بعض الأحيان، أن يتزحزح عن موقعه ومنطلقاته وعن رؤيته التجديدية الإصلاحية، ولكن تحت ضغط حصار المناهضين له الذين يتهمونه بالزندقة والمروق، فيقرُّ بما سبق له أن غالَطَه وناقَضَه، ويشهد أمام الملأ في إحدى ندواته أنه شيعي يتشبث بأصول العقيدة وبعين ما جاء في الموروث المتداول بين الناس. بل إن المفارقة تبلغ مداها وذروتها حينما يفاضل شريعتي، الأستاذ الجامعي الذي درس في أرقى الجامعات الفرنسية، بين الجامعة والحوزة، فيؤثر الطريقة الحوزوية في التعليم على طرائق التدريس الأكاديمية الجامعية!

المصدر، ويكيبيديا أكتوبر 2010

الجمعة، 5 نوفمبر 2010

«فقه الانتخابات» في الخطاب الإخواني


الاربعاء, 03 نوفمبر 2010
خليل العناني *

الأصل في مسألة الانتخابات عند جماعة «الإخوان المسلمين» هو المشاركة وليس المقاطعة، ولا ضير في ذلك، ما دامت السياسة في «الفقه» الإخواني هي صنو الدين وأحد أصوله وذلك بحسب ما ورد في كثير من رسائل مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا الذي لخّص هذه المسألة في تعبيره الشهير «الإسلام دين ودولة». وبما أن السياسة أصل (واجب ديني) والانتخابات فرع، فإن ما يحق في الأصل يوجب على الفرع. وعليه فقد جرت العادة أن تشارك الجماعة في أية انتخابات كلما سنحت الفرصة لها بذلك وهو ما حدث طيلة العقود الثمانية الماضية.

بيد أن المشكلة تقع حين يتعارض الأصل مع الفرع، ويتحول هذا الأخير كي يصبح أصلاً يجب اتباعه ويؤثم ترْكه. فالسياسة فى الفهم الإخواني لا تُطلب لذاتها وإنما هي وسيلة تهدف إلى «إصلاح الأمة ونشر الفكرة الإسلامية» (رسالة المؤتمر الخامس). وعليه إذا انتفت الغاية، سقطت الوسيلة وانتفت حجتها، وذلك بحسب قاعدة «العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً». وهنا بيت القصيد، فإذا كان «الإخوان» يعلنون دوماً أنهم لا يطمعون في السلطة ولا يسعون إليها، يصبح التساؤل حول جدوى المشاركة في الانتخابات أمراً مشروعاً. وهنا نجد أنفسنا أمام أحد تفسيرين، فإما أن الجماعة لا تفهم المعنى الحقيقي للسياسة وما يتفرع عنها من التزامات كالمشاركة في الانتخابات وتكوين الأحزاب... إلخ. وإما أنها تُعرّف السياسة بوظائفها وأدواتها وليس بغاياتها ومآلاتها. بعبارة أخرى، إذا كانت الجماعة ترى أن العمل السياسي هو مجرد أداة لتحقيق أهداف أخرى، فإن ما يترتب على هذا العمل يصبح أيضاً مجرد وسيلة تدعم تحقيق هذه الأهداف، ويصبح لاحقاً انتفاء الهدف هو نفي للوسيلة وإبطال لها.

وما حدث خلال العقود الثلاثة الماضية هو أن جماعة «الإخوان» المصرية حوّلت الفرع (الانتخابات) إلى أصل، فباتت المشاركة هدفاً بحد ذاته، وهي إن لم تكن بهدف تحصيل السلطة، فهي قطعاً بهدف منع الأذى وفق مبدأ الحصانة والمساومة البرلمانية، وهو مبدأ سياسي وقانوني بامتياز وليس في حاجة إلى تبرير ديني. بيد أن ما حدث أخيراً هو أن جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر قررت المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها أواخر شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري. وكان يكفي الجماعة أن تبرر قرار مشاركتها، والذي جاء معاكساً لرغبة الكثيرين في المقاطعة، باعتبارات سياسية أو تنظيمية. ولكن ما حدث هو أن أحد القيادات الدينية في الجماعة وأبرز وجوهها الجدد (الدكتور عبد الرحمن عبد البر عضو مكتب الإرشاد) قد أصدر فتوى شرعية توجب المشاركة في الانتخابات وتؤثّم من يقاطعها. وهي فتوى أصولية بامتياز، ليس فقط لجهة لغتها ومفرداتها التي تبدو جديدة تماماً على الخطاب الإخواني وأقرب الى الخطاب السلفي التقليدي، وإنما أيضاً لما تحمله من دلالات سياسية ودينية لا يمكن إغفالها.

فهي أولاً، وكما ذكرنا آنفاً، فتوى تستهدف تحويل الفرع إلى أصل. فصاحب الفتوى، وبعد التحرير الفقهي لمسألة مشروعية الانتخابات باعتبارها من المستجدات التي لم يرد فيها نص شرعي، يقرّر أن المشاركة فيها واجب يدخل ضمن باب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وذلك بغض النظر عن مسألة الاستطاعة من عدمها. في حين يعتبر أن الدعوة الى مقاطعة الانتخابات هي أشبه بـ «التولي يوم الزحف» (وإن كان صاحب الفتوى قد سحب هذا اللفظ أخيراً مستبدلاً إياه بـ «الهروب من المسؤولية» ولا فرق هنا فالمعنى واضح). وهو قد بنى حكمه الفقهي على اعتبار أن «العمل النيابي هو أسلوب من أساليب الحسبة» وأن المجالس التشريعية هي «منابر من منابر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». وهذه أيضاً إضافة جديدة على الخطاب الإخواني الذي لم يعرف مسبقاً مفهوم الحسبة، على الأقل في ما يخص مسألة الانتخابات. ويزداد الأمر غرابة حين يقرر صاحب الفتوى أن المشاركة في الانتخابات «ترشيحاً وإدلاء بالصوت» هي نوع من «الجهاد الأكبر» اللازم «لإزالة المنكرات» (نص الفتوى والتعقيب عليها منشوران على موقع «إخوان أونلاين»).

ثانياً: ان هذه الفتوى تنقل مسألة الانتخابات، بكل ما تحمله من حسابات وممارسات قد يتعارض بعضها مع أصول الدين وفروعه، من الفضاء السياسي المحض إلى الفضاء الديني. كما أنها تنقل قضية المشاركة في الانتخابات من باب المصالح المرسلة إلى باب الواجبات المقررة شرعاً. وبما أن العبرة هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، تصبح مقاطعة الانتخابات مخالفة دينية يؤثَم صاحبها، ويصبح جميع الداعين الى ذلك آثمين، سواء كانوا من خارج جماعة «الإخوان» أو من المنتمين الى أحد فروعها الإقليمية، مثلما هي الحال مع «إخوان» الأردن الذين قرروا مقاطعة الانتخابات التشريعية المقررة الأسبوع المقبل. وهو قول لم يجرؤ عليه أحد من قيادات «الإخوان» طيلة تاريخها. فعلى سبيل المثال حين دعا مؤسس الجماعة للمشاركة في انتخابات 1942 وانتخابات 1944 لم يجعلها تكليفاً شرعياً ولم يلزم بها أحداً سواء من الجماعة أو خارجها.

ثالثاً، تُسقط هذه الفتوى أي ادعاءت إخوانية بإجراء تصويت داخلي على قرار المشاركة من عدمه وذلك بحسب ما أعلن المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع الذي قال إن نسبة التصويت على خيار المشاركة وصلت الى حوالى 96 في المئة وهو ما نفاه لاحقاً أحد قيادات الجماعة. وفي كل الأحوال لا يمكن الفصل بين قرار المشاركة والفتوى الصادرة بموجبها، فحين يتم إرسال مثل هذه الفتوى الى القواعد والقيادات الإخوانية، فلا مناص من السمع والطاعة وإلا أصبح من يرفضها آثماً شرعاً، وخارجاً عن التنظيم مثلما حدث مع بعض الرافضين للمشاركة.

رابعاً، لا تستقيم هذه الفتوى مع المبدأ الفقهي المعروف «درء المفاسد مُقدّم على جلب المصالح»، وإذا كان صاحب الفتوى قد استأنس بهذا المبدأ من أجل تبرير المشاركة في الانتخابات باعتبارها إحدى وسائل مراقبة الحكومة، فإنه قد تجاهل المفاسد المترتبة على المشاركة في ما يخص المآسي التي تقع لأهالي المرشحين من «الإخوان» وعائلاتهم، ويكفي أن نطالع أخبار الصحف المصرية كي نعرف حجم القمع الذي يتعرض له أعضاء الجماعة منذ أن قررت المشاركة في الانتخابات المقبلة. وهنا قد يُرَد على مثل هذه الفتوى بالقول إنها تتعارض مع نص قرآني صريح هو «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة».

أما في ما يخص الدلالات السياسية للمشاركة في الانتخابات، فإنها تؤكد مجدداً أن الانتخابات قد تحولت من وسيلة إلى غاية بحد ذاتها وهو ما يكشفه الخطاب الإخواني بوضوح. أو على الأقل باتت طقساً روتينياً تمارسه الجماعة من أجل تحقيق فوائد عدة: أولاً أن المشاركة في الانتخابات تساهم فى تكريس «الشرعية الواقعية» لجماعة «الإخوان» التي لا تحظى بالاعتراف الرسمي من النظام المصري الذي قد يفسّر مقاطعتها للانتخابات على أنها نجاح لسياساته الإقصائية تجاهها. ثانياً، إن المشاركة في الانتخابات هي بمثابة فرصة ذهبية من أجل تدريب الكوادر الإخوانية على العمل العام واكتساب مهارة التعاطي مع السلطات (وذلك كما ورد في حوار رئيس لجنة الانتخابات في «الإخوان» مع جريدة «الشروق» المصرية فى 16 تشرين الاول / أكتوبر الماضي). ثالثاً، ان موسم الانتخابات يمنح الجماعة مساحة معتبرة من التواجد الإعلامي والحقوقي ويساهم في تكريس صورتها كـ «ضحية» أمام الرأي العام. ورابعاً، ان الانتخابات تمنح «الإخوان» قدراً من الحصانة البرلمانية إذا فاز مرشحوها قد تمكن الجماعة من مواصلة نشاطها التنظيمي. وهذه جميعاً أهداف مشروعة لم تكن في حاجة الى فتوى دينية كي تبرّرها.

منبع الخطورة في الفتوى الإخوانية ليس فقط كونها تمارس ذلك الخلط المعتاد بين الفضاءين الديني والسياسي، وإنما أيضاً لأنها تعيد غزل مفردات الخطاب الديني والسياسي للجماعة الأكثر اعتدالاً كي يصبح أكثر أصولية وانغلاقاً ما قد يؤدي إلى عزلتها وانكفائها.

* أكاديمي مصري - جامعة دورهام، بريطانيا.

k.m.ibrahim@dur.ac.uk

المصدر، جريدة الحياة اللندنية

«الإسلام هو الحل» ليس حلاً


بقلم   د. عمرو الشوبكى    ٤/ ١١/ ٢٠١٠

تمسكت جماعة الإخوان المسلمين بشعار «الإسلام هو الحل»، وفشلت الدولة حتى الآن فى منع الشعارات الدينية التى تقوض أسس الدولة المدنية وقواعد الديمقراطية، وفضّلت مواجهتها بالطرق الأمنية المعتادة دون أن تبتكر أى جديد.

والحقيقة أن إصرار الإخوان على التمسك بشعار «الإسلام هو الحل» يعكس إصرارا على التمسك بشعار، ليس فقط مناقضاً لقواعد الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة، إنما أيضا مراوغ ووهمى، ويعرف كثير من الإخوان أنه لا معنى له فى الواقع ويخدع الناخب المصرى، ويعمق كل الجوانب والقيم السلبية التى شهدها فى العقود الأخيرة من تغييب للعقل وتسطيح للحلول.

وقد طرح الإخوان هذا الشعار منذ انتخابات عام ١٩٨٧ دون أى مراجعة لما يقرب من ربع قرن، انهارت فيها نظم شيوعية، وتغيرت خريطة العالم، وبقى الإخوان المسلمون مثل الحزب الوطنى ثابتين فى المكان يتحدثون نفس اللغة والخطاب، وعاجزين عن المراجعة وتقديم الجديد.

والحقيقة أن تمسك الإخوان بهذا الشعار كشف عن أزمة عميقة فى فكرهم وفى أداء النظام السياسى على السواء، فاعتبار «الإسلام هو الحل» شعاراً سياسياً وليس دينياً أمر لا علاقة له بالواقع، ويمثل إصراراً على تحدى القوانين المنظمة للعملية الانتخابية بطرح شعار دينى وتمييزى بامتياز، متناسين أن القوانين يجب أن تُحترم حتى لو لم تعجب الإخوان وحتى لو كانت الحكومة أول من يخالفها.

صحيح أن الحكم لم يتعود مواجهة الإخوان عبر موقف مبدئى يقول فيه إن مصر دولة مدنية، وإن الانتخابات تنظمها قواعد قانونية ترفض استخدام الشعارات الدينية، ومن حقها أن تشطب أى مرشح لا يلتزم بهذا الشعار، ولكن بما أن «إخوان الحزب الوطنى» يستخدمون أيضا شعارات دينية،

وبما أن اللجنة العليا للانتخابات متخبطة وبلا صلاحيات تذكر، فإن الحكم فى مصر ليس لديه مشروع سياسى قادر على مواجهة الإخوان بالسياسة وليس الأمن، ولم يعتد أن يدافع عن قيمة عليا أو قانون واستسهل الحل الأمنى حتى حوّل الإخوان من تنظيم دينى منافس إلى جماعة من الضحايا والشهداء، فحصلوا على نصيبهم من العملية السياسية مرتين: مرة من قوتهم الحقيقية، ومرة أخرى نتيجة ضعف الآخرين وإفلاسهم.

والحقيقة أن مسؤولية الحكم الحالى عن صعود الإخوان كأكبر تيار معارض مؤكدة، فلأول مرة فى تاريخ مصر الحديث تتم مواجهة الإخوان بالأمن فقط، فقد واجه الوفد فى الثلاثينيات والأربعينيات الإخوان بالسياسة وجعلهم فى وضع أضعف منه بكثير، بل إن الإخوان فشلوا طوال تلك الحقبة فى أن يحصلوا على مقعد واحد فى كل برلمانات ما قبل الثورة،

كما استبعد عبدالناصر جناحاً من الإخوان من الحياة السياسية وواجهه بقسوة، ولكنه دمج تياراً آخر فى مؤسسات الدولة وفى تنظيماته السياسية، وظلت شعبيته الجارفة عاملاً رئيسياً وراء تهميشهم وليست فقط الإجراءات الأمنية، وكذلك فعل الرئيس السادات الذى واجههم بالأمن والسياسة، ونسج معهم علاقة مركبة.

وفى الحقب الثلاث كانت هناك مشاريع سياسية حاضرة خصمت من رصيد الإخوان الشعبى والسياسى، وجعلته فى مرتبه أضعف بكثير من مشروع الوفد الليبرالى وعبدالناصر التحررى. أما الآن فلم يقدم الحكم الحالى أى فكرة ملهمة للناس ولم يدافع عن إصلاح سياسى حقيقى أو تنمية اقتصادية يشعر بها أغلب المواطنين، فكان «الإسلام هو الحل» بديلا وهميا أقنع بعض البسطاء بأن مشكلتهم سيحلها شعار فضفاض لا معنى له فى السياسة.

إن كارثة هذا الشعار أنه ظهر فى حقبة النظم الشمولية والشيوعية التى رفعت شعارات عامة وأحادية على طريقة «الاشتراكية هى الحل»، وتعالت عن التفاصيل المعاشة التى كان ينخر فيها السوس، والمشكلات الاجتماعية والسياسية الكثيرة التى حاولت أن تخفيها شعارات الاشتراكية والثورة، والأمر نفسه، تكرر مع نظم إسلامية كثيرة ارتاحت أيضا لليافطة الأيديولوجية المرفوعة، وتجاهلت الواقع والتفاصيل حتى جاء الوقت الذى تخلت فيه حتى عن اليافطة لصالح الكرسى.

وتبدو تجربة إخوان السودان دليلا واضحا على حجم الفشل الذى تحقق على يد حكم إخوانى كان له بريق وهو فى المعارضة ولكن حين وصل للحكم مارس ممارسات أعتى النظم الديكتاتورية تحت اسم الجهاد والحكم الإسلامى، حتى أوصل السودان إلى الانقسام.

إن البعض لايزال يتصور تحت تأثير السياق الحالى الذى غيب فيه العقل عن المجتمع المصرى أن هناك حكماً إسلامياً نقياً خالياً من أهواء البشر، ويختلف عما سمى «النظم المادية»، وهو رأى فيه جهل بالدين والسياسة معا، لأن هذا الحكم سيطبقه بشر وليس ملائكة، وبالتالى هم فى قلب السياسة بمعناها النسبى وأحيانا المراوغ وليس الدينى والمقدس، وهو ما يستلزم رقابة قانونية على الممارسة السياسية، تدعم الإنجاز السياسى والاقتصادى لا الشعارات الفضفاضة والوهمية.

لا يوجد أى حزب سياسى فى أى بلد ديمقراطى يدخل معركة انتخابية، تاركا كل الشعارات السياسية والاقتصادية، ويتمسك بشعار عام وفضفاض ليس له أرجل فى الواقع مثلما فعل الإخوان مع شعار «الإسلام هو الحل»، ومعهم تجارب الفشل فى الفكر الإنسانى كله سواء كانت دينية أو شيوعية أو قومية.

هل «الإسلام هو الحل» يتضمن تجربة السودان «الإسلامية»، أم تجربة طاليان الأفغانية، أم هو إسلام تجارب النجاح على يد أحزاب ذات مرجعية ثقافية وحضارية إسلامية وتبنت برامج سياسية مدنية وديمقراطية ليست لها علاقة بالإخوان، مثل حزب العدالة والتنمية فى المغرب وتركيا، أو تجربة ماليزيا الملهمة؟!

إن مصر مليئة بمشكلات اجتماعية وسياسية لا حصر لها، وكان يمكن للإخوان أن يبتكروا شعارا سياسيا يعبر عن هذه المشاكل، ولكنهم تمسكوا بشعار لم يغيروه منذ ربع قرن, تحدوا به الدولة, التى حتى لو كانت لا تحترم القوانين, فهو ليس مبرراً لأن يفعلوا مثلها، وأثبتوا أنهم واقفون فى مكانهم مثل «إخوان الحزب الوطنى» لا يتغيرون.

صحيح أن هناك فى داخل الإخوان من يمكن وصفهم بالإصلاحيين، وهناك شباب داخل الجماعة ومعهم قله من السياسيين المدربين يقرون همسا أو فى أحاديث خاصة، بأن هذا الشعار غير مفيد فى الانتخابات، ومع ذلك لايزال هناك عقل غير سياسى مسيطر على الجماعة، مُصر على فرضه بصورة أضرت ضررا فادحا ليس فقط بالإخوان وإنما بعملية التطور الديمقراطى ومجمل العملية السياسية.

لقد أصبح مستقبل الجماعة مرتهناً بإصلاح النظام السياسى القائم، وهم بالتأكيد ليسوا من بين القوى القادرة على إصلاحه، ولذا سيستكملون بهدوء مسيرتهم على مدار ٨٠ عاما ويتركون مصيرهم فى أيدى غيرهم، أما هم فقد اكتفوا «بإنجازهم» الكبير وتمسكوا بشعار لا علاقة له بالعقل ولا السياسة ولا الانتخابات، ولا حتى قدسية الدين.



- المصدر، المصري اليوم

السبت، 23 أكتوبر 2010

النضال القبطي..المواطنة بلا جعجعة



د . محمد سعد أبو العزم




" أي نعم ..فأنتم إخواني أيها الإخوان المسلمون، أنتم إخواني وطنًا وجنسًا، بل إخواني نفسًا وحسًا، بل أنتم لي إخوان ما أقربكم إخوانًا؛ لأنكم في الوطنية إخواني إيمانًا، ولما كانت الوطنية من الإيمان، فنحن إذن إخوان في الله الواحد المنان. فإذا كنتم أيها الإخوان المسلمون، قد فقدتم الحاكم الأكبر، الخالد الذكر، فحسبكم أن تذكروا أن هذا الرجل الذي أسلم وجهه لله حنيفًا، قد أسلم روحه للوطن عفيفًا، حسبكم أن تذكروه حيًّا في مجده، كلما ذكرتموه ميتًا في لحده، وما من شك أن فضيلة الشيخ "حسن البنا" هو حي لدينا جميعًا في ذكراه، بل كيف لا يحيا ويخلد في حياته رجل استوحى في الدين هدى ربه، ففي ذكره حياة له ولكم. ومن ذا الذي يقول بهذا هو "مكرم عبيد" صديقه المسيحي، الذي عرف في أخيه المسلم الكريم الصدق والصداقة معًا، ولئن ذكرت فكيف لا أذكر كم تزاورنا وتآزرنا إبان حياته، ولئن شهدت فكيف لا أشهد بفضله بعد مماته، وما هي – وأيم الحق – إلا شهادة صدق أُشْهد عليها ربى؛ إذ ينطق بها لساني من وحى قلبي".

                                           صورة الزعيم مكرم عبيد 
 
هذه الكلمات خطها الزعيم الوطني الراحل "مكرم عبيد" في مجلة الدعوة -لسان حال جماعة الإخوان المسلمين- في الذكرى الثالثة لرحيل الأستاذ "حسن البنا" مؤسس الجماعة، وهي الكلمات الخالدة التي تعبر بصدق ووضوح عن منهج "مكرم" في التعامل مع الطرف الآخر للوطن، ورؤيته في قضية الوحدة الوطنية، والتي وضع إطارها النظري، ثم جعلها في موضع التنفيذ، ليحل بذلك الإشكالية التي يراها البعض صعبة، في الالتزام بمبادئ وتعاليم الدين، مع الحفاظ على متطلبات المواطنة واحترام حقوق الطرف الآخر، وهو بذلك يقدم لنا نموذجًا يحتاج منا إلى وقفة وفهم، لنعرف كيف يمكن التعامل مع مثل تلك القضايا الحساسة.

البداية كانت من خلال فهم "مكرم عبيد" الدقيق والواضح للعدو الحقيقي، وإلمامه بتفاصيل معركة الحرية التي خاضها، ويخوضها من بعده كل من يسعى للإصلاح، وتغيير حال الوطن إلى الأفضل، فالعدو من دون شك ليس في الداخل، وهو يعتبر "أننا في معاركنا الداخلية أشبه بالسمك، يرتطم في شباك الصياد فيحسب نفسه في عراك، فإذا كان هذا هو الجهاد، أو ما انتهى إليه في نظرنا هدف الجهاد، فهنيئًا بالصيد للصياد". وفي العام 1938 يعلق "مكرم عبيد" وسام شرف جديد على صدره، عندما يرفض أمام عصبة الأمم الاعتراف بأن المسيحيين في مصر أقليات، أوفي حاجة لحماية أي دولة غربية، وعارض أن يربط انضمام مصر لعضوية المنظمة الدولية، بتعهد الحكومة المصرية بكفالة حقوق الأقليات، فمثل هذا التعهد قد يساء فهمه، وربما يتم استغلاله ضد مصلحة مصر عندما يراد التدخل في شؤونها. بل وأكثر من ذلك فقد قام بقيادة الأقباط نحو رفض أي تعديلات في دستور 1923، بما يضمن تمثيل نسبي للأقباط في البرلمان، لأنه اعتبر أن فكرة هذا التمثيل هادمة للوحدة الوطنية، وموجبة للتفريق بين أفراد الشعب، وأكد على تضامن الأقباط مع المسلمين في مطالبهم بإلغاء الفكرة.

عرف عن "مكرم" إتقانه الشديد للغة العربية، وتطويعها لمنطقه وأفكاره، وما زال البعض يحفظ خطبه وحكمه عن ظهر قلب، ومن بين ما نسترجعه الآن قولته الشهيرة: "نحن مسلمون وطنًا، مسيحيون دينًا" وهي ليست من المجاملات كما يظن البعض، وليست من المحسنات اللفظية كما يظن آخرون، لكنها تعبير عن فهم حقيقي للتفاعل بين الإسلام والمسيحية، في ظل وحدة اللغة والثقافة والحضارة في هذا الوطن ، ويخطئ من يظن أن تلك الفترة التي عاشها "مكرم" لم تكن تخلو من المنغصات الطائفية، أو من بعض الحوادث والاشتباكات التي تحدث كل فترة بين المسلمين والأقباط، ولكنه كان يتميز بإجادته التعامل مع مثل هذه المواقف، فحين حدثت في أيامه تلك المواجهة التي أثارها بعض الموظفين الأقباط، نتيجة إحساسهم بالتمييز بسبب ديانتهم، وهضم حقوقهم، حينها لم يلعب "مكرم" على الوتر الطائفي لتحقيق مصالح شخصية في الأوساط القبطية، وإنما خطب في جموع الموظفين وأعلنها صريحة "أنه من الحرام أن تثار مسألة قبطي ومسلم بعد أن قبرناها، وغسلنا ما خلفته من أرجاس، بدماء شهدائنا الزكية، فكلنا مصريون وطنًا ودمًا وشعورًا، ومن العبث تكبير مثل هذه الحوادث التافهة، ومحاولة استغلالها، فما هي إلا زوبعة في فنجان، وليعلم الناس قاطبة أن اتحادنا- أستغفر الله بل وحدتنا- قد أصبحت مضرب الأمثال عند أمم الشرق جميعًا، بعد أن عجزت الحوادث والتجارب عن أن تنال منها منالاً، فقد كنا وسنكون جميعًا مصريين لمصر، وإذا استدعى الأمر.. فأنا أطلب منكم أن تأخذوا دمي فدية، واتركوا وحدتنا سليمة، ولئن غاظكم أن أكون أكثر احترامًا للنبي الكريم من بعضكم، وأن أرى في رسول الله أسوة حسنة للناس يتشبهون به في أمانته، وقد بعث ليتمم مكارم الأخلاق، لئن غاظكم ذلك.. ولم يغظكم إخلاصي لوطني، فاطلبوا إلى الله أن يهبكم شيئًا من الإخلاص، وهو تعالى مصدر الإخلاص، واذكروا ما جاء في الحديث القدسي "الإخلاص سر من أسراري، أودعه قلب من أشاء من عبادي"

انتهى كلام مكرم عبيد والذي يوضح مدى فهمه لقضية الوحدة الوطنية وتفاعله معها، ولعل استدلاله الدائم بالقرآن والسنة ليس مستغربًا، فقد وصفته الأستاذة "منى مكرم عبيد" في كتابها القيم "مكرم عبيد كلمات ومواقف" بأنه كان مطلقًا قارئًا حافظًا للقرآن الكريم، والأحاديث النبوية، بجانب حفظه للتوراة والإنجيل، ولذلك فلا نستغرب أن يحظى بشعبية هائلة، وقبول وحب من جميع أطياف الشعب، وخير دليل على ذلك اكتساحه للانتخابات التشريعية في محافظة "قنا" مسقط رأسه، أمام منافسه "أحمد ياسين" في انتخابات حقيقية ونزيهة، وذلك على الرغم من وجود النزعات الطائفية والعصبية العائلية المعروفة في صعيد مصر.

كثيرة هي الرسائل التي يوجهها "مكرم عبيد" لنا الآن، لنفهم كيف نتعامل مع الواقع وندير بوصلة الوطن في اتجاهها الصحيح، لقد قدم "مكرم" لكل قبطي المعنى الحقيقي للمواطنة، وقيمة الانتماء للحضارة الإسلامية، كما قدم لكل مسلم البرهان على أن حب الوطن وتقديم التضحيات ليس حكرًا على ديانة بعينها، وبالرغم من مرور عشرات السنين على رحيله، إلا أن كلماته لا تزال تحيا بيننا، وسيظل دعاؤه خالدًا: "اللهم دينًا عن الدنيا، أو فارفع دنيانا إلى مستوى الدين، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصارًا، ونحن النصارى لك وللوطن مسلمين".

الخميس، 21 أكتوبر 2010

هيثم أبو خليل.هل يوجد بالفعل تيار إصلاحي بالجماعة

المهندس هيثم أبو خليل مع الأستاذ فريد عبد الخالق أحد القيادات الإخوانية بالأربعينات

هذا الحوار تم نشره أمس بجريدة الخميس 21-أكتوبر 2010

الحوار الذي أنشره الآن كما تم نشره بالجريدة، يطرح تساؤلات حول وجود تيار الإصلاحيين بالجماعة، وهل هناك بالأصل ما يسمى تيار الإصلاحي بجماعة الإخوان، واين هم، ولماذا لم يخرج أبو خليل ورفاقه من التنظيم رغم إيقافهم وصعوبة تصعيدهم داخل الجماعة بعد الأحداث التي شاركوا فيها، ولماذا لم يلتزم أبو خليل ورفاقه بالقرار الحزبي للجماعة بالمشاركة في الانتخابات، ام كانت معارضة لأجل المعارضة والظهور فقط في الصورة

وإحداث جعجعة بلا طحن، وما هي أسباب إيقافه، وما هي آليات المحاسبة داخل الجماعة

وغيرها من نقاشات وأسئلة دارت بالحوار الأتي

..

المهندس هيثم أبو خليل هو أحد الذين رفضو الخروج من جماعة الإخوان المسلمين رغم قسوة ما يعانيه من هجوم ونقد لمواقفه المعارضه كثيراً ، واعتبر أن الصراع بينه وبين التنظيم هو صراع على مصلحة الجماعة الحقيقية التي يمثلها هو ورفاق له ينتمون فعلياً لفكر الإمام البنا، وليس كثير من قيادات الجماعة الحالية.. والذي وصفهم بـ " الإقصائيين".

تصريحاته وكتاباته في الصحف المستقلة " المصري اليوم" و" الشروق" أثارت عليه بعض قيادات الجماعة في الإسكندرية، فتم إيقافه ثلاثة أشهر، فلم يُذعن الرجل وأرسل إلى المرشد يطالبه بتبرير هذا الإيقاف، وؤغم ذلك تم تطبيق الإيقاف عليه.

الرجل الذي يشغل مديراً لمؤسسة مجتمع مدني " مركز ضحايا لحقوق الإنسان".. في الوقت نفسه هو أحد أشهر وأكبر المدونين الإخوان، فالرجل الذي تجاوز الأربعينات بسنوات قليلة مدونته " متر الوطن بكام" ..هي من المدونات التي تثير جدلاً كبيراً في الوسط الإخواني، وجداره على الفيس البوك يلقى تفاعلاً كبيراً من ناشطي الفيس بوك والمدونين، وبالطبع كثير من شباب الإخوان المساند والمعارض لمواقفه وكتاباته ...هناك وعند صفحته على الفيس " الوول" قبل أن تقترب منها مهم أن تأخذ خوذتك معها..فالتفاعل والجدال هناك يصل حتى إلى الرشق بالحجارة ...


أصدرتَ أنت ومجموعة من الإخوان بياناً تعارضون فيه مشاركة الإخوان للانتخابات، لماذا لم تنزلوا عند الإلتزام الحزبي للجماعة، هذا يحدث في كل الأحزاب، أم تعارضون لمجرد المعارضة والتواجد؟


أعتقد أن أسوأ كلمة يمكن أن أسمعها هي كلمة الإلتزام الحزبي وللأسف طبقها الإخوان مثل بقية الأحزاب في بلادنا، الإلتزام الحزبي في تقاليد الحزب لكن في قضايا الأمة فالإلتزام الحزبي أمر يضر الأمة خيانة ويلغي التفكير والمنطق والذاتية ويجعلنا نعود لعصر القبيلة .. نحن نقدم نموذج للأمة بأننا رغم تشرفنا بعضوية جماعة الإخوان إلا أننا غلبنا العام علي الخاص ونطالب بمقاطعة هذه المهزلة، أما المقاطعة من أجل التواجد فالحمد لله الأسماء التي وقعت علي البيان لا تحتاج تواجد لأن تاريخها يجعلها متواجدة بإستمرار وبقوة.


من تبقى فعلياً من قوى المعارضة ؟؟ الأحزاب الكبري ( الوفد- التجمع- الناصري) يشاركون، فضلاً عن الأحزاب والمجموعات الصغيرة، وهناك أنباء تتحدث عن نزول حمدين صباحي الانتخابات بضغط من دائرته، يتبقى لك الغد والجبهة، ولن يعتد كثيراً بمجموعة البرادعي


التي ليس لها وجود فعلي في مساحة الانتخابات؟


يا سيدي قناعتنا في مقاطعة الإنتخابات نابعة لقراءة للواقع الحالي الظروف تغيرت محلياً وإقليمياً وعالمياً ..لذلك الإشتراك هو إستنفاذ للطاقات دون طائل في ظل نزع الإشراف القضائي عن الإنتخابات، وفي ظل الأوضاع في غزة وتغير نظرة الإدارة الامريكية لملف الحريات في عهد أوباما والأحزاب التي ذكرتها لاوجود لها في الشارع ومقاطعة الإخوان للإنتخابات كان سيبطل حجة النظام أنه يزوِّر حتي لايفوز الإخوان

..

القيادي في التنظيم العالمي لجماعة الإخوان كمال الهلباوي، وأحد من وقعوا على بيان " قاطعوا لأجل مصر " اعتبر مشاركة الإخوان تعبر عن مصالح ضيقة جداً ؟


كلام سليم تماماً .. المصلحة الضيقة هي المشاركة بنسبة بسيطة من أجل الفوز بعدة مقاعد لن تغيير في الأوضاع الحالية شيء ..والنظرة الأعم والأشمل هي التجهيز لعصيان مدني يسقط هذا النظام الجاثم علي صدورنا، وهذا التجهيز يحتاج لسنوات وإجهاد الإخوان في الإنتخابات يؤخر تقدمهم سنوات.


ولماذا يشارك الإخوان فقط بـ170 مرشح في الوقت الذي يقدرون فيه على الترشح لكل مقاعد المجلس؟


بكل أمانة هذا لغز .. وما يدفع من أسباب أجده غير منطقي، ماذا سيختلف عن إنتخابات المحليات والشوري ..؟ ماذا تغيير بعد إبعاد القضاة عن الإشراف عن الإنتتخابات وإستمرار قانون الطواري ...! والمشاركة هذه المرة بـ 170 مقعد أو أكثر يسيء للإخوان؛ لأن عبارة "مشاركة لا مغالبة" عبارة خاطئة لو أستُدعيت في مشاركة الحزب الوطني، لكنها صحيحة في النقابات والنوادي لكافة القوي الشريفة في الوطن.

أعيد السؤال بصيغى أخرى، ما معنى أن تشارك بـ 170 هل تريد أن تظهر في الصورة كمعارض وفقط ، أم تريد تغيير جذري للنظام؟


للأسف رغم عدم موافقتي علي المشاركة في الإنتخابات لكنني كنت أتمني أن تغير الجماعة إستراتيجيتها مع النظام .. النظام لاينفع معه رسائل 30% والمشاركة لا المغالبة، النظام يريدك كمنظر وشو إعلامي بأن هناك معركة وفي نفس الوقت يدُق عظامك حتي لاتفوز بأي مقعد لأن هذا المجلس هو حياة لهذا النظام ، ويبقي سؤال لا أجد له إجابة .. مشاركة من ..؟ الحزب الوطني الفاسد ..!! يمكن أن أتفهم هذا الشعار في النقابات والنوادي حيث توجد قوي معتبرة وأشخاص يستحقون مشاركتهم لكن حزب المنتفعين والفاسدين فهذا تناقض

.


الإخوان قاطعوا الانتخابات التشريعية عام 90 مع كل الأحزاب السياسية-باستثناء التجمع- لكن التزوير حدث حينها ومرَّ مرور الكرام، فما الجدوى إذن من المقاطعة؟


يا سيدي المقاطعة رسالة حتي لانجمل وجه هذا النظام البائس ولنجعل حالة الإحتقان مستمرة ولا تسكن بإنتخابات وهمية يتم إستفزازنا بنزاهتها.


يتحدث الإخوان عن أن المشاركة ستساهم في فضح النظام حينما يعمل على تزوير الانتخابات، وسيستغل الإخوان حينها قدراتهم وامكانياتهم في فضح النظام أمام العالم ؟ أما الإكتفاء بالتوقف للمشاهدة فلا جدوى منه؟


النظام مفضوح ولا يحتاج فضيحة، وماذا فعل العالم لنا في إنتخابات المحليات والشوري بل في المرحلة الثالثة من إنتخابات 2005 عندما تم منع الناخبين أصلاً من دخول اللجان وعلي مرأي من العالم كله.


لكن الإخوان يعتبرون الإنتخابات –خصوصاً التشريعية- فرصة للإلتحام بالشارع، والوصول بالدعوة إلى الجماهير، والنزول ببرامج الإخوان بشكل لا يمكن الحصول عليه خارج محيط التوقيت الزمني للانتخابات؟


الشارع مفتوح 24 ساعة في اليوم لكنه الكسل يا سيدي والجمود وعدم تطوير الأساليب وإفتقار وجود كوادر مؤهلة تنزل الشواع للقيام بالدعوة الفردية بصورة جديدة ...بالعكس أيام الإنتخابات تكون العيون مفتحة والمضايقات أكثر.


تعليقك على فتوى الشيخ عبد الرحمن البر بتأثيم المقاطعة، بل واعتبر المقاطعة كالفرار والتولي يوم الزحف، ألا يُعد ذلك استخدام للدين في السياسة هو في النهاية أمر دنيوي متعلق باجتهاد بشري؟


لستُ في مقام من يناطح أستاذ فاضل مثل الدكتور عبدالرحمن البر لكن خلط المفاهيم كارثة والقول أن مقاطعة الإنتخابات تولي من الزحف مصيبة.


ماذا عن رد الفعل السلبي الذي طال موقعوا بيان " قاطعوها لأجل مصر" من اتهامهم بكونهم مجموعة خرجت من الإخوان ولا يمثلونها من الأساس؟


نحتسب مايقال نحونا لله، لكن ما يُقال أنه لايجب الإلتفات لما نقول لأننا خرجنا من الإخوان أفتئات علي الحقيقة و كذب بواح لايليق وإنما هو رد من يريد أن يريح دماغه من الرد والنقاش ..؟ وأقول لهم : هل الزعفراني خرج ..؟ هل جيهان الحلفاوي خرجت .. هل دكتور كمال الهباوي خرج ..؟ هل خالد داود وحامد الدفراوي ومصطفي كمشيش وعصام تليمة وأمجد أبوالعلا خرجوا ..؟ بل هل أنا خرجت ..؟ عيب ما يقال فهذا إستخفاف بالعقول لايليق.!!

للأسف ما حدث أمر لايليق حتي لو من باب التعريض فجميع الموقعين علي البيان ليسوا من الإخوان فحسب بل من قيادات الإخوان التاريخية .. هل الزعفراني ليس من الإخوان وهو كان عضو مجلس شوري عام منذ أربعة أشهر مضت ..!! وهل الهلباوي مسئول إخوان أوربا السابق ليس من الإخوان ..؟؟ من يقول أنهم ليسوا من الإخوان فليخرج لنا دليله هل تم فصلهم أو تقدموا بإستقالة .. البينة علي من أدعي وليست علينا

..

وهل هناك فرق بين الجماعة والتنظيم؟


الجماعة كفكرة ملك للجميع والتنظيم ملك العاملين في الإخوان وكلنا منهم كشركاء وليس كأتباع ومريديين لبعض القيادات، التنظيم كيان إداري إليه كالانتساب إلى الحزب غير أن العضوية فيه اصطفائية وليست بالاختيار وتمر بمراحل معقدة.


فعلياً هل أنت في التنظيم أم تنتمي إلى الجماعة بمعناها الأوسع؟


في الاثنين بالطبع


البعض يتحدث عن أن العسكرة الحقيقية التي حدثت للجماعة بعد المرشد الثالث للجماعة الأستاذ عمر التلمساني حينما تم تطبيق رسالة التعاليم –الخاصة بالتنظيم الخاص- علة التنظيم العام؟


الأستاذ عمر التلمساني نموذج راقي ومتفتح ولو أستمر من خلفه علي هذا النهج لكان للجماعة شأن أخر، نعم الجماعة لن أقول أختطفت ولكن أقول أتجهت (لأن البعض يغضب من بعض ألفاظي العنيفة والتي أستخدمها لينتبه الغافلون) للإنغلاق بعد التلمساني حفاظاً علي التنظيم من التغريب والإختراق هكذا يظنون، وبالفعل رسالة التعاليم الإمام البنا كتبها للتنظيم الخاص وليس لعموم الإخوان وهذا ما أوصلنا للحل الذي نحن عليه.


معيار الترقي والتصعيد في المستويات التربوية المختلفة صفات عشرة تمثل الجندية الحقيقية وأوله صفات الثقة في القيادة والسمع والطاعة، ألا ترى مخالف لتنظيم مدني.. وهل كان هذا الأمر مطبق أيام الشهيد حسن البنا رحمه الله؟


عمليات الفرز التي تتم طبقاً لمعايير معينة إهانة في حق الإخوان ..فلابد أن ننفتح كثيراً علي الأمة .. لا أفهم أن يكون من شروط الأخ الذي يتم تصعيده أن يكون عنده ثقة ومطيع ويقوم بعدة أمور منها علي سبيل المثال لا الحصر انتظامه في صلاة الفجر .. لماذا لا أفتح للجميع وبعد ذلك أشتغل عليهم من شاء يصلي الفجر فليصلي، ربما أستفيد كثيرا من شخص لايصلي الفجر أكثر من شخص مقيم في المسجد، الإمام الشهيد كان عبقرياً توافقياً ولذلك جميع مئات الألأف حوله في زمن قياسي وكان لا يلتفت ولا يفرز بهذه الصورة


وهل تستطيع الجماعة بعدها أن يظل تحتها واحد مختلف، أم هذا الأمر يعمل على تنميط أعضاءها وقولبتهم في قالب واحد؟


بالطبع هناك كثير مختلفين لكن لا يجاهر بما بدأ يتغير في داخله انه لو تكلم داخل التنظيم يكون ثرثار ويتم بروزته وركنه وينعت بأن دماغه بايظة وعنده مشاكل، ولو جاهر بما يراه فمصيره الإيقاف مثلي.

لماذا تم إيقافك 3 شهور؟


نتيجة التعاطي مع الإعلام وهز الثقة في القيادة ونقض البيعة ...هكذا قالوا لي


وهل تم ذلك وفقاً للائحة التنظيم داخل الجماعة؟


طبعاً لا .. وعندما واجهتم بذلك قالوا لي جري العرف علي ذلك، وعندما صرخت في وجوههم أنه حتي في تاريخ وأدبيات الإخوان لايوجد عقوبة على من يختلف ذهب كلامي أدراج الرياح، وتم توقيع عقوبة الإيقاف علي ثلاثة أشهر وللآن لايريدون عودتي إلا بعد إذلالي وأن أرفع يدي ووشك في الحيط وأقول حرمت ..لكن هيهات فسأظل رجل وسأعود رجل للجماعة وليخرج الأدعياء الأوصياء المعاقين للمبادرة والحركة من الجماعة


وما هي لائحة العقوبات في مثل تلك الحالة، وهل لإنك صرحت أو كتبت في الإعلام تنتقد الجماعة في مشاركتها للانتخابات ؟


يا سيدي لك أن تتخيل أن جماعة بعمر الإخوان ليس فيها لائحة تقاضي أو عقوبات بل الأنكي من ذلك ليس فيها برنامج لحزب ولم يتذكروه إلا من عدة سنوات لكن للأسف جمدو برنامج الحزب.


الإخوان يتحدثون عن أن المجموعة التي وقعت البيان كلهم من خارج الجماعة، أو جمدوا أنفسهم بل وصل الأمر لاتهام أحدهم ببعض المخالفات المالية الشديدة أقصد المهندس خالد داوود؟ في النهاية توصفون بأنه ليس لكم صوت حقيقي في الداخل؟


كما قلت سابقاً كلهم من الإخوان ومن عنده دليل علي غير ذلك فليخرجه لنا وافجرلك مفاجأة من العيار الثقيل تفضح الإزدواجية عند البعض ففي الإعلام ينفون أننا إخوان وفي الداخل قام أحد أعضاء مكتب الأرشاد الذين كنت أعتز بهم بالأتصال ببعض من وقعوا وطلب منهم تكذيبنا في الصحف أو حتي علي موقع الإخوان، أما ما قيل في حق المهندس خالد داود فهناك من يريد أن يخرجنا عن الموضوعية ويشخصن المواضيع حتي ولو بالكذب، فليخرج لنا العضو المحترم الذي يتهم قيادة تاريخية معتبرة في حجم خالد داود ويذكر لنا مخالفة واحدة فقط ، لكن للأسف من يتصدي للإعلام الآن يفتقد بعضهم الأدب والذوق عند الإختلاف مع أساتذة أساتذته، لنا صوت بل صوت مدوي وستشهد الأيام القادمة مفاجآت كبيرة.


بشمهندس هيثم دعنا نتكلم عن الإصلاحيين في الجماعة، الإصلاحيين في العرف السياسي لديهم رؤية وأجندة وتواجد حقيقي في المجموعة السياسية التي ينتمون إليها، وسيطرة على بعض المساحات التنظيمية ، وقبول في القواعد السياسية التي تشكل بنية الحركة السياسية، اين أنتم من ذلك كله أنتم فعلياً خارج التنظيم، ليس لكم صفة تنظيمية بالجماعة، الرؤية السياسية غير موجودة؟


يا سيدي نحن كأصلاحيين نريد التطوير الإداري الشامل و تطوير خطة بناء وتربية الأفراد لتنتج المواطن المسلم ذو الشخصية المتكاملة من جميع النواحي، تطوير وتصويب بعض المفاهيم المغلوطة السائدة عن معنى السمع والطاعة والجندية والثقة والبيعة والنصيحة التي تُستغل في إعاقة جهود التطوير والإصلاح وتتيح الفرصة للاستبداد والجمود، وتطوير مفهوم تعامل الجماعة مع الدولة ومع الأحزاب الوطنية والمجتمع الدولي، وإعداد رؤية تصالحيه مع الجميع منبثقة من مباديء الدعوة الإسلامية التي تجمع ولا تفرق.

إن المفهوم الشامل للإسلام لجميع نواحي الحياة لا يعني أن مؤسسة جماعة الإخوان المسلمين هي المسئولة عن تطبيق جميع نواحي الفهم الشامل للإسلام، فهي ليست دولة ولا تستطيع ولا ينبغي لها أيضا. لأن هذا الأمر يحتاج إلى مؤسسات عدة كل له هيكلها وأفرادها واستقلاليتها، ولذلك دعني أقول لك لدينا رؤية متكاملة وغالبيتنا داخل التنظيم ولو هناك أحد خارجه فتأثيره موجود وقوي.


بهذا الشكل صعب أن تصلوا لمكان مؤثرفي التنظيم، أشخاص مثل عصان العريان، وأبو العلا ماضي قديماً، وعبدالمنعم أبو الفتوح وصلوا في ظرف تاريخي استثناءي أيام التلمساني، الآن مثلاً أبو الفتوح تم إقصاءه من مكتب الإرشاد؟ وخطابه كان غير مقبول من قيادات الجماعة، لماذا التمسك بجماعة تلفظكم، لماذا لا تخرجون بمشاريعكم الصغيرة أو الكبيرة؟

الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح فارس الإخوان ويتعامل بأخلاق الفرسان النبلاء وتواجده في قلوب المخلصين من أفراد هذه الجماعة، وفكره يسبق الجماعة بعدة عقود من الزمن لذلك تم إقصاءه بطريقة مؤسفة ..وخطابه غير مقبول فقط من أصحاب الكهف الذين حبسوا أنفسهم داخل أفكار أعطوها صفة القداسة دون تغيير أو تطوير .. ومن قال لك الجماعة تلفظنا ..؟ من يلفظنا مجموعة الإقصائيين فقط أما الجماعة فهي ملك للجميع، وبالنسبة للمشاريع المختلفة تحتاج للعنصر البشري كي تنجح وعندما تنتشر فكرتنا أكثر سنطرح هذه المشاريع.


ولماذا لا تقومون أنتم المعترضون على شكل الجماعة الحالي بإنشاء حركة سياسية ذات مرجعية إسلامية بديلة، تعمل في السياسة فقط وتتحرك في الشارع بدون انتظار على الحصول على المشروعية كما هو الحال في كثير من الحركات الاحتجاجية السياسية الجديدة؟


الجماعة لديها المجموعة البشري الذي من خلاله يمكن أن يحدث التغيير الحقيقي.


تخيفكم تجربة أبو العلا ماضي وعصام سلطان لو فكرتم في الخروج وإنشاء كيان سياسي بديل؟


المجتهد لابد أن نثمن عمله مهما أختلفنا معه .. أستطيع أن أقول لك أنالمهندس أبوالعلا ماضي والأستاذعصام سلطان ربما يكونوا قد أخطأوا في خطابهم الموجه للإخوان لكن تجربتهم ثرية وإن كان ينقصها تحرك علي الأرض، ومع تطويرها ربما تجذب الكثير

.

ما الفارق برأيك بين إخوان الأربعينات وإخوان الثلاثينات، أتكلم بالخصوص على الشكل التنظيمي المغلق الموجود حالياً، والشكل التنظيمي المفتوح الإصطفائي بالأربعينات؟


الفروق كلها تدور في نطاق الفهم ..هناك من يقرأ الواقع والظروف المحيطة جيداً وهناك من هو منفصل عن الواقع، أعطيك مثالاً؛ مكتب الإرشاد الحالي تخيل لو أنهم يتواصلون مع الناس في عمل عام أو عن طريق الإنترنت وسمعوا الرأي الأخر ورأي الناس فيهم ربما تغيرت قناعات البعض ممن عندهم إستعداد لذلك وكانت النتائج مذهلة، لأن الوعي يوسع الأفق حتي ولو كانت تنظيمية مغلقة.


" فريد عبدالخالق، الشيخ الغزالي ، محمد عبد الحليم أبو شقة، عبد العزيز كامل، جمال الدين عطية، أحمد كمال أبو المجد، الشيخ الباقوري..وغيرهم ممن صاروا رموزاً بعدها، لماذا برأيك لماذا يستطيعوا العيش في ظل الجماعة؟

لقد نسيت الأستاذ فتحي يكن والأستاذ عبدالرحمن الراشد والأستاذ عمرو خالد والعلامة يوسف القرضاوي ... لأن التنظيم يقتل الإبداع والإنطلاق..وبكل أمانة أقول لك لو ظل عمرو خالد بالجماعة لكان الآن يلقي كلمة في لقاء في مسجد لايحضرة سوي العشرات.


"أنت تتبع أسلوب الشهره الذى يتتبعه الكثير من الصحفيين أصحاب الأقلام القذرة" .. "أيها المفكر العبقرى .. أعتقد ان الهدف من نقدك هو التشويه ".. "، " صدقنى انت كده بتصغر نفسك" هذه بعض التعلقيات الكثيرة جداً على صفحتك بالفيس بوك، برأيك ألا نعطي بعدها المبرر للخوف من الماكينة التي أنتجت عقليات بهذا الشكل؟


هؤلاء الشباب رغم ضعف مستواهم الثقافي والسياسي وبالطبع التربوي، إلا أنهم يمثلون أفضل شيء داخل الجماعة فهم شباب رائع جداً يحب دينه ووطنه ويريد أن يعمل شيء لهم وبأي ثمن، لكن سامح الله من تركهم عرضة لهذا الخلط المخيف في المفاهيم فمن ينتقد الجماعة كأنه ينتقد الإسلام ومن ينتقد القيادة فكأنما أنتقد الصحابة، وبالطبع يعطي إنطباعات كارثية وينذر ببلوغ الإخوان مرحلة الشيخوخة في الإنتشار والتمدد.!