السبت، 11 أبريل 2009

إضراب 6 إبريل المصري.. فشل ونجاح ومكاسب

أحد ملصقات الإضراب
أحد ملصقات الإضراب
-محمد جمال عرفه

لا يختلف اثنان على أن إضراب 6 أبريل 2009 الذي دعا له شباب الإنترنت المصريون، وحاز على مشاركة ما لا يقل عن 75 ألف شاب، نجح داخل الجامعات، ولكنه فشل في الشارع المصري، ولا يختلف اثنان على أن هناك مزايا عديدة لهذه الدعوة للإضراب مع هذا، أقلها التحريك السياسي، وإجبار الحزب الوطني الحاكم على التحرك، ولو من قبيل رد الفعل المضاد على شبكة الإنترنت.

ويجب أن نلحظ بداية أن ما رفعه الداعون للإضراب من دعوات هذه المرة كانت مطالب ضخمة وإستراتيجية المفعول –أي لا تحل في يوم وليلة- ومنوعة، اقتصادية واجتماعية وسياسية، وأن هذه المطالب تعكس مشكلات عميقة في المجتمع المصري كله، وبالتالي من المفترض أن تجتذب كل قطاعات الشعب المصري وكل الفئات.

هذه المطالب (الضخمة) –التي تختلف عن شعار "خليك في البيت" البسيط الذي رفع العام الماضي- غلفت بغلاف "سياسي ليبرالي إلكتروني حديث" بأكثر من تغليفها بغلاف "شعبي" ينزل لأرض الواقع بمطالب محددة على غرار مطالب إضراب 6 أبريل الذي شارك فيه عمال غزل المحلة وحدد فيه العمال مطالبهم في رفع الأجور وخفض الأسعار.

فالداعون للإضراب من الشباب والقوى السياسية على مواقع الإنترنت -خصوصا موقعي فيس بوك ويوتيوب– تحدثوا عن "عملية إفقار منظمة من قبل الدولة للمواطن، وتوزيع غير عادل للثروة القومية التي تحتكرها قلة من رجال الأعمال والمنتفعين بسياسات الحزب الوطني اللاديمقراطي"؛ مما أدى إلى جعل أغلبية المصريين تحت "خط الفقر"، بحسب قولهم.

الشباب قالوا أيضا: إن "المواطن أصبح يحيا في ظل متناقضات كثيرة، فيرى طائرات رجال الأعمال بينما يغرق في عبارة الموت أو يُحرق في قطار الصعيد، ويرى فيلات وقصور مارينا وشرم الشيخ، بينما تنهار فوق رأسه ورأس أبنائه عشش الدويقة".

وقالوا: إن "المواطن يعاني من قلة وندرة فرص العمل، والتي وإن وجدت لا توفر له المتطلبات الأساسية لحياة الإنسان كالمأكل والملبس والمسكن، والحياة بكرامة واطمئنان على مستقبله ومستقبل أبنائه، ويعاني من تدهور واضح في الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة وارتفاع تكاليفها مما يحمله طاقات فوق مرتبه البسيط إن وجد".

كل ذلك يدخل في باب الشكاوى والتوصيف لحالة المجتمع المصري ككل، أكثر من كونه مطالب محددة يمكن المطالبة بها في إضراب محدود، كما أن "تضارب" مطالب الشباب التي وردت في أكثر من عشر مجموعات على فيس بوك، وغيرها من المطالب التي وردت على المدونات الشبابية، أوجدت حالة "سيولة قيادية" وغياب جهة أو "رأس" محدد يقود هذا الإضراب، ويضع مطالب واضحة وبسيطة ومحددة من الحكومة.

وزاد من عيوب هذا التحرك نحو الإضراب غياب الرموز السياسية أو القيادة الكاريزمية التي تقود مثل هذه الإضرابات للنجاح، كما حدث في تجارب عالمية أخرى، إما بسبب وفاة بعض هذه القيادات، أو نتيجة للتضييق الأمني، أو بسبب حالة "الإفقار السياسي" التي تنتهجها السلطة منذ فترات طويلة ضد خصومها، والقائمة على ما يمكن تسميته "إقصاء" أي قيادة سياسية وتهميشها بطرق عديدة؛ كي لا تبرز كقيادة شعبية مناوئة.

وحتى إعلان جماعة الإخوان المسلمين مشاركتها في الإضراب هذه المرة لم تكن مشاركة كاملة، بمعنى الخروج في مظاهرات في الشارع بقياداتها أو قيادتها لحملات احتجاج شعبية كما حدث في مرات سابقة، وإنما اقتصر الأمر على المشاركة الشبابية فقط عبر شباب الإنترنت الذين نجحوا في القيام بدورهم في نطاق الجامعات الضيق، ولو بصورة مقيدة ومحدودة بفعل التضييق الأمني والإجهاض المبكر لهذه التحركات عبر اعتقالات بلغت -وفق تقديرات منظمي الإضراب- قرابة 37 شابا وفتاة.

أسباب الفشل

ولكن ما هي الأسباب المباشرة لفشل إضراب 6 أبريل في الشارع المصري؟ واقتصار نجاحه على قرابة تسع جامعات مصرية؟ ولماذا لم ينجح برغم أن هناك معطيات جديدة تشجع نجاحه، أبرزها الأزمة المالية الاقتصادية العالمية، وما أفرزته من عمليات تسريح للعمالة لم تنج منها مصر (مركز تحديث الصناعة قدر عدد المسرحين خلال 2009 بنصف مليون عامل، وهو ما سيرفع البطالة إلى 8.8% بدلا من 8.6%)؟.

الواقع أن هناك مجموعة من العوامل يمكن القول إنها من أبرز معوقات نجاح الإضراب الأخير على النحو التالي:-

1- السبب الأول والرئيسي في فشل الإضراب هو عدم وجود قيادة موحدة (كاريزمية) تقود الإضراب، وتدعو له ويجتمع حولها المصريون، وتحدد مطالب أو أهدافا محددة؛ ما نتج عنه تخبط واضح، وقيام كل فريق بالعمل في جزر منعزلة.. طلاب الجامعات في جامعاتهم.. وقوى سياسية حزبية قامت بوقفات احتجاجية.. ونوبيون يطالبون بمطالب خاصة أمام التليفزيون.. وهكذا.

هذه الظاهرة يطلق عليها د. سيف عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، اسم "الشعوبية السياسية"، بمعنى مطالبة كل فئة نقابية أو عمالية بمصالح ذاتية لها فقط، وليس مطالب عامة تمثل أصل المشكلة.

وبرأيه، فإن هذه "الشعوبية" بدأت تأخذ صورة "التقوقع" على الذات، وهو أمر يضر بالعمل العام، بحيث ينكب كل فرد على "أكل عيشه".

والجانب الآخر يوضحه المفكر المصري د. طارق البشري، إذ يؤكد أن هذا الغياب للقيادة القادرة على "التحريك" لا يقود لنجاح التحرك الجماهيري، ويقول البشري في تصريحات لشبكة "إسلام أون لاين.نت": "إن حرب الصراع السياسي الداخلي بين الحاكم والمحكوم تحتاج إلى الوعي.. والوعي موجود ولكنه يحتاج أيضا إلى قوة التحريك والتنظيم، وهذه مفتقدة، والتنظيمات الموجودة غير قادرة على التعبئة والتحريك لكي يكون لها تأثير على السياسات".

ويضيف: "المشكلة أن القوى السياسية غير قادرة على تعبئة الجمهور من ناحية، وعدم سماح الدولة من ناحية أخرى، إضافة إلى الوضع التاريخي والمشاكل التاريخية من الناحية التنظيمية".

2- أدى غياب أو اختفاء هذه القيادة الشعبية الكاريزمية لخلل آخر تمثل في تضارب التصريحات حول طبيعة الإضراب ومطالبه، وعلى سبيل المثال: في حين دعت مجموعات على الفيس بوك للإضراب (بمعني التوقف عن ممارسة أي عمل والتغيب والوقفات الاحتجاجية)، دعا سياسيون آخرون لمظاهرات في عدة مناطق، وقال أحمد ماهر منسق حركة 6 أبريل: "إن اليوم هو بالأساس يوم للغضب، أي للتعبير عن الغضب على الأوضاع بأي شكل متاح، وليس للإضراب بشكل رئيسي". وعلى حين ركز طلاب الجامعات عموما على تخفيض نفقات الجامعة التي ألغيت مجانيتها تقريبا، ركز طلاب الإخوان على مطالب الحريات، وركز نشطاء أحزاب العمل وكفاية والغد والكرامة على مطالب سياسية في صورة "إعلان القاهرة" الذي صدر بعنوان "حان وقت التغيير"، ويطالب بإطلاق الحريات السياسية وإلغاء جميع القيود المفروضة عليها.

3- الداعون للإضراب بشكل أساسي هم شباب الإنترنت فقط (12% من المصريين يستخدمون الإنترنت)، بجانب بعض القوى السياسية المستضعفة، وهذا شكل حلقة ضعف في توصيل دعوة الإضراب، وعززه وجود فاصل طبيعي بين شباب الإنترنت وغالبية الشعب.

4- عدم وضوح المطالب الشعبية في الإضراب كما حدث في العام الماضي عندما شارك عمال قدموا مطالب محددة برفع أجورهم وخفض أسعار السلع، كما أن الانخفاض الكبير في بعض أسعار السلع الأساسية هذا العام 2009 –مقارنة بـ 2008- بنسبة تتراوح بين 25% و40% ساعد في إضعاف الإضراب هذه المرة.

وهذا الأمر (أي حدوث حالة من الرضا عند الكثير من الأغلبية الصامتة بعد زيادة المرتبات والانخفاض النسبي للأسعار) اعتبره المهندس هيثم أبو خليل، مدير مركز ضحايا حقوق الإنسان، أحد ثلاثة أسباب أفشلت الإضراب بجانب "تخاذل جميع القوى السياسية الموجودة، وعدم الالتفاف حول مجموعة 6 أبريل ودعمها وترشيد خطابها خوفا من عصا النظام، أو طمعا في الجزرة مستقبلا"، و"تعلم النظام الدرس من الإضراب السابق بتسكين بؤر الصراع في الكثير من المؤسسات والمصانع والشركات".

6- الإضراب الأخير لم يكن أيضا يرفع –ولم تواكبه- بشكل أساسي مطالب شعبية ملحة ضاغطة، مثل خفض الأسعار، أو محاربة الغلاء، كما حدث في إضراب أبريل الماضي عندما كانت الساحة مشتعلة ومهيأة للغضب والخروج للشارع، خصوصا في مصانع المحلة الكبرى، ولذلك انشغل عنه غالبية المصريين بالبحث عن لقمة العيش، وابتعدوا عن "ترف" الإضراب الذي لا يتصل بتهديد لقمة عيشهم بشكل مباشر.

7- من أبرز عوامل فشل أو إفشال وإجهاض الإضراب، ذاك الترهيب الأمني الذي لم يقتصر على اعتقال أبرز نشطاء الإنترنت، وإنما امتد لاعتقال 7 طالبات وسيدات بغرض الردع الأمني، وبعث رسالة إجهاض مبكرة للمنظمين، وللذين قد يشاركون في الإضراب، فضلا عن الالتحام الأمني، وضرب طلبة في جامعة عين شمس ونشر قوات أمنية ضخمة، وتحذيرات مدير الأمن بعدم السماح بأي مظاهرات.

مزايا للإضراب

ولكن هل معنى ذلك أن الإضراب الأخير (أبريل 2009)، والإضرابات الأخرى التي شهدتها مصر مؤخرا لم يكن لها أي فائدة أو مردود إيجابي أو مزايا؟.

الواقع أن الإضرابات لعبت دورا فعليا في التوعية والتعريف بثقافة الإضراب بشكل عام، والإضرابات أو المظاهرات التي خرجت من قبل خرجت من الإنترنت بشكل أساسي، والذي تحول منذ عام 2005 إلى ما يشبه "وكالة أنباء" بالصوت والصورة تنشر الأخبار والبيانات، وصور وفيديوهات الأحداث مباشرة، بحيث يمكن القول إن هناك دورا متزايدا لشباب الإنترنت في تشكيل وعي الشعب، ونشر ثقافة الاحتجاج بين المصريين.

وإذا كان الإضراب أو الاحتجاج العام هو حركة أمة بأسرها، ولا يرتبط بتنظيم بعينه، أو بقوى سياسية معينة لديها رصيد لدى الشارع السياسي، وينجح إذا شاركت فيه الأمة وكل القوى؛ فالأهم هنا –كما يقول د. سيف عبد الفتاح–: "تربية الناس والجماهير على أن تقوم بعمل احتجاجي منظم تستطيع من خلاله أن تعبر عن رؤاها ورؤيتها الحقيقية حيال انسداد الواقع السياسي والواقع المعيشي المر"، وهو دور تلعبه قوى تثقيفية، ومنظمات مجتمع مدني، وشباب الإنترنت والأحزاب، وأي قوى أخرى، أي إن نجاح أي إضراب يحتاج لنوع من التدريب والثقافة والتربية.

أيضا من مزايا هذه الإضرابات التي يمكن رصدها أنها تدفع باتجاه المزيد من الترابط بين الفضائين (الإنترنت والواقع)، بنزول الشباب للشارع، وتوزيع منشورات، وكتابة شعارات الإضراب على صناديق القمامة وعلى الجدران بعدما كانت الدعوات السابقة تقتصر على فضاء الإنترنت فقط.

ومن مزاياه الأخرى أن قيادة شباب الإنترنت للإضراب استحثت قوى سياسية وحزبية نائمة، ودفعتها للتحرك وممارسة دور، ودفعت قوى أخرى كالإخوان للسعي للاستفادة من حركة الشارع في توسيع نفوذها.

والأهم أن الإضراب حرك الحزب الوطني الحاكم ودفعه للنشاط بدلا من الخمول، والتفاعل مع حركة الشباب المعارض، ولو بعقلية أمنية –حسبما يقول عبد الحليم قنديل منسق حركة كفاية– على غرار تعامل الأمن بالعنف مع المتظاهرين، والهجوم الإلكتروني على منظمي الإضراب وتوجيه الاتهامات والسخرية منهم.

وقد ظهر هذا في لعب مناصري الحزب الحاكم في مصر دورا على ساحة موقع "فيس بوك"، بـ"حرب مجموعات" حامية الوطيس ضد أنصار الإضراب؛ حيث دشن شباب الحزب الوطني الحاكم عدة "مجموعات" لمواجهة دعوة إضراب 6 أبريل بعناوين هجومية مثل مجموعات: "طز في إضراب 6 أبريل"، و"بلطجة شباب 6 أبريل ووهم التغيير"، و"يا مخربي 6 أبريل انتظروا الصاع بعشرة"، و"آن الوقت لنعمل من أجل مصر".

وشكلت اتهامات التخريب والعمالة قاسما مشتركا في كل مجموعات مناصري الحزب الوطني، مثل القول: "هؤلاء يجندون شباب الجامعات المغيب، والذي يمتلك كثيرا من الطاقة والفراغ وقلة المعرفة ليعملوا كمخربين لصالح كبرائهم باسم التغيير".

ومع هذا فقد أثمرت المنافسة بين الطرفين في إطلاق الحزب الوطني حملة بعنوان: "عطاء الشباب" لمدة أسبوعين، وعلى مرحلتين تشمل كل واحدة منها 14 محافظة؛ بهدف تحقيق التضامن الاجتماعي، وإزكاء روح الانتماء الوطني للشباب، وتأكيد عنصر الإبداع والتجديد لديهم من خلال فتح الأبواب الواسعة أمام أنشطتهم التطوعية التي تهدف إلى الإصلاح والبناء".

وبالتالي إضراب 6 أبريل يمكن النظر له وفقا لمداخل متعددة؛ فهو فاشل لو حسب كحركة شعبية في الشارع، وناجح لو نظرنا له كحركة احتجاجية شبابية داخل الجامعة، ومفيد لو اعتبرناه أحد نماذج التثقيف الشعبي بثقافة الإضراب والمطالبة بالحقوق الأساسية، فضلا عن أهميته في تنمية الوعي بالإضراب، ودفع الحزب الحاكم والساحة العامة باتجاه حراك سياسي.