-بقلم محمد عبد الحكم دياب "موقع مصرنا ".
الفتنة الطائفية في مصر تطل برأسها وتخرج لسانها للجميع. ونعيد ونكرر أنها وجه من وجوه فتنة شاملة أشعلتها منظومة الاستبداد والفساد والتبعية التي أودت بالبلاد ال التهلكة، ونراها في تصرفات وسلوكيات المواطنين، مسلمين ومسيحيين، وصارت لها الكلمة العليا في المؤسسات والجماعات الدينية، الرسمية والأهلية. ووقع الأزهر في أسرها، وهو كمؤسسة إسلامية رسمية للدولة تأثر بما يحدث لها ومنها، وصار عاجزا عن إطفاء الفتنة أو التخفيف من حدتها، ووقع، مثل غيره، فريسة لتيارات أخذت عل عاتقها إيجاد مبررات وذرائع تحض عل الكراهية وتشجع التمييز، وبلغت من الخطر ما يجعل علاجها فوق طاقة جهة أو مؤسسة أو جماعة واحدة.
لا يفلح فيها لقاء شيخ الأزهر بالبابا، ولا يداويها عناق معممين وكهنة. وساهمت أوضاع الأزهر المتردية، في العقود الأخيرة، في زيادة الاحتقان الطائفي، وتقتضي البداية التعرف عل أحوال الأزهر بما يتفرع عنه وما آل إليه أمره.
والأزهر، كما هو معروف، أ نشأته الدولة الفاطمية وهي تنقل عاصمتها من الشمال الإفريقي ال مصر، في عام 359هـ - 970م. أي منذ أكثر من ألف عام. وكان الغرض من إنشائه التبشير والدعوة لمذهب الدولة، الإسماعيلي الشيعي، ومع ذلك يحسب للفاطميين أنهم أقاموا الأزهر مؤسسة دينية علمية منفتحة. ذات أفق واسع، واستقر ذلك واقعا طبع مسيرته وتاريخه، ويصف الباحث الإسلامي رفعت سيد أحمد في دراسة له عن وضع الأزهر بالقول: كانت تتجاور وتتحاور بداخله المدارس الفقهية المختلفة ، وأرجع السبب ال سماح الفاطميين للمذاهب السنية الأربعة (الشافعية والمالكية والحنبلية والحنفية) بالتواجد فيه، ومحافظتهم عل مسجد عمرو بن العاص، معقل الفقه السني. وتحويله ال منبر رسمي للخليفة الفاطمي في صلوات الجمع في شهر رمضان وعيدي الفطر والأضح، وفي هذا المناخ استطاع الأزهر، كما ذكر الباحث، استقبال كبار فقهاء وعلماء السنة، أمثال أبو حامد الغزالي، الهارب من بطش السلطة العباسية. لم تطلب منه سلطات الدولة، آنذاك، تغيير أفكاره، أو منعته من بثها والتعبير عنها، وتمكن من احتضان العلماء، مثل الحسن بن الهيثم. عالم البصريات والهندسة والمكتشف العربي الفذ.
هذه النشأة جعلت من الأزهر مثابة للدين والعلم والحوار والتفاعل والاحتكاك، وحين سقطت الدولة الفاطمية كانت هذه التقاليد قد ضربت بجذورها في تربته، فاستمر دارا للمعرفة والعلم والتسامح، وفي دوره الجديد الذي نما مع انتصارات صلاح الدين عل جحافل جيوش الفرنجة (الصليبية)، انتقل من مقام التسامح الديني ونشر العلم ال طور الذود عن الأوطان ومقاومة الطغيان. وكثيرا ما عبأ الناس عند الابتلاء وحشدهم لمواجهة الأعداء. واجه ظلم المماليك وانحرافاتهم، وتصد لموجات العدوان والاحتلال المستمرة. ولعب دورا مشهودا في مواجهة الحملة الفرنسية، وقاد ثورتي القاهرة الأول والثانية، حت هُزمت القوات الغازية. وسِجل الأزهر يذخر بملاحم مقاومة الاحتلال البريطاني، وفور خروجه من مصر في 1956 عاد مرة أخر في السنة ذاتها، فكان الأزهر ملاذ عبد الناصر. يدعو من عل منبره جماهير الشعب للقتال والمقاومة. وبدأ دوره في التراجع منذ منتصف السبعينات، وعل مد عقود بقي فيه رجال يدافعون عنه ويحولون بينه وبين السقوط، حت تول شيخه الحالي أمر إدارته، فألقي به في هاوية ليس لها قرار.
والتحدث عن الأزهر لا يجب أن يغفل دار الإفتاء لأنها خرجت من رحمه وولدت في حِجْره. ودار الإفتاء مؤسسة دينية أحدث. ظهرت بهيئتها الحالية في سنة 1313هـ و1895م ، وأول من تول منصب الإفتاء رسميا هو الشيخ محمد عبده، وقبل ذلك كان الافتاء مهمة الأزهر. ويوكل أمره ال أئمة المذاهب الأربعة، وتشير بعض المصادر ال أن نظام الإفتاء نشأ وتطور في أحضان الدولة العثمانية، وكانت حنفية المذهب، وتعتمد الفتاو الحنفية من بين فتاو المذاهب الأربعة في التشريع والقضاء، ولما وهنت دولة بني عثمان وضعفت، بدأ الاعتماد عل مفتي واحد، وصدر لذلك مرسوم عن الخديوي عباس حلمي، عين بمقتضاه الشيخ محمد عبده مفتيا للديار المصرية، ومعن ذلك اعتماد المذهب الحنفي مذهبا رسميا للدولة. ومع تغيير النظام السياسي للبلاد أصبح يلقب بمفتي جمهورية مصر العربية، ومثله مثل شيخ الأزهر يعين بقرار جمهوري ويعامل وظيفيا وماليا بدرجة وزير. كما يعامل شيخ الأزهر بدرجة رئيس وزراء. وتضطلع دار الإفتاء بمهمة الرد عل السائلين فيما يخص الأحكام الفقهية، وبيان الحكم الديني في أحكام الإعدام، الصادرة عن محاكم الجنايات، وتدريب المبعوثين إليها من البلاد الإسلامية عل فنون وقواعد الإفتاء وشروطه، ومن مهامها الأخر تحديد بدايات الشهور العربية، بالتعاون مع مرصد حلوان، وهيئة المساحة المصرية، وأقسام الفلك بالجامعات، وطبع ونشر الفتاوي وحفظها في مجلدات، وما أصاب الأزهر أصاب دار الإفتاء، وينطبق عليها الآن قول الرسول الكريم: إن من علامات فساد الزمان أن يكثر عدد الذين يفتون بغير علم.
ويرتبط تراجع الأزهر بتراجع الدور المصري وصعود النفوذ السعودي، وتأثيره المتنامي مع هزيمة 1967، ويعود ال ما يعرف بحقبة ـ البترودولار وسياسة دفتر الشيكات لشراء الولاء والذمم، وانتعاشها منذ سبعينات القرن الماضي، والإفصاح عن وجهها كرديف للجهد الأمريكي المكثف لاحتواء المنطقة. ولم يكن ذلك ممكنا دون غياب الدور المصري، السياسي والتنموي والديني والثقافي والحضاري. ونجحت في ذلك نجاحا كبيرا، وصرفت عل ذلك أموالا طائلة تقدرها بعض المصادر بـ76 مليار دولار عل مد ثلاثين عاما. وظهر في الأزهر من يستجيب للإختراق ويقبل بإغراء المال وفساده، فعمل عل تحريم مظاهر وأساليب العصر والحياة المتمدينة، ووجدنا من بين الأزهريين من يحرم التعامل مع المواطن لمجرد الاختلاف في الدين، ومن يفتي بتحريم الزهور للمرض والأفراح، ويرفض القبول بكروية الأرض، وغطت مثل هذه الفتاو المجال كافة، من زيارة القبور وعذاب القبر وأهوال الآخرة، والدعوة ال هدم القباب الأضرحة، والتشبه بمن أزالوا أضرحة آل البيت والخلفاء الراشدين والصحابة في البقيع وغيره. وتمكنت هذه العدو من الأزهر ودار الإفتاء، وخرجت الآراء والفتاو المنافية للدين والمنطق والعقل. تتناول كل ما هو شاذ وغريب، فيفتي أحد مشايخ الأزهر بإرضاع الكبير ليصبح محرما عل زميلته في العمل. وادع المفتي الرسمي شرب الصحابة لبول الرسول الكريم وتبركهم به.
وساهم التوجه الرسمي للأزهر فيما وصلت إليه الأوضاع الداخلية من ترد. وترك الجمهور منشغلا بطول اللحية وقصر الجلباب وثواب استخدام السواك، ومواصفات زي المرأة، والتلهي بالكشف عما في الصدور والنوايا التي تقف خلف التصرفات، فطلقوا السعي في الحياة، وتخلوا عن العمل وإعمار الأرض، ورفضوا الناس وأدانوا المجتمع. والملفت للنظر أنهم استعاضوا عن كل هذا بنفاق المستبدين، ومداهنة السلاطين، واستقبال الغزاة والمحتلين، وتشجيع المطبعين، وفي هذه البيئة المعتلة امتدت مظلة التكفير لتغطي المخالف في الرأي والمذهب والدين، ومن يكفّر مسلما خالفه الرأي أو المذهب، من السهل عليه أن يهدر دم المغاير له في الدين. وقيادة الأزهر، الذي قاد جهد التقريب بين المذاهب عل يد الشيخ عبد المجيد سليم، في أربعينات القرن الماضي، وأحياه الشيخ محمود عاشور مؤخرا لا يبالي بالفتنة، ولا بالاختراق الصهيوني والتسلل الأمريكي، الذي جعل شيخه يستقبل حاخامات الدولة الصهيونية. يرحب بهم في مقره العتيد، ويقر غزو العراق، وسار المفتي عل نهج شيخه، لعله يحصل عل منصبه بعد رحيله. ووصلت الجرأة ال تكفير حزب الله، لأنه قاد المقاومة الإسلامية اللبنانية، وحقق بها نصرا عزيزا، عل الآلة العسكرية الصهيونية في صيف 2006.
ووضع الأزهر المتردي سمح للمليادير السعودي صالح كامل بتأسيس مركز يحمل اسمه داخل جامعته العتيقة، بجوار قاعة الشيخ محمد عبده، القريبة من كلياته التقليدية (أصول الدين والشريعة واللغة العربية) ومصادر تمويل ذلك المركز هي نفس المصادر الممولة لفضائيات الفيديو كليب والسينما والأغاني الهابطة. ولم تنج مؤسسة الأسرة من الداء، حيث ابتدع أمراء الفتنة صيغا رافضة للزواج الإسلامي المدني، ولا تعتد بالمستندات الرسمية والشرعية.
وهي صيغ مشكوك في سلامتها القانونية والشرعية، مفسحين المجال للتفكك الاجتماعي والضعف الأسري والفساد الأخلاقي، وير مؤرخون أن السياسة السعودية تثأر من مصر بسبب مسئوليتها التاريخية عن حماية منطقة الحجاز، واستقر ذلك تقليدا لديها منذ عهد الدولة الطولونية 868م، وهو ما دفع محمد علي، حين شعر بالخطر عل الحجاز ال توجيه جيشه ال الدرعية سنة 1811، وحال بين الدولة السعودية الأولي والتقدم نحوه. يصف الحبرتي الموقف بالقول: أقنعهم سعود بأن الحجازيين كفار فجار ، لتحريض رجاله عل القتال وإهدار دم مسلمين مثلهم. كيف لمن يتبع هذا النهج ان يكون رحيما بالمصريين أو غيرهم؟
وما لم يتحقق بالسلاح، أيام محمد علي تحقق بالمال وموالاة الأعداء. ومن يأمر بإحراق المحمل المصري، ويعيد المحمل الشامي من غير حج، في تلك الأيام، لا يعنيه أمر دين ولا ملة أو مذهب . يذكر الجبرتي: لما امتنعت قوافل الحج المصري والشامي، وانقطع من أهل المدينة ومكة ما كان يصل إليهم من الصدقات والصرر، خرجوا من أوطانهم بأولادهم ونسائهم وأتوا ال مصر والشام، ومنهم من ذهب ال اسلامبول (اسطنبول) يتشكون من الوهابي، ويستغيثون بالدولة في خلاص الحرمين لتعود لهم الحالة التي كانوا عليها .
والأزهر أضح مؤسسة تعول عليها الإدارة الأمريكية والدولة الصهيونية، والعديد من المنظمات الغربية دور في التمييز بين مذهب وآخر ودين وآخر وطائفة وأخر، تهيئة للمسرح لجحافل الغزو القدمة. والتمييز يصنع الفتنة. والخلاصة أن الأزهر لن يسترد دوره، ويعود له تأثيره، وهو ينتمي لنظام سياسي ضعيف ومستبد، ويتبع دولة رخوة وتابعة. ومشكلة الأزهر ليست فقط فيما حدث فقط إنما في التزامه بأيديولوجية انعزالية ساوت بينه وبين التيار الانعزالي في الكنيسة المصرية، وبينه وبين مسيحيي أمريكا من ذوي الأصول المصرية، وهم الآن الأكثر تأثيرا في إزكاء الفتنة واستقواء بالخارج. وهذا مبحث آخر.
الفتنة الطائفية في مصر تطل برأسها وتخرج لسانها للجميع. ونعيد ونكرر أنها وجه من وجوه فتنة شاملة أشعلتها منظومة الاستبداد والفساد والتبعية التي أودت بالبلاد ال التهلكة، ونراها في تصرفات وسلوكيات المواطنين، مسلمين ومسيحيين، وصارت لها الكلمة العليا في المؤسسات والجماعات الدينية، الرسمية والأهلية. ووقع الأزهر في أسرها، وهو كمؤسسة إسلامية رسمية للدولة تأثر بما يحدث لها ومنها، وصار عاجزا عن إطفاء الفتنة أو التخفيف من حدتها، ووقع، مثل غيره، فريسة لتيارات أخذت عل عاتقها إيجاد مبررات وذرائع تحض عل الكراهية وتشجع التمييز، وبلغت من الخطر ما يجعل علاجها فوق طاقة جهة أو مؤسسة أو جماعة واحدة.
لا يفلح فيها لقاء شيخ الأزهر بالبابا، ولا يداويها عناق معممين وكهنة. وساهمت أوضاع الأزهر المتردية، في العقود الأخيرة، في زيادة الاحتقان الطائفي، وتقتضي البداية التعرف عل أحوال الأزهر بما يتفرع عنه وما آل إليه أمره.
والأزهر، كما هو معروف، أ نشأته الدولة الفاطمية وهي تنقل عاصمتها من الشمال الإفريقي ال مصر، في عام 359هـ - 970م. أي منذ أكثر من ألف عام. وكان الغرض من إنشائه التبشير والدعوة لمذهب الدولة، الإسماعيلي الشيعي، ومع ذلك يحسب للفاطميين أنهم أقاموا الأزهر مؤسسة دينية علمية منفتحة. ذات أفق واسع، واستقر ذلك واقعا طبع مسيرته وتاريخه، ويصف الباحث الإسلامي رفعت سيد أحمد في دراسة له عن وضع الأزهر بالقول: كانت تتجاور وتتحاور بداخله المدارس الفقهية المختلفة ، وأرجع السبب ال سماح الفاطميين للمذاهب السنية الأربعة (الشافعية والمالكية والحنبلية والحنفية) بالتواجد فيه، ومحافظتهم عل مسجد عمرو بن العاص، معقل الفقه السني. وتحويله ال منبر رسمي للخليفة الفاطمي في صلوات الجمع في شهر رمضان وعيدي الفطر والأضح، وفي هذا المناخ استطاع الأزهر، كما ذكر الباحث، استقبال كبار فقهاء وعلماء السنة، أمثال أبو حامد الغزالي، الهارب من بطش السلطة العباسية. لم تطلب منه سلطات الدولة، آنذاك، تغيير أفكاره، أو منعته من بثها والتعبير عنها، وتمكن من احتضان العلماء، مثل الحسن بن الهيثم. عالم البصريات والهندسة والمكتشف العربي الفذ.
هذه النشأة جعلت من الأزهر مثابة للدين والعلم والحوار والتفاعل والاحتكاك، وحين سقطت الدولة الفاطمية كانت هذه التقاليد قد ضربت بجذورها في تربته، فاستمر دارا للمعرفة والعلم والتسامح، وفي دوره الجديد الذي نما مع انتصارات صلاح الدين عل جحافل جيوش الفرنجة (الصليبية)، انتقل من مقام التسامح الديني ونشر العلم ال طور الذود عن الأوطان ومقاومة الطغيان. وكثيرا ما عبأ الناس عند الابتلاء وحشدهم لمواجهة الأعداء. واجه ظلم المماليك وانحرافاتهم، وتصد لموجات العدوان والاحتلال المستمرة. ولعب دورا مشهودا في مواجهة الحملة الفرنسية، وقاد ثورتي القاهرة الأول والثانية، حت هُزمت القوات الغازية. وسِجل الأزهر يذخر بملاحم مقاومة الاحتلال البريطاني، وفور خروجه من مصر في 1956 عاد مرة أخر في السنة ذاتها، فكان الأزهر ملاذ عبد الناصر. يدعو من عل منبره جماهير الشعب للقتال والمقاومة. وبدأ دوره في التراجع منذ منتصف السبعينات، وعل مد عقود بقي فيه رجال يدافعون عنه ويحولون بينه وبين السقوط، حت تول شيخه الحالي أمر إدارته، فألقي به في هاوية ليس لها قرار.
والتحدث عن الأزهر لا يجب أن يغفل دار الإفتاء لأنها خرجت من رحمه وولدت في حِجْره. ودار الإفتاء مؤسسة دينية أحدث. ظهرت بهيئتها الحالية في سنة 1313هـ و1895م ، وأول من تول منصب الإفتاء رسميا هو الشيخ محمد عبده، وقبل ذلك كان الافتاء مهمة الأزهر. ويوكل أمره ال أئمة المذاهب الأربعة، وتشير بعض المصادر ال أن نظام الإفتاء نشأ وتطور في أحضان الدولة العثمانية، وكانت حنفية المذهب، وتعتمد الفتاو الحنفية من بين فتاو المذاهب الأربعة في التشريع والقضاء، ولما وهنت دولة بني عثمان وضعفت، بدأ الاعتماد عل مفتي واحد، وصدر لذلك مرسوم عن الخديوي عباس حلمي، عين بمقتضاه الشيخ محمد عبده مفتيا للديار المصرية، ومعن ذلك اعتماد المذهب الحنفي مذهبا رسميا للدولة. ومع تغيير النظام السياسي للبلاد أصبح يلقب بمفتي جمهورية مصر العربية، ومثله مثل شيخ الأزهر يعين بقرار جمهوري ويعامل وظيفيا وماليا بدرجة وزير. كما يعامل شيخ الأزهر بدرجة رئيس وزراء. وتضطلع دار الإفتاء بمهمة الرد عل السائلين فيما يخص الأحكام الفقهية، وبيان الحكم الديني في أحكام الإعدام، الصادرة عن محاكم الجنايات، وتدريب المبعوثين إليها من البلاد الإسلامية عل فنون وقواعد الإفتاء وشروطه، ومن مهامها الأخر تحديد بدايات الشهور العربية، بالتعاون مع مرصد حلوان، وهيئة المساحة المصرية، وأقسام الفلك بالجامعات، وطبع ونشر الفتاوي وحفظها في مجلدات، وما أصاب الأزهر أصاب دار الإفتاء، وينطبق عليها الآن قول الرسول الكريم: إن من علامات فساد الزمان أن يكثر عدد الذين يفتون بغير علم.
ويرتبط تراجع الأزهر بتراجع الدور المصري وصعود النفوذ السعودي، وتأثيره المتنامي مع هزيمة 1967، ويعود ال ما يعرف بحقبة ـ البترودولار وسياسة دفتر الشيكات لشراء الولاء والذمم، وانتعاشها منذ سبعينات القرن الماضي، والإفصاح عن وجهها كرديف للجهد الأمريكي المكثف لاحتواء المنطقة. ولم يكن ذلك ممكنا دون غياب الدور المصري، السياسي والتنموي والديني والثقافي والحضاري. ونجحت في ذلك نجاحا كبيرا، وصرفت عل ذلك أموالا طائلة تقدرها بعض المصادر بـ76 مليار دولار عل مد ثلاثين عاما. وظهر في الأزهر من يستجيب للإختراق ويقبل بإغراء المال وفساده، فعمل عل تحريم مظاهر وأساليب العصر والحياة المتمدينة، ووجدنا من بين الأزهريين من يحرم التعامل مع المواطن لمجرد الاختلاف في الدين، ومن يفتي بتحريم الزهور للمرض والأفراح، ويرفض القبول بكروية الأرض، وغطت مثل هذه الفتاو المجال كافة، من زيارة القبور وعذاب القبر وأهوال الآخرة، والدعوة ال هدم القباب الأضرحة، والتشبه بمن أزالوا أضرحة آل البيت والخلفاء الراشدين والصحابة في البقيع وغيره. وتمكنت هذه العدو من الأزهر ودار الإفتاء، وخرجت الآراء والفتاو المنافية للدين والمنطق والعقل. تتناول كل ما هو شاذ وغريب، فيفتي أحد مشايخ الأزهر بإرضاع الكبير ليصبح محرما عل زميلته في العمل. وادع المفتي الرسمي شرب الصحابة لبول الرسول الكريم وتبركهم به.
وساهم التوجه الرسمي للأزهر فيما وصلت إليه الأوضاع الداخلية من ترد. وترك الجمهور منشغلا بطول اللحية وقصر الجلباب وثواب استخدام السواك، ومواصفات زي المرأة، والتلهي بالكشف عما في الصدور والنوايا التي تقف خلف التصرفات، فطلقوا السعي في الحياة، وتخلوا عن العمل وإعمار الأرض، ورفضوا الناس وأدانوا المجتمع. والملفت للنظر أنهم استعاضوا عن كل هذا بنفاق المستبدين، ومداهنة السلاطين، واستقبال الغزاة والمحتلين، وتشجيع المطبعين، وفي هذه البيئة المعتلة امتدت مظلة التكفير لتغطي المخالف في الرأي والمذهب والدين، ومن يكفّر مسلما خالفه الرأي أو المذهب، من السهل عليه أن يهدر دم المغاير له في الدين. وقيادة الأزهر، الذي قاد جهد التقريب بين المذاهب عل يد الشيخ عبد المجيد سليم، في أربعينات القرن الماضي، وأحياه الشيخ محمود عاشور مؤخرا لا يبالي بالفتنة، ولا بالاختراق الصهيوني والتسلل الأمريكي، الذي جعل شيخه يستقبل حاخامات الدولة الصهيونية. يرحب بهم في مقره العتيد، ويقر غزو العراق، وسار المفتي عل نهج شيخه، لعله يحصل عل منصبه بعد رحيله. ووصلت الجرأة ال تكفير حزب الله، لأنه قاد المقاومة الإسلامية اللبنانية، وحقق بها نصرا عزيزا، عل الآلة العسكرية الصهيونية في صيف 2006.
ووضع الأزهر المتردي سمح للمليادير السعودي صالح كامل بتأسيس مركز يحمل اسمه داخل جامعته العتيقة، بجوار قاعة الشيخ محمد عبده، القريبة من كلياته التقليدية (أصول الدين والشريعة واللغة العربية) ومصادر تمويل ذلك المركز هي نفس المصادر الممولة لفضائيات الفيديو كليب والسينما والأغاني الهابطة. ولم تنج مؤسسة الأسرة من الداء، حيث ابتدع أمراء الفتنة صيغا رافضة للزواج الإسلامي المدني، ولا تعتد بالمستندات الرسمية والشرعية.
وهي صيغ مشكوك في سلامتها القانونية والشرعية، مفسحين المجال للتفكك الاجتماعي والضعف الأسري والفساد الأخلاقي، وير مؤرخون أن السياسة السعودية تثأر من مصر بسبب مسئوليتها التاريخية عن حماية منطقة الحجاز، واستقر ذلك تقليدا لديها منذ عهد الدولة الطولونية 868م، وهو ما دفع محمد علي، حين شعر بالخطر عل الحجاز ال توجيه جيشه ال الدرعية سنة 1811، وحال بين الدولة السعودية الأولي والتقدم نحوه. يصف الحبرتي الموقف بالقول: أقنعهم سعود بأن الحجازيين كفار فجار ، لتحريض رجاله عل القتال وإهدار دم مسلمين مثلهم. كيف لمن يتبع هذا النهج ان يكون رحيما بالمصريين أو غيرهم؟
وما لم يتحقق بالسلاح، أيام محمد علي تحقق بالمال وموالاة الأعداء. ومن يأمر بإحراق المحمل المصري، ويعيد المحمل الشامي من غير حج، في تلك الأيام، لا يعنيه أمر دين ولا ملة أو مذهب . يذكر الجبرتي: لما امتنعت قوافل الحج المصري والشامي، وانقطع من أهل المدينة ومكة ما كان يصل إليهم من الصدقات والصرر، خرجوا من أوطانهم بأولادهم ونسائهم وأتوا ال مصر والشام، ومنهم من ذهب ال اسلامبول (اسطنبول) يتشكون من الوهابي، ويستغيثون بالدولة في خلاص الحرمين لتعود لهم الحالة التي كانوا عليها .
والأزهر أضح مؤسسة تعول عليها الإدارة الأمريكية والدولة الصهيونية، والعديد من المنظمات الغربية دور في التمييز بين مذهب وآخر ودين وآخر وطائفة وأخر، تهيئة للمسرح لجحافل الغزو القدمة. والتمييز يصنع الفتنة. والخلاصة أن الأزهر لن يسترد دوره، ويعود له تأثيره، وهو ينتمي لنظام سياسي ضعيف ومستبد، ويتبع دولة رخوة وتابعة. ومشكلة الأزهر ليست فقط فيما حدث فقط إنما في التزامه بأيديولوجية انعزالية ساوت بينه وبين التيار الانعزالي في الكنيسة المصرية، وبينه وبين مسيحيي أمريكا من ذوي الأصول المصرية، وهم الآن الأكثر تأثيرا في إزكاء الفتنة واستقواء بالخارج. وهذا مبحث آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق