" الأيام دول " ..لم تكن الفضائيات -التي أزاحت القنوات الأرضية عن عرشها يوماً ما - تدرك أن هذه المقولة ستنطبق عليها بهذه السرعة حتي انفجار ثورة " النيوميديا " علي الشبكة العنكبوتية التي سحبت البساط من تحت قدميها، أقلّها في المناطق المعتمة التي لا تستطيع الفضائيات ولا وسائل الإعلام التقليدية الوصول إليها، أو ملاحقة الأحداث التي تلم بها .
وسام فؤاد الباحث في النوميديا ورئيس قسم البحوث والتطوير بشركة ميديا انترناشونال، يرى أهمية التمييز بين مساحتين مكملتين لبعضهما: الإنترنت كبنية، والإنترنت كمساحة فعل اجتماعي افتراضي. ويشير فؤاد هنا إلى الإنترنت الجديدة وليس الإنترنت القديمة. والانترنت الجديدة أهم خصائصها أنها أداة إعلامية قامت في بنيتها على تحدي نموذجي الأوليجاركية والاوتوقراطية الذين عرفهما الفكر السياسي. تتحدى الأوتوقراطية من خلال تقليل قدرة الأفراد والمؤسسات على منع نشر المحتوى على الإنترنت.
كما أنها والكلام لوسام فؤاد، قامت تتحدى الأوليجاركية من خلال كسر احتكار أصحاب رؤوس الأموال للإنترنت. كانت الانترنت القديمة أشبه بكشك للصحف فيها يمكن لصاحب رأس المال أن يشتري "دومين"، وأن يشتري استضافة، وأن يشتري برمجيات مرخصة، وأن يؤجر عنصر العمل المدرب.
أما الإنترنت الجديدة؛ فاستبدلت كل تلك المعايير بمهارة المستخدم، ومن ناحية ثانية كان يمكن لأي سلطة قديما أن تمنع موقعاً ما من الحضور على إقليمها. اليوم لم يعد المنشور في مواقع الإنترنت الجديدة حكراً على مواقع محدودة، بل تخطاها للمواقع العالمية. ويمكن لأي كان استيراد مدونته الى مدونة أخرى أو اعادة نشر موضوعاته على موقع آخر إن تم حجب المدونة أو الحساب الخاص به على موقع ثان.
الخلاصة أن الإنترنت الجديدة مثلت ثورة في حد ذاتها قبل أن تكون ثورة في توظيفها.
وعن التوظيف السياسي للنيوميديا أوضح الباحث وسام فؤاد أنه نتيجة للقهر وانسداد القنوات في العالم الواقعي، بدأ مستخدمو الإنترنت يجدون فيها منفذاً. وبدأ زحف الانترنت نحو التوظيف السياسي الذي بلغ نحو 30% من استخدامها في دولة مثل مصر.
يقول وسام :"الملاحظ أن موقعاً مثل فيس بوك يمثل ايقونة في مثل هذا التوظيف، وحتى من يستعملونه للترفيه نجد منهم طرفا ينشغل بالسياسة، ويتحمس لبعض أجنداتها، لكن بصفة عامة تسمح بعض التطبيقات للمستخدمين بإخفاء عناوين أجهزتهم مما يجعل ثمة امكانية لكي يلعب المواطنون دوراً سياسيا افتراضياً في كل الدول" .
يؤكد فؤاد أن الانترنت يمكن أن يساهم على الأقل في عملية توعية الشعوب، وتعبئتها إن أمكن من جانب النشطاء السياسيين بشرط ان يتم الالتفات إلى إحداث تراكم ما في مسألة الاستثمار في البنى التحتية لشبكة الانترنت من جانب النشطاء السياسيين.
يضيف وسام قائلاً :" التليفزيون وسيط اعلامي لكنه مغلق على حالة اوليجاركية واوتوقراطية يمثلها مالكو القنوات قبل الحكومات، وعندما نتحدث عن الإنترنت يجب أن نتحدث عنها كوسيط. الإنترنت في النهاية وسيط، ومن يتعامل معها باعتبارها أداة سياسية مخطئ".
"الانترنت رفعت القيود الى حد كبير عن تداول الرأي، ومدت إمكانية نشر الرأي لكل من يستطيع استخدام الانترنت. والثانية أن الإنترنت كبيئة افتراضية تضيف قيمة جديدة للإنترنت الوسيط. فهي تخلق تجمعا وتربط بينه وتنشر اهتماماته المشتركة وتعزز ترابطه وتخلق لكل تجمع جمهورا متابعاً ومهتماً " .
يمثل الداخل السوري والسعودي الأبرز عربياً من ناحية التعتيم الإعلامي نتيجة لهيمنة النظام السياسي، الذي في الأغلب أعاق نقل ما يدور على مستوى الشارع إجتماعيا وسياسيا. وعدم سماح النظام السياسي المهيمن بوجود صحفيين أجانب أو مكاتب لقنوات فضائية وضع حاجزاً أمام ظهور ما يدور في الشارع إلى الخارج .
لكن ثورة " النيوميديا الجديدة " ضربت هذه الحالة في مقتل حينما شوهد كثير من " التابوهات " يتم كسرها ونقلها والحديث عنها خلال مواقع مثل الـ" يوتيوب " أ و " تويتر " و" الفيس بوك " فضلاً عن المدونات الشخصية.
ففي السعودية صار موقع " اليوتيوب " أحد أهم المواقع التي يستخدمها الناشطون المعارضون للحكم السعودي بالإضافة لمجموعات طائفية وسياسية تلاقي اضطهادا دينياً وسياسياً هناك خصوصا الإصلاحيين والشيعة.
فاحتجاجات الشيعة في السعودية والتي لا يمكن رؤيتها على أي قناة فضائية، استطاع الشيعة ومن خلال اليوتيوب نقل أكثر من احتجاج من خلاله. كان أهمها " احتجاج البقيع " الشهير الذي جاء أثر تصوير نساء شيعيات أثناء زيارة مدافن البقيع من قبل رجال هيئة " الأمر بالمعروف "، حيث تم تنزيل فيديوهات كاملة للاحتجاج علي موقع "اليوتيوب"، أعقبها تحميل فيلم وثائقي كامل بإسم " المعاناة " وهي خطبة كاملة للشيخ نمر بن باقر النمر أحد أبرز المشايخ الشيعة المعارضين للنظام السعودي يستعرض فيها أوضاع الشيعة بالسعودية، والفيلم من إنتاج شبكة أسمت نفسها " شبكة الدفاع عن الشيخ نمر " .
في سوريا كان موقع اليوتيوب – قبل حجبه من قبل السلطات السورية –بمثابة المتنفس الرئيسي للمعارضة والناشطين السياسيين في سوريا والحملات المستمرة المطالبة بالإفراج عن المعتقلين السوريين. تشتهر سوريا بأنها الأشهر على الإطلاق عربياً في الحجب الإليكتروني. مواقع الجماعات الكردية السورية وغير السورية ومواقع المعارضة السورية بالخارج كلها محجوبة.
أيضاً هناك حجب لمواقع صحفية شهيرة ومعروفة أبرزها موقع " إيلاف" بالإضافة لحجب المواقع التي قد تسبب صداعاً للنظام السوري. ويأتي على رأسها موقع "الفيس بوك" الإجتماعي ومدونات مكتوب وبلوجر، وأخيرا ً موقع " اليوتيوب ".
بل وصل الأمر أن طال الحجب مواقع عالمية ليس لها أي موقف معارض سياسياً من سوريا ، حيث حجبت الحكومة السورية مؤخراً موقع " ويكيبيديا " الناطق باللغة العربية وبريد " الهوت ميل " عدة أشهر قبل أن تعيد فتحه مؤخراً بدون أي تقديم أي أسباب لذلك .
الكاتب السوري نبيل شبيب والمقيم في ألمانيا أكد أن جهات معارضة كثيرة استطاعت أن تصل بأخبارها عبر الشبكة بمواقع لنفسها، ومن هؤلاء الأكراد، وإعلان دمشق، يضيف شبيب قائلاً :" من داخل سورية، وحتى من داخل حزب البعث يوجد من يعبر عن وجهة نظر (تحررية) واستطاعوا أيضا التعبير عن أنفسهم.. وابرز الامثلة على ذلك موقع ( كلنا شركاء ) ".
لكن المشكلة من وجهة نظره تكمن في في المعارضة وقدرتها على الاستفادة الهادفة من الوسيلة الإعلامية الحديثة. حيث يرى شبيب المعارضة السورية غير متجانسة وتحالفاتها و انشقاقاتها أكثر من مرة بصورة ارتجالية تضعف مواقعها السياسية جميعا، وبالتالي تضعف عطاءها الإعلامي ايضا كما يقول .
أوضح شبيب أن ما ساهم في إضعاف حصيلة الإعلام المعارض الرد عليه بصورة " ذكية" من جانب جهات رسمية أو شبه رسمية باستخدام الشبكة.
حيث يشير إلى أنه توجد حالياً مواقع إخبارية على مستوى جيد لا تظهر في مظهر الأبواق الإعلامية، وهذا يكسبها مصداقية. وقد تتجنب أسلوب الكذب الإعلامي، إنما لا تعرض الصورة كاملة. هذا الأسلوب أقرب إلى إقناع القارئ إذا كان غير قادر على المتابعة التفصيلية لمعرفة ما لا يذكر.
يقول شبيب :" إضافة إلى ذلك تنتشر في تلك المواقع أخبار وتقارير تحمل صفة المعارضة ولكن تقف عند حدود ما لا يمس جوهر المشكلة في النظام السياسي القائم، كحالة الطوارئ أو احتكار الحزب للسلطة بمادة دستورية وما شابه ذلك، مثل موقع " بانوراما سورية" و " شام برس " و" حدث سوريا ".
النيوميديا في الحالة المصرية لم يتعد دورها فقط كشف المناطق " المعتمة " أو كسر سيطرة النظام على أدوات إعلامية بعينها. بل وصل دورها الى الفعل والحراك السياسي والمجتمعي. ويصبح نموذج " إضراب 6 إبريل " أبرز الأمثلة الدالّة على ذلك، حيث استفادت مجموعة " إضراب 6 إبريل " من الأدوات المتاحة لتعميم دعوة إضراب عمال غزل المحلة لتحقيق مكسب سياسي للإضراب الذي كان الفاعل الأساسي فيه كان العمال وليس مجموعة " النشطاء الفيسبوكيين ".
الدكتور نبيل عبد الفتاح خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، رأى أن وسائل الإعلام الجديدة " النيوميديا " والصحف الخاصة قد أدت لبعض التغيرات السياسية والاجتماعية في الشارع المصري. أهمها التشكيك في حدود النظام الرسمي في السيطرة على المجال العام اجتماعياً وثقافياً وسياسياً. الأمر الثاني الذي أحدثته هو تجاوز وضرب الخطوط الحمراء المفروضة من قبل النظام، ومساعدة الشارع الشعبي على كسر حاجز الخوف مما أدى إلى كثافة تواجد حالات الإعتصامات والإضرابات المدنية والاجتماعية والسياسية التي تعدت الآلاف خلال الخمس سنوات الأخيرة.
الأمر التالي الذي أضافته وسائل الإعلام والصحف الخاصة وفقا للدكتور عبد الفتاح هو مساعدة المجال العام الافتراضي " شبكة المتواصلين على الإنترنت "على كسر التابوهات المعروفة والكلام فيها ومناقشتها والتعرف أكثر عليها مثل مسألة " الأقباط " و " البهائية " و " الشيعة " و" قضية النوبة" و " قضية تهميش أهل الجنوب".
الإعلام الجديد والصحف الخاصة من وجهة نظر عبد الفتاح دورها المحوري يكمن أيضاً في كشف مخالب القانون الرسمي وعدم ملائمته مع الواقع وأهمية طرح أن يعاد النظر في " القانون الرسمي " كليةً وإشكالياته التي تعتبر منتهية أو ممسوخة أمام الرأي العام .
واعتبر الدكتور عبد الفتاح أن الإعلام الجديد ساعد على إبراز قضايا على مستوى المجال الإفتراضي. ومن ثم تحولت تلقائياً إلي المجال العام التقليدي، والتي كانت معمتة من قبل الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي، مثل قضايا التعذيب ومكافآت وأجور العمال وقضية القضاة الإصلاحيين، ومشاكل البيئة مثل قضية " أجريوم " في دمياط .
يضيف عبد الفتاح :" ساعد الإعلام الجديد والصحف الخاصة الحركات الاحتجاجية في حشد تعبئة جماهيرية والذي تمثل في أشكال الاحتجاجات الرمزية ضد مواقف الدولة وأجهزتها من خلال الإعلان عن مواقيت هذه الاحتجاجات، والترويج لها، ونشر مواقف الدولة السلبية من خلال التقارير أو الفيديوهات أو الصور وهو ما عزز اتخاذ موقف سلبي من الرأي العام ضد النظام الرسمي والنظام " .
المدون محمود سالم والمتخصص في الإعلام الإلكتروني والحملات الإعلانية اعتبر أن " النيوميديا " أصبح يمثل إعلاماً بديلاً به ميزات عدة. أهمها أن الناشطين يقومون بتنظيم المظاهرات والتنسيق من خلاله.
بالإضافة لعمليات الحشد الجيدة وكان أبرز الأمثلة إضراب 6 إبريل الذي كان المحرك الأساسي له هو موقع " الفيس بوك " .
يوضح سالم أن شبكة اليوتيوب أحد أهم أدوات النيومديا التي صارت علامة مميزة لإعلام المواطن الذي يستطيع أن ينشر ما لا تستطيع المؤسسات الإعلامية التقليدية نشره وإعلانه، من خلال التحميل بكاميرات الديجتال وكاميرات المحمول التي تلتقط الأحداث في وقتها.
وكثيرا ما يصبح صاحب الكاميرا ليس ناقلاً فقط، وإنما مشاركاً في الحدث وهو ما يعطي مصداقية أكبر في الحدث المضاف أو المشاهد علي اليوتيوب.
يقول سالم :" الميديا القديمة ترتبط مصداقيتها بالدعم وبالتالي مصداقيتها مرتبطة بأجندة الكيان أو المؤسسة التي تدعمها. الميديا الجديدة غير مرتبطة بدعم أو تمويل وبالتالي ليس لها أجندة. تخاطب الميديا الجديدة الناس بالحدث بنفس الشكل الذي وقع به، إضافة إلى أن الصحفيين التقليديين صاروا معالجين للخبر أكثر من كونهم ناقلين له، وهذا غير موجود مع الميديا الحديثة لإن أبطالها هم أبطال الحدث الذي ينقلونه" .
يشير سالم إلي أن النظام الإيراني قام بتقييد عمل البي بي سي لدرجة اعتباره أن المظاهرات التي تحدث في الشارع هي بتأثير قناة البي بي سي البريطانية. وهنا تبرز –والكلام لسالم- نقطة أن الإعلام التقليدي أي الفضائيات وغيرها، تتقيد بحدود الدولة وسياستها. تأخذ تصاريح للعمل في الشارع، تأخذ تصاريح لكي تعمل في بلد ما، وبالتالي عند حدوث أي أزمة سياسية يغلق مكتبها مباشرة. هذا الأمر غير موجود بالمرة مع " النيوميديا " المختَرِقَة بقوة لأي شارع معتّم إعلاميا من قبل مؤسسة رسمية محافظة أو مستبدة.
الميديا القديمة من وجهة نظره لم تمت وإنما فقدت الكثير من المصداقية أمام تغوّل وانتشار وسائل " الإعلام الحديثة " بكافة أشكالها.
كما أنها والكلام لوسام فؤاد، قامت تتحدى الأوليجاركية من خلال كسر احتكار أصحاب رؤوس الأموال للإنترنت. كانت الانترنت القديمة أشبه بكشك للصحف فيها يمكن لصاحب رأس المال أن يشتري "دومين"، وأن يشتري استضافة، وأن يشتري برمجيات مرخصة، وأن يؤجر عنصر العمل المدرب.
أما الإنترنت الجديدة؛ فاستبدلت كل تلك المعايير بمهارة المستخدم، ومن ناحية ثانية كان يمكن لأي سلطة قديما أن تمنع موقعاً ما من الحضور على إقليمها. اليوم لم يعد المنشور في مواقع الإنترنت الجديدة حكراً على مواقع محدودة، بل تخطاها للمواقع العالمية. ويمكن لأي كان استيراد مدونته الى مدونة أخرى أو اعادة نشر موضوعاته على موقع آخر إن تم حجب المدونة أو الحساب الخاص به على موقع ثان.
الخلاصة أن الإنترنت الجديدة مثلت ثورة في حد ذاتها قبل أن تكون ثورة في توظيفها.
وعن التوظيف السياسي للنيوميديا أوضح الباحث وسام فؤاد أنه نتيجة للقهر وانسداد القنوات في العالم الواقعي، بدأ مستخدمو الإنترنت يجدون فيها منفذاً. وبدأ زحف الانترنت نحو التوظيف السياسي الذي بلغ نحو 30% من استخدامها في دولة مثل مصر.
يقول وسام :"الملاحظ أن موقعاً مثل فيس بوك يمثل ايقونة في مثل هذا التوظيف، وحتى من يستعملونه للترفيه نجد منهم طرفا ينشغل بالسياسة، ويتحمس لبعض أجنداتها، لكن بصفة عامة تسمح بعض التطبيقات للمستخدمين بإخفاء عناوين أجهزتهم مما يجعل ثمة امكانية لكي يلعب المواطنون دوراً سياسيا افتراضياً في كل الدول" .
يؤكد فؤاد أن الانترنت يمكن أن يساهم على الأقل في عملية توعية الشعوب، وتعبئتها إن أمكن من جانب النشطاء السياسيين بشرط ان يتم الالتفات إلى إحداث تراكم ما في مسألة الاستثمار في البنى التحتية لشبكة الانترنت من جانب النشطاء السياسيين.
يضيف وسام قائلاً :" التليفزيون وسيط اعلامي لكنه مغلق على حالة اوليجاركية واوتوقراطية يمثلها مالكو القنوات قبل الحكومات، وعندما نتحدث عن الإنترنت يجب أن نتحدث عنها كوسيط. الإنترنت في النهاية وسيط، ومن يتعامل معها باعتبارها أداة سياسية مخطئ".
"الانترنت رفعت القيود الى حد كبير عن تداول الرأي، ومدت إمكانية نشر الرأي لكل من يستطيع استخدام الانترنت. والثانية أن الإنترنت كبيئة افتراضية تضيف قيمة جديدة للإنترنت الوسيط. فهي تخلق تجمعا وتربط بينه وتنشر اهتماماته المشتركة وتعزز ترابطه وتخلق لكل تجمع جمهورا متابعاً ومهتماً " .
بلاد محجوبة إعلامياً
يمثل الداخل السوري والسعودي الأبرز عربياً من ناحية التعتيم الإعلامي نتيجة لهيمنة النظام السياسي، الذي في الأغلب أعاق نقل ما يدور على مستوى الشارع إجتماعيا وسياسيا. وعدم سماح النظام السياسي المهيمن بوجود صحفيين أجانب أو مكاتب لقنوات فضائية وضع حاجزاً أمام ظهور ما يدور في الشارع إلى الخارج .
لكن ثورة " النيوميديا الجديدة " ضربت هذه الحالة في مقتل حينما شوهد كثير من " التابوهات " يتم كسرها ونقلها والحديث عنها خلال مواقع مثل الـ" يوتيوب " أ و " تويتر " و" الفيس بوك " فضلاً عن المدونات الشخصية.
ففي السعودية صار موقع " اليوتيوب " أحد أهم المواقع التي يستخدمها الناشطون المعارضون للحكم السعودي بالإضافة لمجموعات طائفية وسياسية تلاقي اضطهادا دينياً وسياسياً هناك خصوصا الإصلاحيين والشيعة.
فاحتجاجات الشيعة في السعودية والتي لا يمكن رؤيتها على أي قناة فضائية، استطاع الشيعة ومن خلال اليوتيوب نقل أكثر من احتجاج من خلاله. كان أهمها " احتجاج البقيع " الشهير الذي جاء أثر تصوير نساء شيعيات أثناء زيارة مدافن البقيع من قبل رجال هيئة " الأمر بالمعروف "، حيث تم تنزيل فيديوهات كاملة للاحتجاج علي موقع "اليوتيوب"، أعقبها تحميل فيلم وثائقي كامل بإسم " المعاناة " وهي خطبة كاملة للشيخ نمر بن باقر النمر أحد أبرز المشايخ الشيعة المعارضين للنظام السعودي يستعرض فيها أوضاع الشيعة بالسعودية، والفيلم من إنتاج شبكة أسمت نفسها " شبكة الدفاع عن الشيخ نمر " .
في سوريا الحجب هو الحل
في سوريا كان موقع اليوتيوب – قبل حجبه من قبل السلطات السورية –بمثابة المتنفس الرئيسي للمعارضة والناشطين السياسيين في سوريا والحملات المستمرة المطالبة بالإفراج عن المعتقلين السوريين. تشتهر سوريا بأنها الأشهر على الإطلاق عربياً في الحجب الإليكتروني. مواقع الجماعات الكردية السورية وغير السورية ومواقع المعارضة السورية بالخارج كلها محجوبة.
أيضاً هناك حجب لمواقع صحفية شهيرة ومعروفة أبرزها موقع " إيلاف" بالإضافة لحجب المواقع التي قد تسبب صداعاً للنظام السوري. ويأتي على رأسها موقع "الفيس بوك" الإجتماعي ومدونات مكتوب وبلوجر، وأخيرا ً موقع " اليوتيوب ".
بل وصل الأمر أن طال الحجب مواقع عالمية ليس لها أي موقف معارض سياسياً من سوريا ، حيث حجبت الحكومة السورية مؤخراً موقع " ويكيبيديا " الناطق باللغة العربية وبريد " الهوت ميل " عدة أشهر قبل أن تعيد فتحه مؤخراً بدون أي تقديم أي أسباب لذلك .
الكاتب السوري نبيل شبيب والمقيم في ألمانيا أكد أن جهات معارضة كثيرة استطاعت أن تصل بأخبارها عبر الشبكة بمواقع لنفسها، ومن هؤلاء الأكراد، وإعلان دمشق، يضيف شبيب قائلاً :" من داخل سورية، وحتى من داخل حزب البعث يوجد من يعبر عن وجهة نظر (تحررية) واستطاعوا أيضا التعبير عن أنفسهم.. وابرز الامثلة على ذلك موقع ( كلنا شركاء ) ".
لكن المشكلة من وجهة نظره تكمن في في المعارضة وقدرتها على الاستفادة الهادفة من الوسيلة الإعلامية الحديثة. حيث يرى شبيب المعارضة السورية غير متجانسة وتحالفاتها و انشقاقاتها أكثر من مرة بصورة ارتجالية تضعف مواقعها السياسية جميعا، وبالتالي تضعف عطاءها الإعلامي ايضا كما يقول .
أوضح شبيب أن ما ساهم في إضعاف حصيلة الإعلام المعارض الرد عليه بصورة " ذكية" من جانب جهات رسمية أو شبه رسمية باستخدام الشبكة.
حيث يشير إلى أنه توجد حالياً مواقع إخبارية على مستوى جيد لا تظهر في مظهر الأبواق الإعلامية، وهذا يكسبها مصداقية. وقد تتجنب أسلوب الكذب الإعلامي، إنما لا تعرض الصورة كاملة. هذا الأسلوب أقرب إلى إقناع القارئ إذا كان غير قادر على المتابعة التفصيلية لمعرفة ما لا يذكر.
يقول شبيب :" إضافة إلى ذلك تنتشر في تلك المواقع أخبار وتقارير تحمل صفة المعارضة ولكن تقف عند حدود ما لا يمس جوهر المشكلة في النظام السياسي القائم، كحالة الطوارئ أو احتكار الحزب للسلطة بمادة دستورية وما شابه ذلك، مثل موقع " بانوراما سورية" و " شام برس " و" حدث سوريا ".
مصر ..النيوميديا فاعل سياسي
النيوميديا في الحالة المصرية لم يتعد دورها فقط كشف المناطق " المعتمة " أو كسر سيطرة النظام على أدوات إعلامية بعينها. بل وصل دورها الى الفعل والحراك السياسي والمجتمعي. ويصبح نموذج " إضراب 6 إبريل " أبرز الأمثلة الدالّة على ذلك، حيث استفادت مجموعة " إضراب 6 إبريل " من الأدوات المتاحة لتعميم دعوة إضراب عمال غزل المحلة لتحقيق مكسب سياسي للإضراب الذي كان الفاعل الأساسي فيه كان العمال وليس مجموعة " النشطاء الفيسبوكيين ".
الدكتور نبيل عبد الفتاح خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، رأى أن وسائل الإعلام الجديدة " النيوميديا " والصحف الخاصة قد أدت لبعض التغيرات السياسية والاجتماعية في الشارع المصري. أهمها التشكيك في حدود النظام الرسمي في السيطرة على المجال العام اجتماعياً وثقافياً وسياسياً. الأمر الثاني الذي أحدثته هو تجاوز وضرب الخطوط الحمراء المفروضة من قبل النظام، ومساعدة الشارع الشعبي على كسر حاجز الخوف مما أدى إلى كثافة تواجد حالات الإعتصامات والإضرابات المدنية والاجتماعية والسياسية التي تعدت الآلاف خلال الخمس سنوات الأخيرة.
الأمر التالي الذي أضافته وسائل الإعلام والصحف الخاصة وفقا للدكتور عبد الفتاح هو مساعدة المجال العام الافتراضي " شبكة المتواصلين على الإنترنت "على كسر التابوهات المعروفة والكلام فيها ومناقشتها والتعرف أكثر عليها مثل مسألة " الأقباط " و " البهائية " و " الشيعة " و" قضية النوبة" و " قضية تهميش أهل الجنوب".
الإعلام الجديد والصحف الخاصة من وجهة نظر عبد الفتاح دورها المحوري يكمن أيضاً في كشف مخالب القانون الرسمي وعدم ملائمته مع الواقع وأهمية طرح أن يعاد النظر في " القانون الرسمي " كليةً وإشكالياته التي تعتبر منتهية أو ممسوخة أمام الرأي العام .
واعتبر الدكتور عبد الفتاح أن الإعلام الجديد ساعد على إبراز قضايا على مستوى المجال الإفتراضي. ومن ثم تحولت تلقائياً إلي المجال العام التقليدي، والتي كانت معمتة من قبل الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي، مثل قضايا التعذيب ومكافآت وأجور العمال وقضية القضاة الإصلاحيين، ومشاكل البيئة مثل قضية " أجريوم " في دمياط .
يضيف عبد الفتاح :" ساعد الإعلام الجديد والصحف الخاصة الحركات الاحتجاجية في حشد تعبئة جماهيرية والذي تمثل في أشكال الاحتجاجات الرمزية ضد مواقف الدولة وأجهزتها من خلال الإعلان عن مواقيت هذه الاحتجاجات، والترويج لها، ونشر مواقف الدولة السلبية من خلال التقارير أو الفيديوهات أو الصور وهو ما عزز اتخاذ موقف سلبي من الرأي العام ضد النظام الرسمي والنظام " .
المصداقية والدعم
المدون محمود سالم والمتخصص في الإعلام الإلكتروني والحملات الإعلانية اعتبر أن " النيوميديا " أصبح يمثل إعلاماً بديلاً به ميزات عدة. أهمها أن الناشطين يقومون بتنظيم المظاهرات والتنسيق من خلاله.
بالإضافة لعمليات الحشد الجيدة وكان أبرز الأمثلة إضراب 6 إبريل الذي كان المحرك الأساسي له هو موقع " الفيس بوك " .
يوضح سالم أن شبكة اليوتيوب أحد أهم أدوات النيومديا التي صارت علامة مميزة لإعلام المواطن الذي يستطيع أن ينشر ما لا تستطيع المؤسسات الإعلامية التقليدية نشره وإعلانه، من خلال التحميل بكاميرات الديجتال وكاميرات المحمول التي تلتقط الأحداث في وقتها.
وكثيرا ما يصبح صاحب الكاميرا ليس ناقلاً فقط، وإنما مشاركاً في الحدث وهو ما يعطي مصداقية أكبر في الحدث المضاف أو المشاهد علي اليوتيوب.
يقول سالم :" الميديا القديمة ترتبط مصداقيتها بالدعم وبالتالي مصداقيتها مرتبطة بأجندة الكيان أو المؤسسة التي تدعمها. الميديا الجديدة غير مرتبطة بدعم أو تمويل وبالتالي ليس لها أجندة. تخاطب الميديا الجديدة الناس بالحدث بنفس الشكل الذي وقع به، إضافة إلى أن الصحفيين التقليديين صاروا معالجين للخبر أكثر من كونهم ناقلين له، وهذا غير موجود مع الميديا الحديثة لإن أبطالها هم أبطال الحدث الذي ينقلونه" .
يشير سالم إلي أن النظام الإيراني قام بتقييد عمل البي بي سي لدرجة اعتباره أن المظاهرات التي تحدث في الشارع هي بتأثير قناة البي بي سي البريطانية. وهنا تبرز –والكلام لسالم- نقطة أن الإعلام التقليدي أي الفضائيات وغيرها، تتقيد بحدود الدولة وسياستها. تأخذ تصاريح للعمل في الشارع، تأخذ تصاريح لكي تعمل في بلد ما، وبالتالي عند حدوث أي أزمة سياسية يغلق مكتبها مباشرة. هذا الأمر غير موجود بالمرة مع " النيوميديا " المختَرِقَة بقوة لأي شارع معتّم إعلاميا من قبل مؤسسة رسمية محافظة أو مستبدة.
الميديا القديمة من وجهة نظره لم تمت وإنما فقدت الكثير من المصداقية أمام تغوّل وانتشار وسائل " الإعلام الحديثة " بكافة أشكالها.
شكرا يا باشا.. وبصرف النظر عن كلمتي.. الموضوع رائع من زاوية انتقاؤه ومن زاوية معالجته..
ردحذفوسام فؤاد- إسلام أون لاين
الأستاذ الفاضل وسام
ردحذفرأيك في الموضوع أضاف له أبعاد جديدة جيدة، علي الأقل بالنسبة لي ..
كلمتك اتسمت بالمنهجية والعمق الشديدين ..تحياتي وبالتوفيق الدائم ..وبالخصوص في عالم الإفتراضية .
موضوع حلو فعلا ومجهودك فيه واضح بس دا تقرير والا تحقيق انا التبس عليا الامر الف شكر
ردحذفهو تحقيق ..بس الجزء المتعلق بسوريا والسعودية ..التقريرية فيه ظاهرة جدا ..انا كنت متفق مع مدير التحرير -وفقاً لاتفاق مسبق - انه يعدل جزء السعوددية ..فنشره كما هو وبالتالي الجزء ده في التحقيق ..باين انه تقرير بشكل كبير
ردحذفتحياتي
وأتمني
لو تحط اسمك يا فندم تحت تعليقك لو مش ليك حساب علي جوجل