‏إظهار الرسائل ذات التسميات أوراق تغييرية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أوراق تغييرية. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 14 نوفمبر 2010

حراك التغيير بين الأمس واليوم

 إياد حرفوش

  • عام 1992م، مقر حزب الوفد الجديد بذلك العقار العتيق في شارع النبي دانيال بالإسكندرية، وندوة لتأبين قيادة وفدية تاريخية راحلة، في حزب كل قياداته تاريخية، الحضور بينهم عدد لا بأس بها من الطرابيش، حقيقة لا مجازا، والبعض يناديهم الآخرون بفلان بك، والجو العام يجعلك ترتقب دخول شاب مندفع من الباب يبشر الحضور بأن السراي هاتفت دولة الباشا ليشكل حكومة ائتلاف، ولكنه أصر أن تكون وفدية، وقصر الدوبارة أيد رفعة الباشا
  • عام 1995م في وقفة احتجاج على أوسلو الثانية أمام مقر الحزب الناصري بشارع النحاس بطنطا، عدد الوقوف 8 أفراد، بعدها بأسابيع كانت الزيارة الأولى لمقر أمن الدولة بشارع النادي بطنطا بسبب توزيع دعوات لمؤتمر الحزب تحت كوبري المجمع الطبي في جامعة طنطا
  • صدرت الدستور الأولى الأسبوعية في نفس العام، وكنا ننتظرها من الأسبوع للأسبوع كنافذة مختلفة على الثقافة والرأي الحر الذي نقرأه لأول مرة خارج منظومة قاتمة تتكون من الأهرام والأخبار ومايو وأكتوبر وصباح الخير، قبل أن تتوقف في 1998م للمرة الأولى وبضربة مباشرة ومعلنة من النظام
  • عام 2004 وصدور البيان التأسيسي لحركة كفاية حاملا توقيعات مئات المثقفين والناشطين ورافعا شعاره ضد التمديد والتوريث، كان البعض بعد ظهور كفاية والهجوم على الرئيس لأول مرة مفرطا في التفاؤل بتخيل ثورة شعبية عارمة بسبب تعديل الدستور ويرى أن عام 2005 هو عام الحسم
  • في نفس العام قمت ببطولة مسرحية السلطان الحائر ذات الإسقاط السياسي على الحكم والشرعية على مسرح البلدية بطنطا في إطار مسابقة الجامعة، وحجبت أي جوائز عن المسرحية لبعدها السياسي بينما منحت مسرحيات خفيفة جوائزا متعددة
  • عام 2005 وفي يوم 27 أبريل الشهير وكردون أمني فرعي أمام نقابة الصحفيين بعد الفشل في الوصول لمكان المظاهرة الأساسي الذي لم أعد أذكره، الكردون يمنع التحام المجموعة بالمظاهرة الأساسية على بعد خطوات عند سلم النقابة، كان الهدف هو الاحتجاج على تعديلات الدستور المزمعة، وامتدت المظاهرات لعدة مدن، لكن التعديلات تمت
  • عام 2008 وأول فعاليات الحراك الثوري الإلكتروني على يد إسراء عبد الفتاح بدعوتها لإضراب 6 أبريل الشهير، حالة استنفار يشعر بها الناشطون القدامي لأن فتاة في عمر زهرة وبدون خبرات سياسية كبيرة حطمت جدار الصمت بمبادرة عبقرية مع مجموعة من رفاقها
  • عام 2010 ويوم الجمعة 19 فبراير في صالة 3 بمطار القاهرة الدولي وقرابة الألفين وخمسمائة من المواطنين في انتظار الدكتور محمد البرادعي، الأديب الناصري علاء الأسواني يقبل على الواقفين بوجهه الطلق وترحيبه البشوش المتواضع مصافحا الوقوف داخل الصالة ويتبادل معهم كلمات مفعمة بالأمل مع تحفظ حكيم على الآمال القريبة أكثر من اللازم
  لم نكن في حالة موات إذا حين عاد الدكتور البرادعي ليطلقنا من عقال، كنا نحاول ويتجاذبنا اليأس والرجاء، تماما كما يحاول إخوان لنا اليوم ويتناوبهم اليأس والرجاء، فما الذي كان ينقصنا أمس ومازال ينقصنا اليوم لنحقق التغيير؟

حراك التغيير وتيار التغيير والفروق السبعة
ما كان يحدث أمس على الساحة المصرية كان حراكا طفيفا ونادرا ومتباعدا، وما يحدث اليوم حراك كذلك ولكنه أقوى وأكثر اطرادا، ولكنه في النهاية حراك وليس تيارا، والحراك علامة إيجابية تعبر عن الحياة وتحمل الأمل، تكسر التابو السياسي وتخرق جدار الصمت، ثم ينتهي دورها التمهيدي ليبدأ دور تيار التغيير ليحقق خطوات واقعية على الأرض في سبيل التغيير، فماذا يميز التيار عن الحراك؟ ما الذي ينقصنا اليوم لنحقق التغيير المنشود أو نحقق خطوات ثابتة على طريقه؟ ينقصنا ما يلي
  1. التجانس العقائدي، فحتى تنتظم أفراد وقوى سياسية في تيار قادر على الفعل يجب أن يكون هناك حد أدنى من الاتفاق في المباديء العامة والأهداف والوسائل، فكرة الجمعية الوطنية أو أي ائتلاف غيرها تكون مجدية لو كان لديك عدة تيارات فاعلة وقوية لكنها تحتاج للتكتل والتنسيق لتصبح مؤثرة وتحقق التغيير، وهو ما ليس لدينا
  2. الاستعداد لتقديم التضحيات والتي تبدأ ببذل المال والجهد والوقت وتنتهي ببذل النفس، فهذا الاستعداد هو ما يكسب التيار الصلابة، وكل من يقدم تضحية يضع قيدا خلقيا على زملائه حين يفكر أحدهم في التخاذل او الإحجام
  3. التخطيط، فالحراك لا يتطور إلى تيار بصورة عشوائية وبقوانين الاحتمالات، ولكن يتطور لحراك أكبر فقط، والتيار بدوره لا يحقق التغيير لو لم تكن هناك خطة تصعيد سياسي تتم مراجعتها وتعديلها دوريا وفقا لمستجدات الشارع السياسي
  4. التزام الفرد نحو الكل، وهنا بيت القصيد، فانضواء الناشط تحت مظلة جامعة له مع غيره يمنحه قوة وقدرة على التأثير، شعوره بالالتزام نحو زملائه يلزمه بالمثابرة ويتغلب على نزعات اليأس والضعف التي تنتابنا كلنا، شعوره بالمسئولية لثقة قياداته التنظيمية فيه ورغبته في ألا يخيب آمالهم، شعوره بالدفء والحماية نوعيا لأنه جزء من كل أكبر منه وليس بمفرده في مواجهة قمع النظام، كل هذا يجعله أكثر التزاما ومثابرة
  5. التزام الكل نحو الفرد، فالكل للواحد والواحد للكل هو الجوهر الذي عليه تأسست الجماعات والتيارات التي غيرت وجه التاريخ في أوروبا والشرق الأوسط وكل مكان بالعالم، والمثل القريب هو ما يقدمه حزب الله لأسر الشهداء والمقاتلين بصفة عامة من دعم مادي ومعنوي، مما يفسر ثبات وصلابة جنوده في الميدان وهم يعرفون أن شهادتهم لا تضيع من يعولون
  6. السلطة المعنوية، فنحن نرى ظواهر التفتت والتشرذم في الحركات والأحزاب لغياب القائد الرمز المؤهل لموقع القيادة، مما يجعل كل فرد في التنظيم يسأل نفسه: ولماذا لا أكون أنا القائد؟ لأنه لا يرى ميزة فارقة في قائده، فليس بينهم غاندي بطاقته الروحية وفلسفته ولا مارتن لوثر بثقافته وعقليته التنظيمية ولا الخميني بقدرته الجدلية والتنظيرية، وبغياب السلطة المعنوية تصبح كل خطوة تافهة على درب طويل بحاجة لتصويت وفرصة لتفتت محتمل
  7. آليات الاتصال الآمنة وبدائلها، حيث يجب توافر أكثر من وسيلة اتصال تحسبا لمداعبات أمنية ثقيلة أكثر من محتملة، وكذلك قاعدة البيانات التي ينبغي وجودها على أكثر من مستوى تنظيمي
الحراك طاقة .. التيار قدرة
لدينا حراك بما يكفي وليس لدينا تيار تغيير، والمشكلة ليست في استحالة بناء تيار ولكن في تعجل الجميع على التغيير وطموحهم في إمكانية القفز على التيار وتحقيق التغيير بمجرد الحراك، وهو ما ثبت فشله بالتجربة، وهو فشل منطقي لعدة أسباب
  1. التيار قادر على المناورة لوجود بعد تنظيمي وقيادي وسلطة معنوية، الحراك غير قادر على المناورة
  2. التيار لا يقتله الكمون المؤقت أو التكتيكي ولكن الحراك يقتله الكمون ونبدأ كل مرة من قرب نقطة الصفر، فنحرم من التراكم
  3. التيار يركز طاقات الأفراد فتصبح طلقة في قلب الخصم، أما الحراك فقبضة رمال تنثرها في وجه الخصم، تضايقه وتؤذيه لكنها لا تقتله، ولهذا تجد أن الأنظمة تحسب حسابا لرد فعل التيار مما يقنن قدرتها القمعية، وكذلك قد تسعى الأنظمة للمصالحة الوطنية معه حتى ولو كان تيارا غير أخلاقي كتيار العنف والإرهاب الديني في التسعينات ومبادرة شيخ العرب عبد الحليم موسى للتصالح مع جماعات العنف الديني، لا يوجد نظام يحسب حسابا لرد فعل الحراك لأنه سيكون قاصرا على مبادرات فردية وشبه فردية، ولا يسعى للمصالحة مع الحراك لأنه لا يوجد كيان ملزم يضمن له نتيجة لتلك المصالحة الوطنية
عام 2011 ومصير التغيير
عام 2011م ليس عام الحسم بمعنى تحقيق التغيير المنشود كما يحلم البعض، لكن الفترة منذ الآن وحتى نهاية عام 2011 مفصلية في مصير التغيير، فلو انبثق عن الحراك في غضونها تيار فاعل يبدأ صغيرا وينمو في بضع سنين، فستكون النهاية مشرقة وقريبة، ولو ظل الحراك مرسلا على عواهنه فسيمر التوريث من حلق المصريين ونبدأ في تناول جرعات التبليع والتعايش مع الأمر الواقع ويؤجل التغيير لعدة سنوات وربما عقود .. تلك هي المشكلة



















التجانس والالتزام التنظيمي بين الفرد والجماعة هما كلمة السر.

الثلاثاء، 19 يناير 2010

انتخابات أوكرانيا.. غالبية المسلمين "برتقاليون"

يانوكوفيتش يدلي بصوته في الانتخابات
يانوكوفيتش يدلي بصوته في الانتخابات

كييف- القاهرة –إسلام أون لاين

"برتقاليون!".. هكذا كان خيار غالبية مسلمي أوكرانيا في انتخابات الرئاسة التي جرت جولتها الأولى الأحد 17-1-2010، والتي أشارت نتائجها الأولية إلى فوز الزعيم السياسي المعارض الموالي لموسكو فيكتور يانوكوفيتش زعيم حزب الأقاليم، تليه رئيسة الوزراء يوليا تيموشينكو، بعد فرز نحو نصف الأصوات؛ ليتواجها معا في جولة ثانية في السابع من فبراير المقبل.

وكانت أكبر مؤسستين إسلاميتين في أوكرانيا، وهما: اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد"، والإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا "أُمَّة"، قد أصدرتا بيانا مشتركا دعتا من خلاله مسلمي البلاد إلى "المشاركة الإيجابية الفاعلة في تلك الانتخابات الرئاسية، ومنح أصواتهم لمن يرون أنه أقدر على النهوض بالمجتمع والعمل لصالحه"، من دون تأييد أحد من المرشحين.

واعتبر البيان أن مستقبل البلاد "يعتمد على أصوات مواطنيها جميعا".

طالع أيضا:

وقال إيجور كربيشين رئيس الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا "أمة": إن الإدارة واتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد" دعيا مسلمي البلاد إلى المشاركة الفاعلة، دون تحديد مرشح دون آخر.

وأوضح في تصريحات لـ"إسلام أون لاين.نت" أن ذلك يعود إلى تباين اهتمامات ومطالب المسلمين بحسب المناطق التي يسكنون فيها، وقال: "لتتار القرم (جنوب) اهتمامات، ولمسلمي الدونباس (شرق) اهتمامات، ولمسلمي باقي الأقاليم والمناطق اهتمامات، ولذلك اكتفينا بدعوة المسلمين إلى التصويت لصالح من يرون أنه أهل لخدمة جميع فئات المجتمع الأوكراني على اختلافاتها العرقية والدينية".

وبحسب تقارير إعلامية، فإن مرشحي الانتخابات، وعددهم 18، عملوا على محاولة كسب الصوت الإسلامي من خلال مجموعة من البنود التي تضمنتها برامجهم بشأن تحسين أوضاع الأقليات في هذا البلد.

إلا أن أغلبية مسلمي أوكرانيا فضلوا التصويت لصالح مرشحي ما يعرف إعلاميا بـ"الثورة البرتقالية"، وعلى رأسهم رئيسة الوزراء يوليا تيموشينكو، بحسب استطلاع أجرته شبكة "إسلام أون لاين.نت" لآراء عدد من رموز الأقلية المسلمة من مواطنين ووافدين، في مناطق مختلفة من أوكرانيا.

وتتولى تيموشينكو رئاسة الوزارة في حكومة الرئيس المنتهية ولايته فيكتور يوتشينكو، الذي قاد إبان توليه لرئاسة الوزراء في حكومة الرئيس السابق يانوكوفيتش، حركة شعبية مؤيدة للنمط الليبرالي الغربي، أسقطت حكم يانوكوفيتش في أواخر العام 2004، وعرفت باسم "الثورة البرتقالية"، ووقتها صوت معظم مسلمي أوكرانيا لصالح يوتشينكو في انتخابات 2004 الرئاسية.

مشاركة فعالة

من جهته، أكد الدكتور إسماعيل قاضي، رئيس "الرائد"، كبرى المؤسسات المعنية بشئون العرب والمسلمين بأوكرانيا، أنه "كانت هناك مشاركة كبيرة وفعالة من قبل مسلمي أوكرانيا في انتخابات أمس الأحد 17 يناير".

وردا على سؤال لـ"إسلام أون لاين.نت" حول لمن أعطى مسلمو أوكرانيا أصواتهم، قال قاضي: "يصعب تحديد ذلك؛ نظرا لعدم وجود مظلة سياسية واحدة تجمع جميع مسلمي أوكرانيا".

إلا أنه توقع أن تكون غالبية أصوات مسلمي أوكرانيا قد ذهبت لمرشحين من أنصار التيار الديمقراطي والموالي للغرب "البرتقالي"، وأوضح أن ذلك يعود إلى أنه "كانت هناك تصريحات ونداءات من قبل مؤسسات إسلامية للتصويت لصالحهم بهدف دعم التوجه الأوروبي لأوكرانيا، وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر رمز المساواة والرخاء في عصرنا الحالي"، بحسب قوله.

كما قال إنه بالإضافة إلى الاعتبارات الخاصة بمسلمي أوكرانيا في هذا الإطار، فإن فهناك الكثير من منظمات المجتمع المدني التي تأسست في ظل أجواء الانفتاح التي سادت خلال تولي التيار الليبرالي الموالي للغرب للسلطة في السنوات الماضية "أصبحت منتشرة في المجتمع، ولها دور كبير في توجيه المواطنين لدعم مرشحي التوجه الغربي في هذه الانتخابات".

تتار القرم

وفي الإطار، قالت ليليا مسليموفا المتحدثة باسم مجلس شعب تتار القرم، أكبر مؤسسة تترية ذات طابع سياسي في أوكرانيا، لـ"إسلام أون لاين.نت": إن أكثر من 70% من التتار صوتوا في الانتخابات، بينما النسبة الباقية من تتار القرم حال بينها وبين التصويت سوء أحوال الطقس، وبعد المسافات؛ نظرا لسكناهم في قرى نائية، بحسب قولها.

وأوضحت مسليموفا أن تتار القرم، البالغين نحو 500 ألف مسلم، قد صوتوا لصالح "من يبرز اهتماما بقضاياهم؛ وهم الموالون للغرب وليس لموسكو"، مشيرة إلى أن رئيسة الوزراء تيموشينكو المرشحة القوية الوحيدة ذات الميول الغربية في الانتخابات الرئاسية "صوت لها معظم التتار".

ومن جهته، قال سيران عاريفوف مدير مركز الرضوان الإسلامي في القرم لـ"إسلام أون لاين.نت" في معرض تفسيره لأسباب تصويت مسلمي أوكرانيا لصالح تيموشينكو: إن "هاجس نيل الحقوق واستعادة الأراضي والممتلكات لعب دورا أساسيا في نفس الناخب التتري في أوكرانيا، لذلك فإن أصوات التتار توجهت نحو تيموشينكو التي وعدتهم بحلول" لهذه المشكلات.

نفس الأمر أكده الدكتور محمد طه، مدير مكتب "الرائد" بالقرم، ورئيس المركز الإسلامي بها، خلال حواره عبر الهاتف مع "إسلام أون لاين.نت".

وعلل طه ذلك بأن "المجلس التتري بالقرم كان قد أرسل إلى أبرز 9 مرشحين مذكرة تتضمن نحو 30 سؤالا حول رؤيتهم لكيفية معالجة القضايا المتعلقة بتتار القرم، وتحسين أوضاعهم المعيشية، وإعادة توطينهم في أرضهم التي صودرت منهم إبان حقبة الشيوعية"، وقال: إن المرشح الوحيد الذي رد على تلك المذكرة كان رئيسة الوزراء الحالية تيموشينكو؛ "وهو ما دفع بتتار القرم إلى تأييدها بقوة"، بحسب طه.

ولفت الدكتور طه إلى أن المجلس كان قد دعا المسلمين إلى تأييد أي مرشح يرونه مناسبا من مرشحي التيار الديمقراطي الموالي للغرب في الجولة الأولى، وقال إنهم سوف يدعون إلى ذلك في الجولة الثانية من الانتخابات.

تتار الدونباس

على جانب آخر، لم يكن ذلك هو موقف كل مسلمي أوكرانيا؛ ففي شرق البلاد حيث يتركز تتار الدونباس، أكد الشيخ سعيد إسماعيلوف، مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا "أمة" أن "تتار كازان في إقليم الدونباس (ثاني أكبر تجمع للتتار في أوكرانيا بعد القرم) لم يصوتوا لصالح رئيسة الوزراء تيموشينكو"، وعلل ذلك بأنهم "يرون أن سياسات حكومتها تسببت في إغلاق معظم مصانع الإقليم وقطع الرواتب".

كما لفت الشيخ إسماعيلوف إلى أنهم -تتار الدونباس- لم يصوتوا فقط لصالح زعيم المعارضة وحزب الأقاليم يانوكوفيتش، بل صوتوا لمرشحين آخرين تميزوا بطرح قوي لبرامجهم أثناء الحملات الانتخابية، وفي مقدمتهم وزير الاقتصاد السابق ورجل الأعمال سيرجي تيجيبكو، ووزير الدفاع السابق أناتولي جريتشينكو.

العاصمة كييف

أما في العاصمة كييف، فقد كانت الصورة مختلفة؛ حيث تباينت مواقف المسلمين إزاء المرشحين، من واقع العينة التي استطلع "إسلام أون لاين.نت" رأيها.

فقالت سوزان إسلاموفا (32 عاما) إنها صوتت "ضد الكل"، مؤكدة أنه "لا أحد من المرشحين يستحق أن يكون رئيسا، وخاصة أن الشعب سئمهم جميعا، وسئم كذب وعودهم واستغلالهم المناصب لمصالح شخصية ليس إلا".

أما نيكيتا دراتشوك، وهو شاب أوكراني مسلم يدرس الصحافة، فقال إنه صوت لصالح المرشح المستقل ورجل الأعمال سيرجي تيجيبكو؛ لأنه -بحسب قوله- ذو صفحة بيضاء، وذو خبرة في مجال الاقتصاد، وهو -دراتشوك- يؤمن "بأن التغيير سبيل وحيد إلى حل مشاكل المجتمع الأوكراني".

وشهدت أوكرانيا أمس الأحد انتخابات رئاسية، أظهرت مؤشرات الفرز الخاصة بأكثر من نصف الأصوات حتى ظهر أمس فوز فيكتور يانوكوفيتش بحصوله على 36,86% من الأصوات، ليتواجه مع رئيسة الوزراء يوليا تيموشينكو في الدورة الثانية المقررة في السابع من فبراير المقبل، بحسب إحصائيات ذكرتها وكالة الأنباء الفرنسية.

أما الرئيس المنتهية ولايته فيكتور يوتشينكو، بطل الثورة البرتقالية، فقد حل خامسا بحصوله على 4.87% فقط من الأصوات، خلف الرئيس السابق للبرلمان أرسني ياتسينبوك الذي حصل على 6.44% من الأصوات.

ودعي 36 مليون أوكراني للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، من أصل 48 مليون مواطن، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 66,68%، بحسب اللجنة الانتخابية المركزية.

ويتجاوز عدد المسلمين في أوكرانيا مليوني نسمة، يمثلون ما نسبته حوالي 5% من عدد سكان أوكرانيا، بحسب إحصائيات رسمية حديثة، ويتركزون في شبه جزيرة القرم على ساحل البحر الأسود.

وينتمي مسلمو أوكرانيا إلى عرقيات وأجناس مختلفة، أكبرها تتار القرم وهم من أصول تركية، وتتار قازان وهم من مناطق القوقاز واستوطنوا أوكرانيا من مئات السنين، كما أن هناك أعدادًا من الآذريين والشيشان والأوزبك، إضافة إلى أبناء الوافدين من بلاد عربية وإسلامية.


Read more: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1262372448329&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout#ixzz0d3DquHzv

السبت، 22 أغسطس 2009

فهمي هويدي يكتب: موت السياسة في مصر








الخبر السار أن العديد من الفئات في مصر أصبحت تنتفض وتلجأ إلى الإضراب لكي تضغط على الحكومة دفاعا عن مصالحها، أما الخبر المحزن فهو أن مصالح الوطن لم تعد تجد قوة تغار عليها وتضغط بدورها للدفاع عنها.

1

"
مصر تشهد حالة سياسية نادرة. إذ فيها 24 حزبا معترفا بها ولا توجد فيها حياة سياسية. وفيها انتخابات برلمانية وبلدية، ومجلس للشعب وآخر للشورى، ومجالس ثالثة محلية. مع ذلك فلا توجد أي مشاركة سياسية ولا تداول للسلطة ولا مساءلة للحكومة
"
أصبحت الإضرابات عنوانا ثابتا على جدران مصر. حتى كدنا نسأل من يضرب هذا الصباح؟ بالتالي لم يعد السؤال هل يضرب الناس أم لا، ولكننا صرنا نسأل من عليه الدور ومتى يتم ذلك؟ وهو تطور مهم جدير بالرصد والإثبات.

ففي الأسبوع الماضي شهدت مصر أربعة إضرابات للصيادلة والمحامين وأصحاب وسائقي الشاحنات وعمال شركة جنوب الوادي للبترول. وحسب بيانات المرصد النقابي والعمالي في القاهرة، فإن شهر يناير/كانون الثاني من هذا العام شهد 56 احتجاجا بصور مختلفة، وحتى منتصف شهر فبراير/شباط سجل المرصد 32 احتجاجا.

وقبل ذلك، في عام 2007 شهدت مصر 756 احتجاجا، راوحت بين الإضراب والاعتصام والتظاهر وتقديم الشكايات إلى الجهات المعنية في الحكومة. وهو ما لم يختلف كثيرا في العام الذي أعقبه 2008.

الظاهرة بهذا الحجم جديدة على المجتمع المصري، إذ باستثناء مظاهرات طلاب الجامعات التي عادة ما تقابل بقمع شديد أدى إلى تراجعها في السنوات الأخيرة، فإن التظاهر المعبر عن الاحتجاج والغضب لم يكن من معالم ثقافة المجتمع المصري خلال نصف القرن الأخير على الأقل لأسباب يطول شرحها.

فقد خيم السكون على أرجاء مصر طيلة تلك المدة، فلم نسمع صوتا غاضبا للمجتمع لا في الشأن الخاص لفئاته ولا في الشأن العام للبلد.

وتعد مظاهرات 18 و19 يناير/كانون الثاني التي خرجت في عام 1977 احتجاجا على رفع الأسعار، وتمرد جنود الأمن المركزي في عام 1986 من التجليات الاستثنائية التي تؤيد القاعدة ولا تنفيها.

خلال السنوات الثلاث الأخيرة حدث تحول مهم في حركة المجتمع المصري، إذ في حين لم نكن نسمع له صوتا في الشأن الخاص أو العام، فإننا أصبحنا نسمع أصواتا عدة لفئات فاض بها الكيل ولم تعد تحتمل قسوة الحياة. وهو ما أدى إلى بروز الاهتمام بالشأن الخاص، مع استمرار السكون المخيم المحيط بملف الشأن العام، رغم توالي التحديات التي كانت تستوجب وقفة حازمة من جانب المجتمع.

وقائمة تلك التحديات طويلة، إذ راوحت بين تقنين تراجع الحالة الديمقراطية مع تغول المؤسسة الأمنية، وارتفاع مؤشرات الفساد في السلطة، وبيع الأصول المالية للبلد، واستشراء الهيمنة الأجنبية.. إلخ.

أما لماذا خرجت الفئات المختلفة عن سكونها المعتاد، فرفعت صوتها محتجة وغاضبة في مواجهة الحكومة، فأغلب الظن أن ذلك راجع إلى سببين جوهريين.

أولهما وطأة الضغوط المعيشية التي أثقلت كاهل تلك الفئات، فأفقرت الطبقة الوسطى وسحقت الفقراء، مما دفع أغلب الغاضبين إلى المطالبة بتحسين أحوالهم المادية.

أما ثانيهما فيتمثل في سقوط حاجز الخوف من السلطة سواء لأنه "من طالت عصاه قلت هيبته"، كما يقول المثل العربي، أو بسبب الجرأة التي مارستها الصحف المعارضة والمستقلة في نقد السلطة وفضح ممارساتها، مما شجع آخرين على رفع أصواتهم الغاضبة والمحتجة دون وجل.

2

للشيخ محمد الغزالي مقولة أشرت إليها أكثر من مرة ذكر فيها أن انتهاك شرف البنت يقيم الدنيا ولا يقعدها في مجتمعنا، لكن العدوان على شرف الأمة لم يعد يحرك ساكنا فيها.

وغني عن البيان أنه لم يكن يهون من شأن انتهاك شرف البنت، لكنه كان يستهول السكوت على العدوان على شرف الأمة، مع ذلك فالمقولة تحتاج إلى مراجعة. ذلك أن غضب الأسرة أو المجتمع الذي يحيط بها لأي عدوان على شرف بنتهم أمر طبيعي لا يحتاج إلى تعبئة وتحريض أو احتشاد، فضلاً عن أن وسائل التعبير عن ذلك الغضب تلقائية ومحدودة، وهى بمقدور كل أحد.

"
النظام القائم لم يكتفِ باحتكار السلطة فحسب، وإنما عمد أيضا إلى تأميم المجال العام، بحيث لا يعلو صوت في بر مصر فوق صوت الحزب الحاكم
"
أما الغضب لأجل العدوان على شرف الوطن فإنه يحتاج إلى ترتيب مختلف، فذلك أمر يتطلب تعبئة واحتشادا، فضلاً عن أنه يستوجب توفير أوعية تستقطب طاقات الغضب وتوظفها في الاتجاه الصحيح الذي يرد العدوان. وتلك مهمة القوى السياسية المختلفة التي تمثلها الأحزاب، باعتبار أن النخبة الوطنية هي المسؤولة عن تعبئة الرأي العام وقيادته. وهذه النقطة الأخيرة تجرنا إلى صلب الموضوع الذي نحن بصدده.

ذلك أنه من الطبيعي أن يغضب الناس وأن يخرجوا عن أطوارهم عندما تضيق بهم سبل الحياة، ويتعلق الأمر بمتطلباتهم المعيشية.

ولا ينبغي أن يتوقع أحد منهم أن يتظاهروا من تلقاء أنفسهم دفاعا عن الديمقراطية أو احتجاجا على الفساد أو تزوير الانتخابات أو غير ذلك من قضايا الشأن العام.

وهم إذا فعلوها مرة تحت أي ظرف فإنهم سوف يتفرقون بمجرد ظهور جنود الأمن المركزي بثيابهم السوداء وعصيهم الكهربائية، ولن يعودوا إليها مرة أخرى.

بكلام آخر فإن الدفاع عن القضايا العامة المتعلقة بحاضر الوطن ومستقبله من المهام الأساسية للأحزاب السياسية باعتبارها الأوعية الشرعية الجامعة للقوى الوطنية. إذ يفترض أن تلك الأحزاب لم تكتسب شرعيتها إلا بعد أن طرحت برامجها التي حددت فيها رؤيتها في حراسة الوطن والسهر على استقراره والسعي إلى النهوض به.

وإذا جاز لنا أن نشبه المجتمع بالبشر، فإن الجماهير هي الجسم بكل مكوناته، أما القوى الحية والنخبة السياسية فتشكل الرأس لذلك الجسم. ولا يستطيع الجسم أن يتحرك دون توجيه من الرأس الذي يحتوى على المخ.

أردت من كل ذلك أن أقول إننا نظلم الناس ونحملهم أكثر مما يحتملون حين نتهمهم بالتقاعس عن القيام بواجب هو من مسؤولية الأحزاب السياسية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني. وإذا ما حدث ذلك التقاعس فعلينا أن نتساءل أولا عن وضع الرأس، قبل أن نحاكم استجابات الجسم.

3

إذا حاولنا تنزيل هذه الفكرة على الواقع، فسنجد أن مصر تشهد حالة سياسية نادرة. إذ فيها 24 حزبا معترفا بها ولا توجد فيها حياة سياسية. وفيها انتخابات برلمانية وبلدية، ومجلس للشعب وآخر للشورى، ومجالس ثالثة محلية. مع ذلك فلا توجد أي مشاركة سياسية ولا تداول للسلطة ولا مساءلة للحكومة.

والأحزاب لا تنشأ إلا بموافقة أمنية بالدرجة الأولى، ومن ثم فإنها تكتسب شرعيتها من تلك الموافقة وليس من التأييد الشعبي لها، الأمر الذي وضعنا بإزاء هرم مقلوب، السلطة فيه هي التي تشكل الأحزاب، وليست الأحزاب هي التي تشكل السلطة.

ورغم عملية "الإخصاء" التي تتعرض لها الأحزاب والتي أصبحت شرطا لميلادها، فإنها تتعرض للتكبيل بعد ذلك، بحيث لا يجوز لها -بمقتضى القانون- أن تتواصل مع المجتمع، فتقيم مهرجانا شعبيا أو لقاء جماهيريا خارج مقرها، إلا بعد موافقة الأمن.

لا يقف الأمر عند ذلك الحد، لأن الأحزاب على ضعفها وقلة حيلتها تظل موضوعة تحت الرقابة طول الوقت. إذ المطلوب منها في حقيقة الأمر، إما أن تظل جزءا من "الديكور" الديمقراطي، فتصبح شكلا بلا وظيفة أو مضمون، أو أن تتحول إلى أجنحة للحزب الحاكم.

وأي خروج عن هذا الإطار يعرض الحزب إما إلى التجميد والمصادرة أو التفجير من الداخل، وما جرى لحزب العمل عبرة للآخرين. ذلك أن الحزب الذي أسسه الراحل إبراهيم شكري أراد أن يمارس دوره بشكل جاد وأن يمثل المعارضة الحقيقية، فصدر قرار تجميده في سنة 2000، وحين تم الطعن في قرار لجنة الأحزاب بالتجميد أمام مجلس الدولة، فإن تقرير مفوض المجلس اعتبر القرار باطلا وغير دستوري وطالب بعودة الحزب، ولكن الحكومة لم تكترث بذلك.

"
حين يعلن موت الحياة السياسية فإنه يصبح عبثيا التساؤل عن غيرة الناس على مصالح الوطن، إذ ينبغي أن يشعر هؤلاء بأنهم مواطنون أولا، وأن تعود الحياة إلى الرأس المعطل ثانيا، وأن نكف عن الكذب والخداع ثالثا
"
ورغم صدور 13 حكما من مجلس الدولة لإعادة إصدار جريدة "الشعب" الناطقة بلسان الحزب، فإن الجهات الأمنية رفضت تنفيذ هذه الأحكام واحدا تلو الآخر.

وإذا كان بوسع الحكومة أن تجمد أي حزب يحاول تجاوز الحدود المرسومة، فإنها لا تعدم وسيلة لتفجير الأحزاب من الداخل وتغذية الانشقاقات فيها، وهو ما حدث مع أحزاب الغد والأحرار ومع حزب الوفد. إذ ثبت أن الانشقاقات التي وقعت داخل تلك الأحزاب لم تكن بعيدة عن أصابع الأجهزة الأمنية.

ما جرى مع الأحزاب تكرر مع النقابات المهنية التي ربط القانون مستقبلها بقرار من رئيس محكمة استئناف جنوب القاهرة، الذي له حق تحديد مواعيد الترشح لمجالس تلك النقابات، بما يؤدي إلى انتخاب رئيس كل نقابة ومجلس إدارتها. وإذا ما امتنع ذلك القاضي عن تحديد المواعيد -بطلب من أجهزة الأمن- فإن النقابة تجمد أو تستمر تحت الحراسة.

نموذج نقابة المهندسين الموضوعة تحت الحراسة منذ 18عاما فاضح في تجسيد هذه الحالة، إذ لأن ثمة قرارا أمنيا بإخضاع النقابة وتأديبها، فإن رئيس المحكمة المذكورة ظل يتهرب من تحديد موعد لانعقاد الجمعية العمومية للنقابة طيلة هذه المدة.

والحاصل مع نقابة المهندسين تكرر مع نقابة أطباء الإسكندرية التي وضعت بدورها تحت الحراسة، ومُنع أعضاؤها من ممارسة أي نشاط بداخلها.

وإلى جانب ذلك فهناك سبع نقابات أخرى جُمدت فيها الانتخابات منذ ١٦ عاما على الأقل، وهى تضم الفئات التالية، الأطباء والصيادلة والأسنان والبيطريين إضافة إلى المعلمين والتجاريين والزراعيين.

الشاهد أن النظام القائم لم يكتفِ باحتكار السلطة فحسب، وإنما عمد أيضا إلى تأميم المجال العام، بحيث لا يعلو صوت في بر مصر فوق صوت الحزب الحاكم، من ثمَّ تطالب كل فعاليات المجتمع وقواه الحية بأن تصبح صدى لذلك الحزب إن لم تنضو تحت لوائه وتَذُبْ فيه.

4

في نهاية المطاف، وبعد 57 عاما من الثورة على النظام الملكي وإعلان الجمهورية أصبح المجتمع المصري جسما بلا رأس، ليس لدي حنين إلى ذلك النظام، لكن ما جرى أن النظام الجمهوري فرغ من مضمونه.

إذ تم اختطافه وإقصاء "الجمهور" منه عبر إضعاف وتصفية خلاياه الحية واحدة تلو الأخرى، في حين تحول الوطن إلى "وقف" سُلمت مقاليده ومفاتيحه إلى فئة بذاتها أدارته وتوارثته جيلا بعد جيل.

الإضعاف والتصفية أفضيا إلى موت الحياة السياسية، مع الاعتذار للجنة السياسات. إذ تم تغييب مختلف المؤسسات المدنية الفاعلة، بحيث لم يبقَ في الساحة سوى المؤسسة الأمنية.

ورغم امتلاء الفضاء المصري بالأحزاب فإنك إذا رفعت عينيك عن الصحف ومددت بصرك في ذلك الفضاء، فلن ترى شيئا، لكنك ستلمح على البعد "خيال مآتة" (الفزاعة باللهجة المصرية) تتقاذفه الرياح كتب عليه "الحزب الديمقراطي"، الأمر الذي قد يجعلك تنفجر بالبكاء أو تستسلم لضحك هستيري يظل صداه يتردد في الفضاء بلا توقف.

حين يعلن موت الحياة السياسية فإنه يصبح عبثيا التساؤل عن غيرة الناس على مصالح الوطن، إذ ينبغي أن يشعر هؤلاء بأنهم مواطنون أولا، وأن تعود الحياة إلى الرأس المعطل ثانيا، وأن نكف عن الكذب والخداع ثالثا، وبعد ذلك نتكلم في الموضوع.

النسخة الأصلية للموضوع علي الجزيرة نت .

فهمي هويدي يكتب: قراءة غير بريئة للتغيير في مصر









لا نستطيع أن نغفل القراءات الإسرائيلية للوضع في العالم العربي، خصوصا ما صدر منها عن مسؤولين كبار يتربعون على رأس المؤسسة الأمنية. هذه قراءة أحدهم لاحتمالات الوضع في مصر.

1

يستحيى المرء أن يذكر أن أحد أسباب الاهتمام بما يقوله هؤلاء، رغم ما نكنه لهم من بغض، إنهم في بعض الأحيان يعرفون عنا أكثر مما نعرف نحن، الأمر الذي يدفعهم إلى الإدلاء بمعلومات تعد عندنا من الأسرار المحجوبة عن الرأي العام، فضلا عن أن ما يقولونه يفصح عن بعض ما يخططون لنا ويدبرونه.

"
إسرائيل وهى تسعى إلى تمتين صلاتها مع القاهرة بحيث تقوم على مرتكزات ثابتة، فإنها شديدة الحرص على نسج علاقة خاصة مع أقوى شخصيتين بالبلد ستتوليان السلطة بعد رحيل الرئيس مبارك هما جمال مبارك ورئيس المخابرات العامة عمر سليمان الذي أصبح له حضوره الواسع داخل مصر وخارجها
"
وحين يأتي ذلك على لسان مسؤولين في أهم مؤسسة بالدولة، فإنه يكتسب أهمية خاصة، تسوغ أن يؤخذ الكلام على محمل الجد، لأنه يصبح معبرا عن معلومات ومواقف الدولة، ولا ينبغي أن يستقبل بحسبانه آراء أو اجتهادات شخصية.

أتحدث عن محاضرة ألقاها في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي آفي ديختر حين كان وزيرا للأمن الداخلي، وتحدث فيها بإسهاب عن رؤية إسرائيل للأوضاع في المنطقة، بتركيز خاص على سبع دول من بينها مصر والسودان، ومعها فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وإيران.

المحاضرة ألقيت يوم الخميس الرابع من سبتمبر/ أيلول الماضي، قبل العدوان على غزة، وقبل انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، وحين كان إيهود أولمرت رئيسا للحكومة الإسرائيلية.

على المستوى الإخباري تبدو المحاضرة قديمة نسبيا، لكنها تظل طازجة ومحتفظة بأهميتها من زاوية التحليل السياسي. فقد مرت عدة أسابيع قبل أن يتسرب نص المحاضرة التي ألقيت بالعبرية، وحين ترجمت إلى العربية فقد استغرق ذلك وقتا آخر، وعندما وقعت عليها بعد ذلك، فإنني ترددت طويلا في نشر مضمونها، نظرا لحساسية المعلومات الواردة فيها. إلا أنني تشجعت بعد ذلك حين حلت مناسبة مرور ثلاثين عاما على المعاهدة المصرية الإسرائيلية، وتطرقت الصحف المصرية إلى ملف العلاقات مع إسرائيل بكلام لامس الخطوط الحمراء ورفع الحرج عن بعض عناوينه، الأمر الذي ضيّق من مساحة المحظورات ووسّع من هامش المباحات.

ومن ثَم فتح الباب لاستعراض المعلومات التي تضمنتها المحاضرة. ولعلي لست بحاجة للتنبيه إلى أن هذه المعلومات لا ينبغي أن نُسلم بصحتها على طول الخط، ولكنها تظل قابلة للمراجعة والتصويب فضلا عن النقض بطبيعة الحال.

2

وهو يقدم تصوره للعلاقة مع مصر، فإن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي حرص على القول إن البلدين "ينعمان" بسلام شامل وعلاقات أكثر من طبيعية.

وهذه الخلفية التي تعيها جيدا القيادتان السياسية والأمنية، بلورت محددات للسياسة الإسرائيلية إزاء مصر تمثلت في ضرورة تعميق وتوطيد العلاقات مع الرئيس حسني مبارك، والنخب الحاكمة سواء في الحكومة أو الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، مع توجيه اهتمام خاص إلى رجال السياسة ورجال الأعمال والإعلام، يقوم على المصالح المشتركة التي تحقق مصالح الجانبين.

وفى هذا السياق تحتل العلاقة مع النخب الإعلامية المصرية مكانة خاصة، بالنظر لأهمية دور وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام وبلورة اتجاهاته.

استطرد ديختر قائلا إن إسرائيل وهى تسعى إلى تمتين صلاتها مع القاهرة بحيث تقوم على مرتكزات ثابتة، فإنها شديدة الحرص على نسج علاقة خاصة مع أقوى شخصيتين في البلد، هما اللتان ستتوليان السلطة بعد رحيل الرئيس مبارك. وهاتان الشخصيتان هما جمال مبارك نجل الرئيس، ورئيس المخابرات العامة عمر سليمان الذي أصبح له حضوره الواسع داخل مصر وخارجها.

وأشار في هذا الصدد إلى أن من مصلحة إسرائيل الحفاظ على الوضع الراهن، ومواجهة تطورات لا تحمد عقباها، إذا حدثت تحولات مناقضة لتقديراتها المبنية على أن السلطة في المستقبل سوف تنتقل من الأب إلى الابن.

سيناريوهات المستقبل في مصر كانت وما تزال، أحد الموضوعات التي تدور حولها مناقشات مستمرة في أروقة السلطة. عبر عن ذلك آفي ديختر حين قال في محاضرته إنه منذ توقيع معاهدة كامب ديفد عام 1979، وأحد الأسئلة الشاغلة للعقل الإسرائيلي هو كيف يمكن الحيلولة دون حدوث تغيير دراماتيكي في مصر؟

في الرد على السؤال قال إنهم حددوا سيناريوهات التغيير الدراماتيكي في ثلاثة احتمالات: الأول أن تتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر، وتفقد الحكومة السيطرة على الموقف، مما قد يفضى إلى اضطرابات تمكن الإخوان المسلمين من الوصول إلى السلطة.

الثاني أن يحدث انقلاب عسكري بسبب سوء الأوضاع العامة، تقوده عناصر شابة طموحة تركب الموجة وتستولي على السلطة. وهناك أسباب وجيهة تستبعد هذا الاحتمال.

الثالث أن يعجز خليفة مبارك، سواء كان ابنه أو رئيس المخابرات العامة عن مواجهة الأزمة الداخلية، مما قد يجر البلاد إلى الفوضى والاضطرابات.

وفى هذه الحالة قد يكون الخيار الأفضل أن تجرى انتخابات عامة تحت إشراف دولي، تشارك فيها حركات أكثر أهمية من حركة كفاية مما يؤدى إلى ظهور خريطة جديدة للتفاعلات الداخلية.

3

"
الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في مصر تصنف على أنها من النوع غير القابل للحل. لذلك فإن كل الإجراءات والإصلاحات التي اتخذت في عهد الرئيس مبارك لم تعالج الخلل الموجود. وهو ما أعاد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ثورة يوليو/ تموز 1952
"
من استعراض هذه الاحتمالات الثلاثة استطرد آفى ديختر قائلا:
• إن عيون إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة مفتوحة على ما يجرى في مصر، وهما ترصدان وتراقبان ومستعدتان للتدخل من أجل كبح جماح هذه السيناريوهات، التي ستكون كارثية بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة والغرب.

• من وجهة النظر الإسرائيلية فإن انسحاب مصر من اتفاقية السلام وعودتها إلى خط المواجهة مع إسرائيل يُعد خطا أحمر، لا يمكن لأي حكومة إسرائيلية أن تسمح بتجاوزه. وهي ستجد نفسها مرغمة على مواجهة هذا الموقف بكل الوسائل..

• لأن المؤشرات الميدانية تبين أن النظام في مصر يعاني الآن من عجز جزئي عن السيطرة على الوضع بصورة كافية، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل تسهمان في تدعيم الركائز الأساسية التي يستند إليها النظام. ومن بين هذه الركائز نشر نظام للرقابة والرصد والإنذار، قادر على تحليل الحيثيات التي يجري جمعها وتقييمها، ووضعها تحت تصرف القيادات في واشنطن وتل أبيب وحتى في القاهرة.

• تحرص الولايات المتحدة وإسرائيل عبر ممثلياتهما المختلفة في مصر (السفارات والقنصليات والمراكز الأخرى) على إسناد حملة جمال مبارك للفوز بتأييد الشارع والرأي العام المصري ودعم أنشطته المختلفة الاجتماعية والثقافية، ليكون أكثر قبولا من والده في نظر المصريين.

• من قبيل تحصيل الحاصل، القول إن لدى الولايات المتحدة وإسرائيل إستراتيجية استباقية لمواجهة أي متغيرات في مصر. ذلك فإن واشنطن بعدما وطئت أقدامها مصر بعد رحيل الرئيس عبد الناصر وتولي السادات زمام السلطة، أدركت أنه لابد من إقامة مرتكزات ودعائم أمنية واقتصادية وثقافية، على غرار ما فعلته في تركيا منذ الحرب العالمية الثانية. وانطلاقا من ثقتها بهذه الركائز وقدرتها على لجم أية مفاجآت غير سارة، فإن واشنطن تبدو أقل قلقا وانزعاجا منا إزاء مستقبل الأوضاع في مصر.

• الثقة الأميركية تعتمد على عدة عوامل منها ما يلي: إقامة شراكة مع القوى والفعاليات المؤثرة والمالكة لمختلف عناصر القوة والنفوذ، من رجال السلطة إلى رجال الأعمال والإعلام (شراكة أخرى مع الأجهزة الأمنية باختلاف مستوياتها، تأهيل محطات إستراتيجية داخل المدن الرئيسية التي هي مراكز صنع القرار في مقدمتها القاهرة والإسكندرية) والاحتفاظ بقوة تدخل سريع من المارينز في النقاط الحساسة بإمكانها الانتشار خلال بضع ساعات للسيطرة على مراكز عصب الحياة بالعاصمة، مرابطة قطع بحرية وطائرات أميركية في قواعد خاصة بها للتحرك عند اللزوم.

4

في تقدير آفى ديختر فإن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في مصر تصنف على أنها من النوع غير القابل للحل. لذلك فإن كل الإجراءات والإصلاحات التي اتخذت في عهد الرئيس مبارك لم تعالج الخلل الموجود. وهو ما أعاد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ثورة يوليو/ تموز 1952.

ذلك أن سيطرة رأس المال ورجال الأعمال على الحياة السياسية والاقتصادية أحدثت استقطابا بين الشرائح الاجتماعية، حيث أصبحت هناك أقلية لا تتجاوز 10٪ تتحكم في السلطة والثروة، مقابل أغلبية ساحقة في الطبقة الدنيا التي تعاني من الفقر أو تعيش تحت خط الفقر.

هذا الوضع يثير مخاوف النظام القائم، كما يثير مخاوف حلفائه وعلى رأسهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ذلك أن أي متغير في مصر من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على البيئة الإقليمية في المنطقة بأسرها.

مع ذلك من الواضح أن النظام القائم في مصر أثبت حتى الآن كفاءة وقدرة ليس فقط على احتواء الأزمات، ولكن أيضا على التكيف مع الأوضاع المأزومة.

"
تمسك إسرائيل بتجريد مسافة بعمق 350 كلم من السلاح في سيناء يظل ضمانا لن تتخلى عنه تحت أي ظرف
"
ورغم أن ثمة تنسيقا كافيا بين واشنطن وتل أبيب لمواجهة جميع الاحتمالات، فإن إسرائيل لها تصورها الخاص في التعامل مع متغيرات الوضع في مصر. إذ هي مستعدة لمواجهة أي طارئ بما في ذلك العودة إلى "احتلال" شبه جزيرة سيناء "إذا استشعرنا أن تلك المتغيرات من شأنها أن تحدث انقلابا في السياسة المصرية إزاء إسرائيل. ذلك أننا حين انسحبنا من سيناء ضمنا أن تبقى رهينة".

وهذا الارتهان تكفله ضمانات أميركية من بينها السماح لإسرائيل بالعودة إليها إذا اقتضى الأمر ذلك. ثم إن هناك قوات أميركية مرابطة في سيناء تمتلك حرية الحركة والقدرة على المراقبة، بل ومواجهة أسوأ المواقف وعدم الانسحاب تحت أي ظرف.

تعلمنا من تجربة عام 1967 دروساً لا تُنسى (هكذا قال ديختر) فسيناء مجردة من السلاح ومحظور على الجيش المصري الانتشار فيها. وتلك هي الضمانة الأقوى لاحتواء أي تهديد افتراضي من مصر.

ولم يعد سرا أن الموافقة على إدخال ستمائة من أفراد الشرطة وحرس الحدود والأمن المركزي المصري إلى سيناء للتمركز حول حدود قطاع غزة، لم تتم إلا بعد دراسة مستفيضة من جانب الطاقم الأمني وبعد مخاض عسير داخل الحكومة الإسرائيلية.

وفى كل الأحوال فإن تمسك إسرائيل بتجريد مسافة بعمق 350 كلم من السلاح في سيناء، يظل ضمانا لن تتخلى عنه تحت أي ظرف.

وهو ينهى حديثه في الشأن المصري، قال آفى ديختر إن القاعدة الحاكمة لموقفنا هي أن مصر خرجت (من الصف العربي) ولن تعود إلى المواجهة مع إسرائيل. وذلك موقف يحظى بالدعم القوي والعملي من جانب الولايات المتحدة.

سواء كانت هذه معلومات أو تهويمات وأمنيات، فإنها تستحق القراءة المتمعنة والتفكير الطويل من جانبنا، لكنها تتطلب رداً وتفنيداً من جانب جهات القرار المعنية في مصر التي أساء إليها الكلام أيما إساءة.

في الأسبوع القادم بإذن الله نستعرض الكلام الخطير الذي قيل عن بقية الدول العربية.

النسخة الأصلية للمقال علي الجزيرة نت .

الخميس، 30 يوليو 2009

فشل إضرابات المعارضة: إياك أن تمس كبير العائلة

في الرابع من أيار\مايو العام الماضي فشلت التظاهرة التي دعت اليها حركة السادس من أبريل. هذا العام دعت القوى المعارضة في مصر وقد انضمت اليها حركة الأخوان المسلمين الى اعتصام في البيوت في ذكرى الرابع من أيار\مايو. وكانت التحركات التي تبعت التظاهرة الناجحة في أبريل 2008 قد منيت جميعها بفشل ملحوظ يطرح أسئلة جوهرية عن أسباب نجاح وفشل تحركات معارضة للنظام القمعي في مصر. ما يلي محاولة للإجابة عن هذا السؤال عن طريق علم نفس الشعوب.
إسماعيل الإسكندراني- منصات
may 3.jpg
مجموعة من المتظاهرين أمام مبنى نقابة المحامين في القاهرة في الرابع من أيار 2008. © أي بي

في سياق عقد المقارنة بين الإضرابات الثلاثة (أبريل 2008 – مايو 2008 – أبريل 2009) لا يمكننا أن نغفل تقويم الوعي الجمعي المصري للتجربة الأولى وقيام الجماهير ببناء مواقفها التالية على أساسٍ من هذه النتائج. لكن النقطة التي لا يلتفت لها الكثيرون أن الأهم من الوعي الجمعي في مصر هو الوجدان الجمعي لشعب معظم سكانه مزارعون أو من خلفية ريفية اعتادت الصبر لدرجة التجاهل، أو قبول المهانة أحياناً. وهو ما يختلف كثيراً عن الخلفية التجارية المليئة بالمخاطرة، أو النفسية الساحلية المفعمة بالمغامرة، أو حتى عن الخلفية الصناعية القائمة على التعاقد الميكانيكي.

وكي لا نظلم تراث القاعدة العريضة من الجماهير المصرية، ينبغي ألا نغفل التغيرات التاريخية التي حدثت في الشخصية المصرية. فكما يولد الطفل باستعدادات متناقضة؛ للشجاعة والجبن، للكرم والبخل، للصدق والكذب، للجشع والعفة، فإن الشخصية العامة للشعوب تولد كذلك، ثم تتطور في ضوء الأحداث التاريخية المختلفة والحقب الزمنية المتتالية.


فالشخصية الثائرة - التي تجاوبت مع أحمد عرابي وسعد زغلول في ثورتيهما، والتي دعمت لحد كبير انقلاب "الضباط الأحرار"- فقدت الكثير من ملامحها عبر عقود متتالية من القهر العسكري والسياسي والإعلامي جعل الهم الأكبر للشعب المصري هو التحصل على الفتات ليقتات به ويستر الأولاد.


كما اتبعت الأنظمة المتتالية منذ عهد جمال عبد الناصر منهجيات لإذلال معارضيها، قد تكون تفاوتت في أشكالها وحدتها، إلا إنها جميعاً تتفق في امتهان كرامة أعلى المعارضين قدراً في المجتمع. فإذا كان عبد الناصر قد قام بمذبحة للقضاة عن طريق عزل من يشاء بتدخل سافر في استقلالية القضاء المصري، فإن عهد مبارك قد شهد ضرب القضاة بأحذية الشرطة. وإن كان عبد الناصر قد أعدم معارضيه من الإسلاميين في محاكمات صورية، فإن السادات قد سب رمزاً دينياً مهماً – وهو الشيخ أحمد المحلاوي - من فوق منصة مجلس الشعب وسجلت شتيمته التاريخية تليفزيونياً، ثم أتى النظام الحالي بموضة المحاكمات العسكرية للمدنيين ومصادرة الأموال، ولا أحد يعرف إلى ماذا كانت ستقود الأحكام لولا الضغوطات الدولية.


هنا نقول: إنه إذا كانت الشخصية المصرية أبيةً بطبعها، إلا إن هذا الإباء وهذه الكرامة دائماً ما تكون مرتبطة بالرموز الشعبية ذات الصفة الرسمية (قد يعود هذا أيضاً لقيمة احترام كبير العائلة أو القرية في التراث المصري الريفي)، فتبلغ بسالة المصريين ذروتها إذا ما كان الرمز هو رئيس الدولة كما حدث في حرب أكتوبر، وتقل هذه البسالة مع صغر الحجم الرسمي الذي يمثله الرمز (زعيم حزب – قائد عسكري). لأنه في هذه الحالة ينظر المصريون إلى الزعيم الشعبي كأنه الأب الذي يعارض الجد أو العم الأكبر (كبير العائلة). فرغم اعترافهم بشرعية ما يريد الأب إلا إن هناك وجداناً جمعياً يحملهم على عدم الخروج على النظام الكلي، وذلك لسببين؛ الأول: أنهم بطبيعتهم لا يريدون المشاكل والاضطرابات، والثاني: أنهم ليسوا على استعداد أن يدفعوا ثمن التغيير من كرامتهم وأعراض بناتهم وشرف عائلاتهم الذي قد يهان بأبشع الطرق في حالة فشل المخطط. وبالطبع يزخر التاريخ الحديث للسجون والمعتقلات المصرية بالعديد من الفضائح والمآسي والانتهاكات التي تجعل أي معارض يفكر ألف مرة في الثمن الغالي الذي قد يضطر لدفعه، بما في ذلك عرضه الأدبي والمعنوي والجنسي.


وللأمانة فإن الأنظمة الديكتاتورية في مصر - رغم غشامتها وتجبرها - إلا إنها كانت من اليقظة بمكان جعلها تقضي على فرص وجود أي رمز من أي نوع قد يتجمهر المصريون حوله، وهي بذلك نزعت فتيل الأزمة العاصفة التي كان من الممكن أن تحدث حال وجود زعيم (أب) قوي ومحبوب يهدد عرش كبير العائلة (الرئيس).


لذلك يمكننا أن نتفهم التغيير الذي حدث في الإضرابين الثاني والأخير عبر ثلاث خطوات؛ الأولى: أن نبصر الأحداث كأنها شريط سينمائي يحتوي على المشاهد التالية: (اعتقال فتاة - 3 قتلى في المحلة سقطوا في أحداث شغب - 100 مصاب - أحكام قضائية بالسجن - ..).

الخطوة الثانية أن نتخيل تعبيرات مجموعة عشوائية من المصرييين عند سماعهم عدد من الكلمات، من أمثال: (قسم شرطة - سجن - اعتقال - حبس - قوات أمن - مظاهرات - ...). أو بمعنى آخر: أن نتخذ علم نفس اللغة مدخلاً لفهم ما تعنيه هذه الكلمات في الوجدان الجمعي المصري.


أما الخطوة الثالثة فهي أن نطرح سؤالاً بسيطاً: هل المصريون على استعداد لدفع الثمن متمتعين بأمل الزعيم مصطفى كامل (الذي قال: "لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس")؟


وهنا نستطيع أن نستخلص النتيجة: فطالما كانت تجربة أبريل 2008 مكلفة، حتى لو لم تكن التكلفة هي الإصابات والقتل والاعتقال والتخريب، فيكفي أن هناك مواجهةً مع قوات الأمن، ويكفي كذلك أن هناك "تصنيفاً أمنياً" محتملاً قد يضر بمستقبل المشاركين ويمس مصادر أرزاقهم في حالة فتح "ملفات أمنية" لهم. وما دام الإحباط يستشري في الأوساط المصرية بشكل يتحدى أكثر المتفائلين ابتهاجاً، فلماذا يخاطر المصريون مرة ثالثة؟!


وفي سياق الوجدان الجمعي لا يفوتنا أن نشير إلى أن الأمن المصري حرص على استباق اللعب على أوتار التهديد العاطفي، فلم ينتظر حتى يوم الإضراب كي يعتقل فتاة أخرى، ولكنه بادر باعتقال سارة رزق وأمنية طه قبل الإضراب بأيام، بل وصل التبجح إلى اعتقالهما من داخل الحرم الجامعي. ثم ما لبث أن أظهر الوجه الآخر بشكل استباقي أيضاً، فرغم لطف معاملة الفتاتين توجه إلى المتضامنين معهما بعنف شديد طال المحامين الموكلين للدفاع عنهما. ولكن الأهم من ذلك حقاً أن إسراء من القاهرة الحضرية، وأن سارة وأمنية من كفر الشيخ الريفية، وفي ذلك دلالات وإشارات ورسائل.

وعلى صعيد آخر، قد يأنف بعض أصحاب الوعي من المثقفين المحبَطين أن يرجعوا الأسباب إلى الوجدان والعواطف والتردد والخوف، وقد يرون الحديث عن عاطفة المعارضين ووجدان الثوريين من الأمور التي تعيب حركة التغيير المصرية (رغم أن العاطفة والوجدان من خصائص البشر جميعاً، والمصريين خصوصاً). وهنا يتم اللجوء إلى أبرز الحيل الدفاعية المعروفة في علم النفس؛ التبرير. والمجال "المنطقي" الرحب المؤهل لاستضافة الهاربين من الواقع هو عالم الحقائق ولغة الأرقام.

فالحقائق (اليائسة / النسبية / الجزئية) تقول:


إن كان الإضراب الأول كان للاعتراض على ارتفاع الأسعار؛ فإن النظام قد عاقب الشعب بزيادتها بعد نجاحه في رشوته بالعلاوة، بل وارتفعت بعض الأسعار أيضاً (كالسيارات مثلاً) في عام 2009 رغم انخفاضها في العالم كله بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية.

إن كان إضراب أبريل 2008 كان لتحسين الأوضاع السياسية؛ فماذا عن النتيجة المؤلمة للمحاكمات العسكرية؟!
إن كان الهدف العام هو التغيير للأفضل؛ فهل حدث تغيير أصلاً؟ وإن كان قد حدث فهل كان للأفضل أم للأقتم والأمرّ؟!!

هنا نرى أن هناك ما هو أخطر من الوجدان الجمعي. إنه التفاعل الجدلي بين الوجدان الجمعي نفسه وبين الحقائق الانتقائية الدائرة في خلد الوعي الجمعي. وأقول "انتقائية" لأن الحقائق الإنسانية دائماً ما تكون نسبية، وإذا سلمنا أن التحيز خصيصة من خصائص البشر أيقنا أنه ما من حقيقة "تبريرية" إلا ويجب أن تكون "انتقائية".

بمعنى آخر فإن الكثيرين – وأنا منهم – قد يردون على هذه الحقائق بحقائق أخرى تكتمل بها الصورة، ويتضح بها مدى تبريرية هذه الحجج. لكن يبقى هؤلاء الكثيرون أقلية غير مؤثرة في فهم أسباب فشل إضراب أبريل 2009، لذلك أرى أنه لا داعِ لذكر الردود. فما هي إلا محاولة للفهم والتفسير، بعيداً عن التحفيز أو الإحباط، فللأخيرين مجالات أخرى. فبغض النظر عن أمنياتنا في إحداث الإصلاح والتغيير أو حتى الثورة (المستبعدة)، كانت هذه محاولة للخروج بالتحليل الموضوعي عن المعتاد في سياق تفهم أسباب اختلاف إضراب أبريل في 2009 عن سابقه في 2008، وتشابهه مع قرينه 4 أيار\مايو

الخميس، 14 مايو 2009

أكاديمية التغيير.. إنتاج صناعة ثقيلة بالمنطقة العربية

- الموضوع علي إسلام أون لاين إضغط هنا

-الموضوع علي موقع أكاديمية التغيير إضغط هنا

أحمد عبد الحميد


أكاديمية التغيير
تعنى الأكاديمية بوسائل التغيير
ثلاثة باحثين هم أحمد عبد الحكيم وهشام مرسي ووائل عادل أرادوا من خلال مشروعهم "أكاديمية التغيير" المساهمة مع المجتمع العلمي العالمي في تطوير صناعة التغيير، والكتابة إلى المنطقة العربية، وتزويد الحركات والأحزاب السياسية والحكومات –بما فيها بعض المؤسسات الغربية- بأدوات الفعل الاجتماعي والسياسي لتكون قادرة على ممارسة التغيير والتحول الحضاري.

عكف هؤلاء لسنوات على دراسة التجارب الإنسانية ووسائل التغيير، رأوا ضرورة الاهتمام بالتأصيل العلمي لقضية بناء مجتمعات قوية، وهي في منظورهم تلك المجتمعات القادرة على حمل مشروع ورسالة حضارية، وتمتلك أدوات تحقيقه من خلال دعم أو معارضة أو تغيير حكوماتها، مجتمعات لديها القدرة على التأثير في صناع القرار، وأدركوا أنه لكي تقوم حركة ما بالتغيير عليها أن تؤسس "ثقافة للتغيير" على أسس علمية، وأن تصبح رؤيتها وخطها التغييري مبنيان على هذه الأسس، وعزوا أحد أهم أسباب انصراف الجماهير عن بعض "حركات التغيير" إلى اعتبارها مجموعة من "الهواة" صدروا أنفسهم بدون فهم وخبرة كافيين لإدارة مشروع تغييري ناجح، كما أن الإنجازات السياسية لم تتحقق تاريخيا عبر الترديد المستمر للمبادئ أو لعن الخصوم، وإنما عبر قيادات تمكنت من إيجاد أدوات فعالة لتحقيق الانتصار.


اللاعبون بالأكاديمية


شاهد:

أهداف الأكاديمية تمثلها "الشرائح" الموجه لها خطاب الأكاديمية ورؤيتها، فالأكاديمية على المستوى الأرقى تستهدف إنتاج "علماء تغيير" متخصصين في "صناعة التغيير" يساهمون في تطوير ما أنتجه العالم في هذا العلم، حيث استطاعت الأكاديمية أن تكون من أوائل من يكتب بالعربية في هذا المجال بشكل ممنهج وفق رؤية تجيب على أهم الأسئلة المطروحة في هذا المجال.

الهدف الثاني للأكاديمية هو تخريج "إستراتيجيين" وتعني بهم القيادات والرموز التغييرية الموجودة بالشارع، والملتحمة بالجماهير لتتعامل مع الأحداث القائمة بشكل أكثر ذكاء ووعيا، وجعلها قادرة على رسم الأطر الإستراتيجية لإدارة العملية التغييرية.

ثم يأتي الهدف الثالث للأكاديمية وهو تكوين ثقافة عامة، ونشر نمط تفكير مختلف يساهم في خلق مجتمعات قوية مؤهلة لحمل مشروع حضاري وامتلاك أدوات تحقيقه.


ورغم أن عمر الأكاديمية لم يتعد السنوات الثلاث حيث تم تسجيلها في لندن عام 2006، وانطلقت في العمل من خلال شبكة الإنترنت، فإنها استطاعت خلال هذه السنوات الثلاث أن تؤسس لهذا العمل على مستويات عدة، حيث أنتجت خمسة مطبوعات متعلقة بحرب اللاعنف وهي: "حرب اللاعنف.. الخيار الثالث", "حلقات العصيان المدني"، فضلا عن الدراسات غير المطبوعة المقدمة إلى جامعات عربية وأوروبية، كما قدمت الأكاديمية العديد من الاستشارات للباحثين في هذا المجال، وقامت عن طريق التدريب الإلكتروني بتدريب ما يزيد على الـ500 متدرب من بلدان شتى على عدة دورات مثل "تكتيكات حرب اللاعنف" و"رسالة الإعلام المقاوم"، وبدأت في الاهتمام بتبسيط الأفكار ونشرها عبر الأفلام فأنتجت فيلما قصيرا بعنوان "الدروع الواقية من الخوف" بالإضافة إلى العديد من مختصرات الأفلام المعنية بنشر ثقافة التغيير.


فلسفة الصراع


النظام الديكتاتوري بيده القبض والبسط، والمنح والمنع، يمنع الشرعية عن قوة يراها قد تمثل بديلاً له في الشارع أو أمام الغرب، وإن أعطى الشرعية فهو يعطيها إما لحزب ورقي يستكمل به الشكل الديمقراطي، أو يعطي المشروعية لحزب آخر ذي رؤية جيدة –والتي قد يكون في إطار صفقة أو ضغط خارجي- وقد يعول عليه الشعب تغييرا أو حراكا ما، وهنا لا يتركه النظام يعمل بشكل جيد في الشارع؛ حيث يقلص من حركته عن طريق قوانين مشبوهة، أو تُرصد لقادته ورموزه، وبالتالي تنتهي الحالة السياسية إلى عملية مغلقة على النظام يتحكم هو في كل آلياتها ومفرداتها.


الأكاديمية لا ترى في "الحل الدستوري" وحده وسيلة للتغيير داخل بعض البلدان العربية التي امتلكت فيها الأنظمة كل مقدرات القوة والشرعية، وعقدت اتفاقية أبدية بينها وبين كراسي الحكم، في الوقت الذي تعمل فيه على وأد أي قوة ناشئة شرعية أو غير شرعية تريد التغيير والاكتفاء بانتهاج المسار الدستوري النيابي من وجهة نظر الأكاديمية يمنح المبرر القانوني من جهة واللاأخلاقي من جهة أخرى للنظام ليضرب على يد المقاومة والأحزاب السياسية ونشطاء العمل المدني لتصبح الأخيرة بلا أي غطاء يحميها من جبروت النظام والسلطة.


وبالرغم من أن "أكاديمية التغيير" لا ترى بتطابق حالة المجتمعات العربية مع حالة التجارب الناجحة في تغيير الأنظمة السياسية التي كانت موجودة في بعض بلدان آسيا أو أوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي -فإن خيار حرب اللاعنف يستحق أن يُدرس بعمق كخيار محتمل- حيث تنقل حركات التغيير المجتمع من حالة المجتمع الأعزل فاقد الحلم والأمل غير المسلح إلى المجتمع المعتز برسالته المؤمن بإمكانية الفعل والذي يمتلك أدوات استعادة السلطة عبر المواجهة اللاعنيفة مع الأنظمة الديكتاتورية، وترى الأكاديمية أن هذا المسار قد يكون أكثر واقعية وقدرة على تحقيق التوازن السياسي بين طرفي الصراع من المسار الدستوري الأعزل للتعامل مع أنظمة قمعية أوقفت الحراك السياسي لمجتمعاتها.


للثورة فنون


"الإطاحة بطاغية"، "سقوط ديكتاتور"، "كنا محاربين"، "الحرية في زماننا"، "ماتريكس" و" V for vendetta" و"القلعة الأخيرة" و"غاندي".

مجموعة من الأفلام الوثائقية والروائية تقدمها الأكاديمية على موقعها لتؤصل لثقافة التغيير، كما تنقل من خلالها فكرة الخوف الذي يستطيع الإنسان أن يقهره، والواقع السلبي الذي تستطيع أمة ما تغييره بشرط أن تمتلك الإرادة.

الأكاديمية ترى في الفن دورا هاما وقويا في توعية الشارع، من خلال تبسيط المفاهيم التغييرية العلمية في قوالب فنية، بحيث يصبح التغيير ثقافة شعبية لا ثقافة نخب.

حيث كان للآداب والفنون دور كبير في إيصال الأفكار العظيمة التي أنتجها مفكرون عظام كـ "جان جاك روسو" و"مونتسكيو" و"فولتير"، مما ساعد في الحراك المجتمعي الغربي.


وبجانب المواد الفيلمية على موقعها، هناك مجموعة أغان عن رؤية الأكاديمية في فلسفة التغيير، وإن كانت على مستوى حرفي وفني ليس بجيد، لذا فالأكاديمية تبحث في هذا المشروع وأيضا مشروع "إنتاج قصص قصيرة وروايات للجيب" لمحترفين لديهم الموهبة الكافية، بينما تشارك هي في وضع الأفكار، والتدريب، وتسويق المنتج بالمشاركة مع جهة نشر تتولي الطبع والتوزيع.