الثلاثاء، 25 أغسطس 2009

اللــيندي، اليوم الأخير.. من ذاكرة الإستبداد

السلفادور الليندي


في الحادي عشر من أيلول 1973 تمردت البحرية، ثم تبعها بعد ذلك على الفور تقريباً سلاح الطيران و أخيراً قوات الدرك، و هي الشرطة التشيلية. جرى تحذير الرئيس سلفادور الليندي فوراً، فارتدى ملابسه على عجل، و ودع زوجته و مضى إلى مكتبه مصمماً على تنفيذ ما كان يقوله دائماً: لا يمكنهم أن يخرجوني حياً من قصر لامونيدا. و قد سارعت ابنتاه إيزابيل و تاتي التي كانت حبلى آنذاك، على الخروج مع أبيهما. و ما أن انتشر الخبر المشؤوم حتى هرع إلى قصر الرئاسة وزراء و أمناء و موظفون و أطباء موثوقون، و بعض الصحفيين و الأصدقاء، حشد صغير كان يتنقل في صالات القصر على غير هدى دون أن يعرف ما الذي يجب عمله، فقد كانوا يرتجلون تكتيكات للمعركة، و يعززون إقفال الأبواب بوضع قطع الأثاث وراءها حسب تعليمات حراس الرئيس المشوشة. و تعالت أصوات مقترحة أن الساعة قد أزفت لدعوة الشعب إلى مظاهرة حاشدة للدفاع عن الحكومة، و لكن الليندي قدر أن ذلك سيؤدي إلى مقتل الآلاف. و كان في أثناء ذلك يحاول إقناع المتمردين عبر المراسلين و المكالمات الهاتفية، لأن أياً من الجنرالات العصاة لم يتجرأ على مقابلته وجهاً لوجه. و تلقى حراس القصر الأوامر من قادتهم بالانسحاب لأن قوات الدرك كانت قد انضمت كذلك إلى الانقلاب، فتركهم الرئيس يذهبون و لكنه طلب منهم تسليم أسلحتهم. بقي القصر دون حماية، و أبوابه الخشبية الضخمة المرصعة بدوائر حديدية أغلقت من الداخل، و بعد الساعة التاسعة صباحاً بقليل أدرك الليندي أن كل مهارته السياسية لن تتمكن من تحويل المسار التراجيدي لذلك اليوم، و الحقيقة أن الرجال المحبوسين في المبنى الكولونيالي القديم كانوا وحيدين، و لن يذهب أحد لإنقاذهم، فالشعب أعزل و بلا قادة يوجهونه. أمر النساء بالخروج و وزع حراسه الأسلحة على الرجال، و لكن قلة منهم كانوا يعرفون كيفية استخدامها. و كانت الأخبار قد وصلت إلى العم رامون في سفارته في بوينس أيرس و تمكن من التحدث بالهاتف مع الرئيس، و قد ودع الليندي صديقه المقرب طوال سنوات بالقول: لن أستقيل، لن أخرج من قصر لامونيدا إلا عندما تنتهي فترة رئاستي، أو عندما يطلب مني الشعب ذلك، أو ميتاً. في أثناء ذلك كانت الوحدات العسكرية تسقط في يد الانقلابيين واحدة بعد الأخرى، و بدأت في الثكنات عمليات التطهير ضد أولئك الذين حافظوا على ولائهم للدستور، و كان أول من جرى إعدامهم رمياً بالرصاص في ذلك اليوم هم من ذوي الزي العسكري. كان القصر محاصراً بالجنود و الدبابات، سمعت أصوات طلقات نارية متفرقة، ثم دوي قذيفة اخترقت الجدران القديمة السميكة و أحدثت حريقاً في الأثاث و الستائر في الطابق الأول. خرج الليندي إلى الشرفة و هو يضع خوذة و يحمل بندقية، و أطلق نحو زختين من الرصاص، و لكن سرعان ما أقنعه أحدهم بأن ما يفعله هو الجنون و أجبره على الدخول. تم الاتفاق على هدنة قصيرة من أجل إخراج النساء و طلب الرئيس من جميع من كانوا معه أن يستسلموا، و لكن قلة هم الذين فعلوا ذلك، و اتخذ معظمهم مواقع قتالية في صالونات الطابق الثاني، بينما كان الرئيس يودع النساء الست اللواتي مازلن إلى جواره. لم تشأ ابنتاه المغادرة، و لكن النهاية كانت قد أصبحت واضحة في تلك اللحظة، فجرى إخراجهما بالقوة بأمر من أبيهما. خرجتا وسط تلك الفوضى إلى الشارع و سارتا دون أن يعتقلهما أحد، إلى أن أخذتهما سيارة و أوصلتهما إلى مكان آمن. لم تستطع تاتي التخلص من آلام ذلك الوداع و مصرع أبيها، أكثر رجل أحبته في حياتها، و بعد ثلاث سنوات من ذلك، و هي في منفاها في كوبا، عهدت بأبنائها إلى إحدى صديقاتها و قتلت نفسها برصاصة دون أن تودع أحداً. الجنرالات الذين لم يتصورا مثل ذلك الصمود لم يعودوا يعرفون كيف يتصرفون، و لم يكونوا يرغبون في الوقت نفسه في تحويل الليندي إلى بطل، فعرضوا عليه طائرة تحمله مع أسرته إلى المنفى. فكان رده على ذلك: لقد أخطأتم بالرجل أيها الخونة. عندئذ أخبروه بأنهم سيبدؤون القصف الجوي. لم يبق أمامه إلا قليل جداً من الوقت. توجه الرئيس للمرة الأخيرة إلى الشعب من جديد من خلال محطة البث الإذاعي الوحيدة التي لم تكن قد سقطت بعد بيد العسكريين المتمردين. كان صوته هادئاً و ثابتاً، و كلماته حازمة جداً حتى أن ذلك الوداع لم يكن يبدو و كأنه النفس الأخير لرجل ذاهب إلى الموت، و إنما تحية جديرة بمن سيدخل التاريخ إلى الأبد: من المؤكد أنه سيتم إسكات إذاعة ماغاييانيس، و لن يصل معدن صوتي الهادئ إليكم. ليس مهماً. ستواصلون سماعه، لأنني سأكون معكم دائماً. ستكون ذكراي على الأقل ذكرى رجل جدير، كان وفياً لوفاء الشغيلة ... إنهم يملكون القوة و يستطيعون قهرنا، و لكن التحولات الاجتماعية لا يمكن وقفها بالجريمة و بالقوة. فالتاريخ لنا و الشعوب هي التي تصنعه ..... يا عمال وطني، إنني مؤمن بتشيلي و قدرها. سيتجاوز أناس آخرون هذه اللحظة الرمادية و المريرة حيث الخيانة تسعى لفرض نفسها. فاعلموا جميعكم أنه عاجلاً و ليس آجلاً ستنفتح دروب فسيحة تحف بها أشجار الحور ليعبر منها الرجال الأحرار من أجل بناء مجتمع أفضل. تحيا تشيلي! يحيا الشعب! يحيا الشغيلة!

السلفادور الليندي قبل اغتياله

حامت القاذفات مثل طيور مشؤومة فوق قصر لامونيدا ملقية حمولتها بدقة كبيرة أدخلت معها القنابل المتفجرة من النوافذ، و خلال أقل من عشر دقائق كان جناح كامل من المبنى يحترق، بينما كانت الدبابات تقذف من الشارع قنابل الغاز المسيل للدموع. و في الوقت نفسه كانت طائرات و دبابات أخرى تهاجم المنزل الرئاسي في الحي العلوي. أحاطت النيران و الدخان بالطابق الأول من القصر و بدأت تصل إلى صالات الطابق الثاني حيث ما يزال يتمترس سلفادور الليندي مع عدد محدود من أتباعه. كان هناك أجساد ملقاة في كل مكان، جرحى ينزفون بسرعة. و من بقوا على قيد الحياة كانوا يختنقون من الدخان والغازات، و لم يعودوا قادرين على إسماع أصواتهم وسط أزيز الرصاص و دوي الطائرات و القنابل. دخلت قوات الاقتحام العسكرية من الثغرات التي فتحتها النيران، و احتلت الطابق الأرضي المشتعل، و أمرت بمكبرات الصوت الموجودين بالنزول على سلم حجري خارجي يؤدي إلى الشارع. أدرك الليندي أن أي مقاومة ستنتهي بمجزرة فأمر بالاستسلام، لأنهم سيكونون أكثر جدوى للشعب و هم أحياء مما سيكونونه بموتهم. ودّع كل واحد منهم بالضغط بشدة على يده، و هو ينظر إلى عيونهم. و خرجوا في صف واحد و هم يرفعون أيديهم. استقبلهم الجنود بإعقاب البنادق و الركلات، و دحرجوهم من أعلى الدرج ثم أفقدوهم الوعي في الأسفل من الضرب قبل أن يسحبوهم إلى الشارع، و هناك طرحوهم على بطونهم فوق الرصيف، بينما كان أحد الضباط يصرخ متوعداً بهستيرية بأنهم سيجعلون الدبابات تمشي فوقهم. بقي الرئيس حاملاً البندقية إلى جانب العلم التشيلي الممزق و الملطخ بالدم في الصالة الحمراء المحطمة. اندفع الجنود إليه بأسلحتهم الجاهزة لإطلاق النار، و تقول الرواية الرسمية أنه وضع سبطانة السلاح تحت ذقنه و أطلق النار فحطمت الرصاصة رأسه.

إيزابيل الليندي
من روايتها "بـــــاولا"
1994

السبت، 22 أغسطس 2009

فهمي هويدي يكتب: موت السياسة في مصر








الخبر السار أن العديد من الفئات في مصر أصبحت تنتفض وتلجأ إلى الإضراب لكي تضغط على الحكومة دفاعا عن مصالحها، أما الخبر المحزن فهو أن مصالح الوطن لم تعد تجد قوة تغار عليها وتضغط بدورها للدفاع عنها.

1

"
مصر تشهد حالة سياسية نادرة. إذ فيها 24 حزبا معترفا بها ولا توجد فيها حياة سياسية. وفيها انتخابات برلمانية وبلدية، ومجلس للشعب وآخر للشورى، ومجالس ثالثة محلية. مع ذلك فلا توجد أي مشاركة سياسية ولا تداول للسلطة ولا مساءلة للحكومة
"
أصبحت الإضرابات عنوانا ثابتا على جدران مصر. حتى كدنا نسأل من يضرب هذا الصباح؟ بالتالي لم يعد السؤال هل يضرب الناس أم لا، ولكننا صرنا نسأل من عليه الدور ومتى يتم ذلك؟ وهو تطور مهم جدير بالرصد والإثبات.

ففي الأسبوع الماضي شهدت مصر أربعة إضرابات للصيادلة والمحامين وأصحاب وسائقي الشاحنات وعمال شركة جنوب الوادي للبترول. وحسب بيانات المرصد النقابي والعمالي في القاهرة، فإن شهر يناير/كانون الثاني من هذا العام شهد 56 احتجاجا بصور مختلفة، وحتى منتصف شهر فبراير/شباط سجل المرصد 32 احتجاجا.

وقبل ذلك، في عام 2007 شهدت مصر 756 احتجاجا، راوحت بين الإضراب والاعتصام والتظاهر وتقديم الشكايات إلى الجهات المعنية في الحكومة. وهو ما لم يختلف كثيرا في العام الذي أعقبه 2008.

الظاهرة بهذا الحجم جديدة على المجتمع المصري، إذ باستثناء مظاهرات طلاب الجامعات التي عادة ما تقابل بقمع شديد أدى إلى تراجعها في السنوات الأخيرة، فإن التظاهر المعبر عن الاحتجاج والغضب لم يكن من معالم ثقافة المجتمع المصري خلال نصف القرن الأخير على الأقل لأسباب يطول شرحها.

فقد خيم السكون على أرجاء مصر طيلة تلك المدة، فلم نسمع صوتا غاضبا للمجتمع لا في الشأن الخاص لفئاته ولا في الشأن العام للبلد.

وتعد مظاهرات 18 و19 يناير/كانون الثاني التي خرجت في عام 1977 احتجاجا على رفع الأسعار، وتمرد جنود الأمن المركزي في عام 1986 من التجليات الاستثنائية التي تؤيد القاعدة ولا تنفيها.

خلال السنوات الثلاث الأخيرة حدث تحول مهم في حركة المجتمع المصري، إذ في حين لم نكن نسمع له صوتا في الشأن الخاص أو العام، فإننا أصبحنا نسمع أصواتا عدة لفئات فاض بها الكيل ولم تعد تحتمل قسوة الحياة. وهو ما أدى إلى بروز الاهتمام بالشأن الخاص، مع استمرار السكون المخيم المحيط بملف الشأن العام، رغم توالي التحديات التي كانت تستوجب وقفة حازمة من جانب المجتمع.

وقائمة تلك التحديات طويلة، إذ راوحت بين تقنين تراجع الحالة الديمقراطية مع تغول المؤسسة الأمنية، وارتفاع مؤشرات الفساد في السلطة، وبيع الأصول المالية للبلد، واستشراء الهيمنة الأجنبية.. إلخ.

أما لماذا خرجت الفئات المختلفة عن سكونها المعتاد، فرفعت صوتها محتجة وغاضبة في مواجهة الحكومة، فأغلب الظن أن ذلك راجع إلى سببين جوهريين.

أولهما وطأة الضغوط المعيشية التي أثقلت كاهل تلك الفئات، فأفقرت الطبقة الوسطى وسحقت الفقراء، مما دفع أغلب الغاضبين إلى المطالبة بتحسين أحوالهم المادية.

أما ثانيهما فيتمثل في سقوط حاجز الخوف من السلطة سواء لأنه "من طالت عصاه قلت هيبته"، كما يقول المثل العربي، أو بسبب الجرأة التي مارستها الصحف المعارضة والمستقلة في نقد السلطة وفضح ممارساتها، مما شجع آخرين على رفع أصواتهم الغاضبة والمحتجة دون وجل.

2

للشيخ محمد الغزالي مقولة أشرت إليها أكثر من مرة ذكر فيها أن انتهاك شرف البنت يقيم الدنيا ولا يقعدها في مجتمعنا، لكن العدوان على شرف الأمة لم يعد يحرك ساكنا فيها.

وغني عن البيان أنه لم يكن يهون من شأن انتهاك شرف البنت، لكنه كان يستهول السكوت على العدوان على شرف الأمة، مع ذلك فالمقولة تحتاج إلى مراجعة. ذلك أن غضب الأسرة أو المجتمع الذي يحيط بها لأي عدوان على شرف بنتهم أمر طبيعي لا يحتاج إلى تعبئة وتحريض أو احتشاد، فضلاً عن أن وسائل التعبير عن ذلك الغضب تلقائية ومحدودة، وهى بمقدور كل أحد.

"
النظام القائم لم يكتفِ باحتكار السلطة فحسب، وإنما عمد أيضا إلى تأميم المجال العام، بحيث لا يعلو صوت في بر مصر فوق صوت الحزب الحاكم
"
أما الغضب لأجل العدوان على شرف الوطن فإنه يحتاج إلى ترتيب مختلف، فذلك أمر يتطلب تعبئة واحتشادا، فضلاً عن أنه يستوجب توفير أوعية تستقطب طاقات الغضب وتوظفها في الاتجاه الصحيح الذي يرد العدوان. وتلك مهمة القوى السياسية المختلفة التي تمثلها الأحزاب، باعتبار أن النخبة الوطنية هي المسؤولة عن تعبئة الرأي العام وقيادته. وهذه النقطة الأخيرة تجرنا إلى صلب الموضوع الذي نحن بصدده.

ذلك أنه من الطبيعي أن يغضب الناس وأن يخرجوا عن أطوارهم عندما تضيق بهم سبل الحياة، ويتعلق الأمر بمتطلباتهم المعيشية.

ولا ينبغي أن يتوقع أحد منهم أن يتظاهروا من تلقاء أنفسهم دفاعا عن الديمقراطية أو احتجاجا على الفساد أو تزوير الانتخابات أو غير ذلك من قضايا الشأن العام.

وهم إذا فعلوها مرة تحت أي ظرف فإنهم سوف يتفرقون بمجرد ظهور جنود الأمن المركزي بثيابهم السوداء وعصيهم الكهربائية، ولن يعودوا إليها مرة أخرى.

بكلام آخر فإن الدفاع عن القضايا العامة المتعلقة بحاضر الوطن ومستقبله من المهام الأساسية للأحزاب السياسية باعتبارها الأوعية الشرعية الجامعة للقوى الوطنية. إذ يفترض أن تلك الأحزاب لم تكتسب شرعيتها إلا بعد أن طرحت برامجها التي حددت فيها رؤيتها في حراسة الوطن والسهر على استقراره والسعي إلى النهوض به.

وإذا جاز لنا أن نشبه المجتمع بالبشر، فإن الجماهير هي الجسم بكل مكوناته، أما القوى الحية والنخبة السياسية فتشكل الرأس لذلك الجسم. ولا يستطيع الجسم أن يتحرك دون توجيه من الرأس الذي يحتوى على المخ.

أردت من كل ذلك أن أقول إننا نظلم الناس ونحملهم أكثر مما يحتملون حين نتهمهم بالتقاعس عن القيام بواجب هو من مسؤولية الأحزاب السياسية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني. وإذا ما حدث ذلك التقاعس فعلينا أن نتساءل أولا عن وضع الرأس، قبل أن نحاكم استجابات الجسم.

3

إذا حاولنا تنزيل هذه الفكرة على الواقع، فسنجد أن مصر تشهد حالة سياسية نادرة. إذ فيها 24 حزبا معترفا بها ولا توجد فيها حياة سياسية. وفيها انتخابات برلمانية وبلدية، ومجلس للشعب وآخر للشورى، ومجالس ثالثة محلية. مع ذلك فلا توجد أي مشاركة سياسية ولا تداول للسلطة ولا مساءلة للحكومة.

والأحزاب لا تنشأ إلا بموافقة أمنية بالدرجة الأولى، ومن ثم فإنها تكتسب شرعيتها من تلك الموافقة وليس من التأييد الشعبي لها، الأمر الذي وضعنا بإزاء هرم مقلوب، السلطة فيه هي التي تشكل الأحزاب، وليست الأحزاب هي التي تشكل السلطة.

ورغم عملية "الإخصاء" التي تتعرض لها الأحزاب والتي أصبحت شرطا لميلادها، فإنها تتعرض للتكبيل بعد ذلك، بحيث لا يجوز لها -بمقتضى القانون- أن تتواصل مع المجتمع، فتقيم مهرجانا شعبيا أو لقاء جماهيريا خارج مقرها، إلا بعد موافقة الأمن.

لا يقف الأمر عند ذلك الحد، لأن الأحزاب على ضعفها وقلة حيلتها تظل موضوعة تحت الرقابة طول الوقت. إذ المطلوب منها في حقيقة الأمر، إما أن تظل جزءا من "الديكور" الديمقراطي، فتصبح شكلا بلا وظيفة أو مضمون، أو أن تتحول إلى أجنحة للحزب الحاكم.

وأي خروج عن هذا الإطار يعرض الحزب إما إلى التجميد والمصادرة أو التفجير من الداخل، وما جرى لحزب العمل عبرة للآخرين. ذلك أن الحزب الذي أسسه الراحل إبراهيم شكري أراد أن يمارس دوره بشكل جاد وأن يمثل المعارضة الحقيقية، فصدر قرار تجميده في سنة 2000، وحين تم الطعن في قرار لجنة الأحزاب بالتجميد أمام مجلس الدولة، فإن تقرير مفوض المجلس اعتبر القرار باطلا وغير دستوري وطالب بعودة الحزب، ولكن الحكومة لم تكترث بذلك.

"
حين يعلن موت الحياة السياسية فإنه يصبح عبثيا التساؤل عن غيرة الناس على مصالح الوطن، إذ ينبغي أن يشعر هؤلاء بأنهم مواطنون أولا، وأن تعود الحياة إلى الرأس المعطل ثانيا، وأن نكف عن الكذب والخداع ثالثا
"
ورغم صدور 13 حكما من مجلس الدولة لإعادة إصدار جريدة "الشعب" الناطقة بلسان الحزب، فإن الجهات الأمنية رفضت تنفيذ هذه الأحكام واحدا تلو الآخر.

وإذا كان بوسع الحكومة أن تجمد أي حزب يحاول تجاوز الحدود المرسومة، فإنها لا تعدم وسيلة لتفجير الأحزاب من الداخل وتغذية الانشقاقات فيها، وهو ما حدث مع أحزاب الغد والأحرار ومع حزب الوفد. إذ ثبت أن الانشقاقات التي وقعت داخل تلك الأحزاب لم تكن بعيدة عن أصابع الأجهزة الأمنية.

ما جرى مع الأحزاب تكرر مع النقابات المهنية التي ربط القانون مستقبلها بقرار من رئيس محكمة استئناف جنوب القاهرة، الذي له حق تحديد مواعيد الترشح لمجالس تلك النقابات، بما يؤدي إلى انتخاب رئيس كل نقابة ومجلس إدارتها. وإذا ما امتنع ذلك القاضي عن تحديد المواعيد -بطلب من أجهزة الأمن- فإن النقابة تجمد أو تستمر تحت الحراسة.

نموذج نقابة المهندسين الموضوعة تحت الحراسة منذ 18عاما فاضح في تجسيد هذه الحالة، إذ لأن ثمة قرارا أمنيا بإخضاع النقابة وتأديبها، فإن رئيس المحكمة المذكورة ظل يتهرب من تحديد موعد لانعقاد الجمعية العمومية للنقابة طيلة هذه المدة.

والحاصل مع نقابة المهندسين تكرر مع نقابة أطباء الإسكندرية التي وضعت بدورها تحت الحراسة، ومُنع أعضاؤها من ممارسة أي نشاط بداخلها.

وإلى جانب ذلك فهناك سبع نقابات أخرى جُمدت فيها الانتخابات منذ ١٦ عاما على الأقل، وهى تضم الفئات التالية، الأطباء والصيادلة والأسنان والبيطريين إضافة إلى المعلمين والتجاريين والزراعيين.

الشاهد أن النظام القائم لم يكتفِ باحتكار السلطة فحسب، وإنما عمد أيضا إلى تأميم المجال العام، بحيث لا يعلو صوت في بر مصر فوق صوت الحزب الحاكم، من ثمَّ تطالب كل فعاليات المجتمع وقواه الحية بأن تصبح صدى لذلك الحزب إن لم تنضو تحت لوائه وتَذُبْ فيه.

4

في نهاية المطاف، وبعد 57 عاما من الثورة على النظام الملكي وإعلان الجمهورية أصبح المجتمع المصري جسما بلا رأس، ليس لدي حنين إلى ذلك النظام، لكن ما جرى أن النظام الجمهوري فرغ من مضمونه.

إذ تم اختطافه وإقصاء "الجمهور" منه عبر إضعاف وتصفية خلاياه الحية واحدة تلو الأخرى، في حين تحول الوطن إلى "وقف" سُلمت مقاليده ومفاتيحه إلى فئة بذاتها أدارته وتوارثته جيلا بعد جيل.

الإضعاف والتصفية أفضيا إلى موت الحياة السياسية، مع الاعتذار للجنة السياسات. إذ تم تغييب مختلف المؤسسات المدنية الفاعلة، بحيث لم يبقَ في الساحة سوى المؤسسة الأمنية.

ورغم امتلاء الفضاء المصري بالأحزاب فإنك إذا رفعت عينيك عن الصحف ومددت بصرك في ذلك الفضاء، فلن ترى شيئا، لكنك ستلمح على البعد "خيال مآتة" (الفزاعة باللهجة المصرية) تتقاذفه الرياح كتب عليه "الحزب الديمقراطي"، الأمر الذي قد يجعلك تنفجر بالبكاء أو تستسلم لضحك هستيري يظل صداه يتردد في الفضاء بلا توقف.

حين يعلن موت الحياة السياسية فإنه يصبح عبثيا التساؤل عن غيرة الناس على مصالح الوطن، إذ ينبغي أن يشعر هؤلاء بأنهم مواطنون أولا، وأن تعود الحياة إلى الرأس المعطل ثانيا، وأن نكف عن الكذب والخداع ثالثا، وبعد ذلك نتكلم في الموضوع.

النسخة الأصلية للموضوع علي الجزيرة نت .

فهمي هويدي يكتب: قراءة غير بريئة للتغيير في مصر









لا نستطيع أن نغفل القراءات الإسرائيلية للوضع في العالم العربي، خصوصا ما صدر منها عن مسؤولين كبار يتربعون على رأس المؤسسة الأمنية. هذه قراءة أحدهم لاحتمالات الوضع في مصر.

1

يستحيى المرء أن يذكر أن أحد أسباب الاهتمام بما يقوله هؤلاء، رغم ما نكنه لهم من بغض، إنهم في بعض الأحيان يعرفون عنا أكثر مما نعرف نحن، الأمر الذي يدفعهم إلى الإدلاء بمعلومات تعد عندنا من الأسرار المحجوبة عن الرأي العام، فضلا عن أن ما يقولونه يفصح عن بعض ما يخططون لنا ويدبرونه.

"
إسرائيل وهى تسعى إلى تمتين صلاتها مع القاهرة بحيث تقوم على مرتكزات ثابتة، فإنها شديدة الحرص على نسج علاقة خاصة مع أقوى شخصيتين بالبلد ستتوليان السلطة بعد رحيل الرئيس مبارك هما جمال مبارك ورئيس المخابرات العامة عمر سليمان الذي أصبح له حضوره الواسع داخل مصر وخارجها
"
وحين يأتي ذلك على لسان مسؤولين في أهم مؤسسة بالدولة، فإنه يكتسب أهمية خاصة، تسوغ أن يؤخذ الكلام على محمل الجد، لأنه يصبح معبرا عن معلومات ومواقف الدولة، ولا ينبغي أن يستقبل بحسبانه آراء أو اجتهادات شخصية.

أتحدث عن محاضرة ألقاها في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي آفي ديختر حين كان وزيرا للأمن الداخلي، وتحدث فيها بإسهاب عن رؤية إسرائيل للأوضاع في المنطقة، بتركيز خاص على سبع دول من بينها مصر والسودان، ومعها فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وإيران.

المحاضرة ألقيت يوم الخميس الرابع من سبتمبر/ أيلول الماضي، قبل العدوان على غزة، وقبل انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، وحين كان إيهود أولمرت رئيسا للحكومة الإسرائيلية.

على المستوى الإخباري تبدو المحاضرة قديمة نسبيا، لكنها تظل طازجة ومحتفظة بأهميتها من زاوية التحليل السياسي. فقد مرت عدة أسابيع قبل أن يتسرب نص المحاضرة التي ألقيت بالعبرية، وحين ترجمت إلى العربية فقد استغرق ذلك وقتا آخر، وعندما وقعت عليها بعد ذلك، فإنني ترددت طويلا في نشر مضمونها، نظرا لحساسية المعلومات الواردة فيها. إلا أنني تشجعت بعد ذلك حين حلت مناسبة مرور ثلاثين عاما على المعاهدة المصرية الإسرائيلية، وتطرقت الصحف المصرية إلى ملف العلاقات مع إسرائيل بكلام لامس الخطوط الحمراء ورفع الحرج عن بعض عناوينه، الأمر الذي ضيّق من مساحة المحظورات ووسّع من هامش المباحات.

ومن ثَم فتح الباب لاستعراض المعلومات التي تضمنتها المحاضرة. ولعلي لست بحاجة للتنبيه إلى أن هذه المعلومات لا ينبغي أن نُسلم بصحتها على طول الخط، ولكنها تظل قابلة للمراجعة والتصويب فضلا عن النقض بطبيعة الحال.

2

وهو يقدم تصوره للعلاقة مع مصر، فإن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي حرص على القول إن البلدين "ينعمان" بسلام شامل وعلاقات أكثر من طبيعية.

وهذه الخلفية التي تعيها جيدا القيادتان السياسية والأمنية، بلورت محددات للسياسة الإسرائيلية إزاء مصر تمثلت في ضرورة تعميق وتوطيد العلاقات مع الرئيس حسني مبارك، والنخب الحاكمة سواء في الحكومة أو الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، مع توجيه اهتمام خاص إلى رجال السياسة ورجال الأعمال والإعلام، يقوم على المصالح المشتركة التي تحقق مصالح الجانبين.

وفى هذا السياق تحتل العلاقة مع النخب الإعلامية المصرية مكانة خاصة، بالنظر لأهمية دور وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام وبلورة اتجاهاته.

استطرد ديختر قائلا إن إسرائيل وهى تسعى إلى تمتين صلاتها مع القاهرة بحيث تقوم على مرتكزات ثابتة، فإنها شديدة الحرص على نسج علاقة خاصة مع أقوى شخصيتين في البلد، هما اللتان ستتوليان السلطة بعد رحيل الرئيس مبارك. وهاتان الشخصيتان هما جمال مبارك نجل الرئيس، ورئيس المخابرات العامة عمر سليمان الذي أصبح له حضوره الواسع داخل مصر وخارجها.

وأشار في هذا الصدد إلى أن من مصلحة إسرائيل الحفاظ على الوضع الراهن، ومواجهة تطورات لا تحمد عقباها، إذا حدثت تحولات مناقضة لتقديراتها المبنية على أن السلطة في المستقبل سوف تنتقل من الأب إلى الابن.

سيناريوهات المستقبل في مصر كانت وما تزال، أحد الموضوعات التي تدور حولها مناقشات مستمرة في أروقة السلطة. عبر عن ذلك آفي ديختر حين قال في محاضرته إنه منذ توقيع معاهدة كامب ديفد عام 1979، وأحد الأسئلة الشاغلة للعقل الإسرائيلي هو كيف يمكن الحيلولة دون حدوث تغيير دراماتيكي في مصر؟

في الرد على السؤال قال إنهم حددوا سيناريوهات التغيير الدراماتيكي في ثلاثة احتمالات: الأول أن تتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر، وتفقد الحكومة السيطرة على الموقف، مما قد يفضى إلى اضطرابات تمكن الإخوان المسلمين من الوصول إلى السلطة.

الثاني أن يحدث انقلاب عسكري بسبب سوء الأوضاع العامة، تقوده عناصر شابة طموحة تركب الموجة وتستولي على السلطة. وهناك أسباب وجيهة تستبعد هذا الاحتمال.

الثالث أن يعجز خليفة مبارك، سواء كان ابنه أو رئيس المخابرات العامة عن مواجهة الأزمة الداخلية، مما قد يجر البلاد إلى الفوضى والاضطرابات.

وفى هذه الحالة قد يكون الخيار الأفضل أن تجرى انتخابات عامة تحت إشراف دولي، تشارك فيها حركات أكثر أهمية من حركة كفاية مما يؤدى إلى ظهور خريطة جديدة للتفاعلات الداخلية.

3

"
الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في مصر تصنف على أنها من النوع غير القابل للحل. لذلك فإن كل الإجراءات والإصلاحات التي اتخذت في عهد الرئيس مبارك لم تعالج الخلل الموجود. وهو ما أعاد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ثورة يوليو/ تموز 1952
"
من استعراض هذه الاحتمالات الثلاثة استطرد آفى ديختر قائلا:
• إن عيون إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة مفتوحة على ما يجرى في مصر، وهما ترصدان وتراقبان ومستعدتان للتدخل من أجل كبح جماح هذه السيناريوهات، التي ستكون كارثية بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة والغرب.

• من وجهة النظر الإسرائيلية فإن انسحاب مصر من اتفاقية السلام وعودتها إلى خط المواجهة مع إسرائيل يُعد خطا أحمر، لا يمكن لأي حكومة إسرائيلية أن تسمح بتجاوزه. وهي ستجد نفسها مرغمة على مواجهة هذا الموقف بكل الوسائل..

• لأن المؤشرات الميدانية تبين أن النظام في مصر يعاني الآن من عجز جزئي عن السيطرة على الوضع بصورة كافية، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل تسهمان في تدعيم الركائز الأساسية التي يستند إليها النظام. ومن بين هذه الركائز نشر نظام للرقابة والرصد والإنذار، قادر على تحليل الحيثيات التي يجري جمعها وتقييمها، ووضعها تحت تصرف القيادات في واشنطن وتل أبيب وحتى في القاهرة.

• تحرص الولايات المتحدة وإسرائيل عبر ممثلياتهما المختلفة في مصر (السفارات والقنصليات والمراكز الأخرى) على إسناد حملة جمال مبارك للفوز بتأييد الشارع والرأي العام المصري ودعم أنشطته المختلفة الاجتماعية والثقافية، ليكون أكثر قبولا من والده في نظر المصريين.

• من قبيل تحصيل الحاصل، القول إن لدى الولايات المتحدة وإسرائيل إستراتيجية استباقية لمواجهة أي متغيرات في مصر. ذلك فإن واشنطن بعدما وطئت أقدامها مصر بعد رحيل الرئيس عبد الناصر وتولي السادات زمام السلطة، أدركت أنه لابد من إقامة مرتكزات ودعائم أمنية واقتصادية وثقافية، على غرار ما فعلته في تركيا منذ الحرب العالمية الثانية. وانطلاقا من ثقتها بهذه الركائز وقدرتها على لجم أية مفاجآت غير سارة، فإن واشنطن تبدو أقل قلقا وانزعاجا منا إزاء مستقبل الأوضاع في مصر.

• الثقة الأميركية تعتمد على عدة عوامل منها ما يلي: إقامة شراكة مع القوى والفعاليات المؤثرة والمالكة لمختلف عناصر القوة والنفوذ، من رجال السلطة إلى رجال الأعمال والإعلام (شراكة أخرى مع الأجهزة الأمنية باختلاف مستوياتها، تأهيل محطات إستراتيجية داخل المدن الرئيسية التي هي مراكز صنع القرار في مقدمتها القاهرة والإسكندرية) والاحتفاظ بقوة تدخل سريع من المارينز في النقاط الحساسة بإمكانها الانتشار خلال بضع ساعات للسيطرة على مراكز عصب الحياة بالعاصمة، مرابطة قطع بحرية وطائرات أميركية في قواعد خاصة بها للتحرك عند اللزوم.

4

في تقدير آفى ديختر فإن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في مصر تصنف على أنها من النوع غير القابل للحل. لذلك فإن كل الإجراءات والإصلاحات التي اتخذت في عهد الرئيس مبارك لم تعالج الخلل الموجود. وهو ما أعاد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ثورة يوليو/ تموز 1952.

ذلك أن سيطرة رأس المال ورجال الأعمال على الحياة السياسية والاقتصادية أحدثت استقطابا بين الشرائح الاجتماعية، حيث أصبحت هناك أقلية لا تتجاوز 10٪ تتحكم في السلطة والثروة، مقابل أغلبية ساحقة في الطبقة الدنيا التي تعاني من الفقر أو تعيش تحت خط الفقر.

هذا الوضع يثير مخاوف النظام القائم، كما يثير مخاوف حلفائه وعلى رأسهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ذلك أن أي متغير في مصر من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على البيئة الإقليمية في المنطقة بأسرها.

مع ذلك من الواضح أن النظام القائم في مصر أثبت حتى الآن كفاءة وقدرة ليس فقط على احتواء الأزمات، ولكن أيضا على التكيف مع الأوضاع المأزومة.

"
تمسك إسرائيل بتجريد مسافة بعمق 350 كلم من السلاح في سيناء يظل ضمانا لن تتخلى عنه تحت أي ظرف
"
ورغم أن ثمة تنسيقا كافيا بين واشنطن وتل أبيب لمواجهة جميع الاحتمالات، فإن إسرائيل لها تصورها الخاص في التعامل مع متغيرات الوضع في مصر. إذ هي مستعدة لمواجهة أي طارئ بما في ذلك العودة إلى "احتلال" شبه جزيرة سيناء "إذا استشعرنا أن تلك المتغيرات من شأنها أن تحدث انقلابا في السياسة المصرية إزاء إسرائيل. ذلك أننا حين انسحبنا من سيناء ضمنا أن تبقى رهينة".

وهذا الارتهان تكفله ضمانات أميركية من بينها السماح لإسرائيل بالعودة إليها إذا اقتضى الأمر ذلك. ثم إن هناك قوات أميركية مرابطة في سيناء تمتلك حرية الحركة والقدرة على المراقبة، بل ومواجهة أسوأ المواقف وعدم الانسحاب تحت أي ظرف.

تعلمنا من تجربة عام 1967 دروساً لا تُنسى (هكذا قال ديختر) فسيناء مجردة من السلاح ومحظور على الجيش المصري الانتشار فيها. وتلك هي الضمانة الأقوى لاحتواء أي تهديد افتراضي من مصر.

ولم يعد سرا أن الموافقة على إدخال ستمائة من أفراد الشرطة وحرس الحدود والأمن المركزي المصري إلى سيناء للتمركز حول حدود قطاع غزة، لم تتم إلا بعد دراسة مستفيضة من جانب الطاقم الأمني وبعد مخاض عسير داخل الحكومة الإسرائيلية.

وفى كل الأحوال فإن تمسك إسرائيل بتجريد مسافة بعمق 350 كلم من السلاح في سيناء، يظل ضمانا لن تتخلى عنه تحت أي ظرف.

وهو ينهى حديثه في الشأن المصري، قال آفى ديختر إن القاعدة الحاكمة لموقفنا هي أن مصر خرجت (من الصف العربي) ولن تعود إلى المواجهة مع إسرائيل. وذلك موقف يحظى بالدعم القوي والعملي من جانب الولايات المتحدة.

سواء كانت هذه معلومات أو تهويمات وأمنيات، فإنها تستحق القراءة المتمعنة والتفكير الطويل من جانبنا، لكنها تتطلب رداً وتفنيداً من جانب جهات القرار المعنية في مصر التي أساء إليها الكلام أيما إساءة.

في الأسبوع القادم بإذن الله نستعرض الكلام الخطير الذي قيل عن بقية الدول العربية.

النسخة الأصلية للمقال علي الجزيرة نت .

السبت، 1 أغسطس 2009

هجرة العقول من الإخوان..التجمد في الداخل أو التسلل إلي الخارج



جماعة الإخوان المسلمين بما تمثله من كونها قلب للحركة الإسلامية ، وكبري الجماعات الموجودة علي الساحة شأنها شأن كل الحركات، أو الأحزاب، أو الجماعات السياسية أو الدعوية في حاجة أن تتوقف كل حين لتتحسس مواضع الخلل التي ربما تعوق مسيرتها ، وتبطئ من حركتها فالنقد والتصحيح والمراجعة من مكملات تصحيح البناء ، وترشيد للمسيرة ، ومكاشفة السلبيات والإعلان عن الأخطاء هما من أخلاقيات الإسلام التي أُمر المسلمون بالتحلي بها بل وجعلها الشارع كأنها الدين بأكمله قال صلي الله عليه وسلم " الدين النصيحة " . فالتجاوزات أو الأخطاء التي كانت تحدث في المجتمع المدني ، ورغم شدة التضييق والحصار وتربص الأعداء ، لم يترك القرآن التنبيه عليها والحذر منها ،حتي في أحلك اللحظات التي مرت علي المسلمين فمثلا بعد الهزيمة في أحد لم يتركهم القرآن إلا وقد بين لهم الخطأ الفادح الذي حدث ،ويُعلمهم أن الهزيمة وقعت بتقصير من المسلمين ، وبحرص من البعض علي الدنيا وهم قافلون راجعون للمدينة وهم مثخنون في الجراح وموقف حالهم يقول :" أني هذا " فيرد المولي " قل هو من عند أنفسكم " . وذلك ليُعلم المسلمين أن التستر على الخطأ في أي ظرف ؛ وتحت أية ذريعة هو شرخ قد يسبب انهيار البناء بإكمله..!!

لدي مشاهدة واقع جماعة الإخوان المسلمين تطل علينا ظاهرة ندرة الرموز الثقافية والفكرية وإستعاضة الجماعة عن ذلك بالإستعانة بمفكرين من خارجها نتيجة للجدب الثقافي والفكري الموجود بالتنظيم الإخواني .

فقطاع المثقفين والمفكرين الإسلاميين الذين تستشهد بإقوالهم الجماعة اليوم في أدبياتها وخطاباتها أو المتحدثين علي المنصه هم من خارجها ، أو محسوبين عليها وليسوا فعليا من التنظيم؛ في البداية ربما يتم إرجاع تلك الظاهرة لطبيعة التنظيمات التي لا تقبل في كثير من الأحيان شخصيات من نوعية المفكر والمبدع والأديب؛ تلك الشخصيات العصية علي الإنقياد ، والملازم لشخصيتها دائما التمرد وإستحداث أفكار جديدة وأطروحات غير تقليدية، والتنظيم غالبا هوإبن الفكرة الواحدة، لذا يصعب قولبة أفراد تحمل هذه السمات في قالب تنظيمي أو حركي ..خصوصا التنظيمات التي تحمل طابعا حركيا ذي سرية شديدة .

لكن عند النظر لجماعة الإخوان المسلمين في بداية وجودها مرورا بفترة إزدهارها في فترة الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين حتي قيام الثورة نلاحظ وجود أعلام ورموز فكرية داخل الحركة فبدءا من البنا وعبد القادر عودة وحسن الهضيبي وتوفيق الشهاوي وليس إنتهاء بالصغار حينها الغزالي والقرضاوي والعسال وجمال الدين عطية وسيد سابق وعبد الحليم أبو شُقة

والمجموعة الأخيرة بالذات كانت هي نواة وقاعدة العمل الفكري الإسلامي فيما بعد كل ذلك يدلل علي أن الجماعة كانت حينهامنفتحة وتستوعب شخصيات بهذا الثقل الفكري والثقافي ..

لكن بعد الظهور والبناء الثاني لجماعة الإخوان المسلمين ، خصوصا بعد تولية الأستاذ " مصطفي مشهور " مكتب الإرشاد ، إستفحلت تلك الظاهرة وهي عملية تسرب العقول في الجماعة الإخوانية وهجرتها ، سواء كان هذا التسرب خارجيا ( يبرز في الأسماء اللامعة الكبيرة ) ، أو في الهجرة الداخلية وأعني به تجميد بعض الأعضاء ذوي الكفاءة لأنفسهم ليبقوا مرتبطين بالجماعة إرتباطا عاطفيا نتيجة تجذر إجتماعي، أو عاطفي ، أو إقتصادي ، وفصل المشروع الذاتي لهم عن المشروع الجماعي لتبقي المشكلة موجودة وملموسة نبه إليها و ظهرت في كتابات ودراسات محايدة لباحثين يهتمون بالحركات الإسلامية ، فالكل يذكر للشيخ العلامة يوسف القرضاوي في " ملتقي الأصحاب والتلاميذ قولته "أخشى على الحركة الإسلامية أن تضيق بالمفكرين الأحرار من أبنائها، وأن تغلق النوافذ في وجه التجديد والاجتهاد، وتقف عند لون واحد من التفكير لا تقبل وجهة نظر أخرى، تحمل رأيا مخالفا في ترتيب الأهداف أو تحديد الوسائل"

التحول من الشكل النخبوي المفتوح الجماهيري إلي الشكل التنظيمي المغلق الإصطفائي




الشيخ محمد الغزالي –رحمه الله- طلب من الإمام البنا الإلتحاق بالتنظيم الخاص ، لكن الإمام البنا –رحمه الله- رفض هذا الطلب من الشيخ النابغة لعدم ملائمة التنظيم الخاص مع الطبيعة الشخصية للشيخ الغزالي ، والتنظيم الخاص حينها هو تشكيل عسكري بحت ، يقوده شاب في منتصف العشرينات من عمره ، ولم يحصل علي قدر جيد من التعليم وهو " عبد الرحمن السندي " ، لكن يبقي للنظام الخاص سمات التشكيل العسكري الذي يستلزم القرار الآني واللحظي و الثقة التامة في القيادة والسمع والطاعة الفورية ، وأهبة الإستعداد علي الدوام ، وسمات الملتحقين به هي سمات عسكرية بحته ، تختلف تماما عن الأفراد العاملين في تنظيم إصلاحي مدني يحتوي أفرادا مدنيين ، لذا تواجد تنظيم عام كبيرموازي ومفتوح يقوده رجل يحمل عقلا سياسيا ، وقلبا ربانيا بحجم البنا كان من البديهي أن تتواجد-حينها- رموزجيدة في الجماعة بهذا الشكل.


لكن ما جري للإخوان خصوصا مرحلة ما بعد الصدامات الخمسينية والستينية أخذت بالجماعة إلي منحي تحويلها من جماعة تنظيمية منفتحة إلي جماعة تنظيمة إصطفائية منغلقة أحدث هذا شرخا كبيرا ، وكان هذا الشرخ هو النتؤ الذي تسربت منه العقول نهائيا إلي خارج الجماعة لتنئي بنفسها عن الإصطدام بشكل تنظيمي أصبح عبئا عليها وإن كانت تلك العقول ما تزال مؤمنه بالمنهج الفكري للجماعة ، بل وهي في الأحيان الكثيرة أو الغالبة هي المنظره والمطورة لهذا الفكر حتي وإن تخلت عن الشكل التنظيمي ...


الأستاذ فتحي يكن يري أن النهج الذي اعتمده البنا رحمه الله في بناء الجماعة كان يجمع بين الاصطفائية والجماهيرية ، ولكن مرورًا بالتنظيم ، فلم يكن اصطفائيًا بلا حدود، ولا جماهيريًا بلا قيود. إلا أن استشهاد البنا قبل اكتمال المشروع التغييري للحركة، ثم تعرّض الحركة من بعده لمحن ضارية تفوق كل وصف ، أوغل بها في عمق الاصطفائية، بل جعلها اصطفائية بلا حدود، وبخاصة في بلد المنشأ ويعتبر الأستاذ فتحي يكن أن أهم الأسباب التي حولت مسار الجماعة بهذا الشكل نتيجة للفكر الذي طرحه الشهيد سيد قطب الأثر الأكبر في دفع الحركة الإسلامية باتجاه النهج الاصطفائي في الستينيات وهو منهج في حينه كانت له مبرراته وأسبابه " إ نتهي

فالصراع الذي واجه الحركة حينها كان صراعا مؤدلجا ، وكان صراعا إستقصائيا إستلزم وجود " فكر التترس " الذي أنتجته تلك المرحلة..لكن أن يتحول فقه الإستثناء وهو لمرحلة بعينها وهي مرحلة الصراع الدامي الذي واجهته الحركة حينها وردة فعلٍ نفسيةٍ على الظروف القاسية وضراوة التحدي والاضطهاد الذي واجهته الحركة الإسلامية وواجهه أصحابها-حينها- إلي فقه اصل تتبناه الحركة ويبني عليه هيكلها التنظيمي هو ردة عن مبادئ وفهم وفكر الإمام البنا.!

وبالرغم من المحاولات التي بُذلت لإعادة الأمور إلى نصابها، والتذكير بالثوابت التي تركها الشهيد البنا إلا أنه للأسف تراجع التيارالمتمثل فعليا في فكر الإمام البنا لصالح الحركة الفكرية الجديدة التي تأثرت بالمحن في السجون وبفكر الشهيد سيد قطب وهي مجموعة 65 ، مع مجموعة موازية أخري تؤمن إيمانا ويقينيا بالمنهج الإصطفائي كوسيلة أساسية للحفاظ علي التنظيم وهي مجموعة " النظام الخاص " التي تأثرت أكثر بالفترة الكبيرة التي عاشتها في السجون فضلا عن أن طرق حتي إنتقاءهم ودخولهم النظام الخاص كانت تعتمد بشكل أساسي علي هذا النهج ( النهج الإصطفائي ) ، فتأثرت الجماعة تنظيميا بهاتين المجموعتين وهما المجموعتان بالأساس اللتان قامت علي أكتافهما الإحياء الثاني للجماعة خصوصا في الفترة التي أعقبت وفاة المرشد حسن
الهضيبي في أواخر عام 1973 م ..

معاناة العقول ..... بين قبول التنميط أو الإقصاء

مسارات الصعود والترقي في تصعيد الأخ داخل الجماعة حازمة وشديدة جدا في إستبعاد مالا تنطبق عليه شروط معينة أبرزها ( السمع والطاعة ) و(الثقة )التامة في القيادة ، سواء كانت تلك القيادة واعية ، أو متخلفة لا تفهم. فلابد أن يكون الأخ منفذا بشكل جيد ،ليس المهم العمل تم أم لا المهم هو تنفيذ الأخ لما يؤمر به.

والمبادرات الذاتية أو بذل الوسع في التفكير هو في النهاية يطلق عليه مجاوزة الطاعة وعدم الإستجابة أو عدم الإقتناع الكافي بما يملي عليه وكل ذلك في النهاية للأسف تطبيق ليس حرفيا بل هو تطبيق مشوه لرسالة التعاليم التي كانت أشبه بمنهج فكري للنظام الخاص ، وليست مطبقة علي " النظام العام " للجماعة في أيام البنا- رحمه الله – وبدأ تطبيقها علي الجماعة ككل في منتصف الثمانينات وإعادة هيكلة الجماعة عليها ليتم عسكرة الجماعة بشكل كامل ..!!
وتبدأ عجلة تنميط الأفراد وإنتاجهم بنفس الشكل ، ونفس النسخة كأنها آلة طباعة ويتم فرز الأصناف التي تحمل طابعا مخالفا ليتم إلقاءها بدعوي حملها صفات غير مرغوب فيها .


.
الآثار السلبية للتنميط ومنع التعددية الفكرية

لذا يصعب وجود عقلية قادرة علي التغيير أو الإصلاح لأسباب عدة منها أنه يحمل طابعا مخالفا ، يتبني خطابا غير مقبول طالما لم يتم نزوله من فوق ( يتم الإشارة دائما للمكاتب الإدارية والمناطق ومكاتب الإرشاد بالمقولة المشهورة " من فوق " ، ويتم تجميده تربويا وتنظيميا حتي لا يحدث بلبلة في الصف ،لإنه من وجهة نظر الإخوة المربين ( أنصاف الآلهة ) أنه يقوم بعملية " غسيل دماغ " ممنهجة للأفراد الأقل في المستوي .وكذلك أنه لا يحمل سمت الإخوة العاديين كالسمع والطاعة والتباهي دائما بالموروث التقليدي للجماعة أو منابرها الإعلامية والثقافية كموقع إخوان أون لاين أو جريدة آفاق عربية ( قبل تعليقها ) لذا فلكي يتجاوز هذا الأخ هذا الصراع النفسي الذي وضعه فيه مربوه عليه أن يتأقلم مع الواقع المحيط به لإنه يشعر داخليا بعقدة الذنب لإنه يري دائما في نفسه أنه لا يحمل نفس طبعة إخوانه فيلعن اليوم الذي بدأ يفكر فيه ، ويبدأ في عملية ( التماهي ) مع البيئة ومحاولة دراسة سمات إخوانه بشكل كبير للتطابق مع القالب حتي يتم تصعيده ، وبعدها يحدث الأثر فتذبل طاقته ويتحول لنفس النمط المطلوب.!!

وفي ظل عدم وجود تنظيم مماثل يحمل فكرة الشمولية الإسلامية ،أو كيان أخر يشعر المرء فيه (بالأمن الإجتماعي )نتيجة وجوده بين إخوانه وأصحابه الذين لم يعرف غيرهم أو زواجه من أخت وقرابته من أخ أو (الإرتباط العاطفي ) بالجماعة فهي حركة كبري موجودة في كل البلدان الإسلامية ، تحمل شعارات مبهرة براقة ، وإمتداد لحركات إسلامية منتصرة هنا وهناك أو ( تجذر إقتصادي ) نتيجه لعمله في شركة إخوانية أو إرتباطات مالية كثيرة مع الإخوة ، لذا يصعب علي المرء فقدان هذه البيئة فيستسلم الفرد ذو العقلية الجيدة وتكون السلبية وانطفاء الفعالية هي رد الفعل الطبيعي له ولأمثاله ، ويختزل المشروع الإخواني عنده إلي أسرة يري فيها المرء إخوانه أسبوعيا في أسرة أو شهريا في كتيبة أو معني من معاني التخلية والتحلية حيث يسمع في هذه الأسرة أو تلك بضع آيات قرآنية يصفي بها نفسه من خضم الحياة المتعبة والمرهقة ، فيفقد الانتماء حيويته ويتحول إلى عادة أو عبادة .
وتتسلل الشخصيات ذات المشاريع الكبيرة -غالبا الفكرية والثقافية-لإنها تري في هذا الشكل التنظيمي المترهل شكلا من أشكال ضياع الأوقات والذوبان غير المحمود ...!!

التأثر بالخطاب السلفي

مع تربية جيل كامل علي ثقافة الأشرطة والفكر السلفي .. جاء ليصبح أحد الأسباب التي أعاقت نمو وبروز إجتهادات فكرية وثقافية داخل الجماعة ..
بل وتبني أحيانا خطابات مزايدة علي الخطاب السلفي نفسه ، والإهتمام الزائد بالشكل الدعوي الإيماني الشعائري ، في مقابل تنحية الخطاب الثقافي والفكري بل وتري في مجتماعات كاملة مثل المجتماعات الريفية خطاب تدينها تدينا ريفيا ساذجا
ترمي من يحمل رؤية وتوجه مخالف حتي ولو من من بين الصف بإتهامات تصل لحد الإتهام بحمل خطاب منحل أحيانا ، أو ذي طبيعة يسارية احيانا أخري ، وهو مناخ أبعد بشكل كبير كل صاحب فكر نقدي جرئ وحر
...

الإدراك المبكر للأزمة ..بين المشروع الفكري والمشروع الحركي

لعل إدراك أزمة تزايد الحفاوة بالمشروع الحركي علي حساب المشروع الثقافي والفكري جاء مبكرا ولكن صعب إكتماله فيما بعد ، ففي أيام البنا وصل عدد أعضاء الجماعة المسجلين والتي كانت مفتوحه حينها لما يربوا عن المليون وهو رقم ضخم بالقياس لعدد سكان مصر الكلي حينها لكن ذلك توازي مع عدم وجود بناء ثقافي وفكري وأوعية إستيعابية فكرية وثقافية لهذا العدد الضخم تقوم بتوعية الحركة وترشيدها ، أو معالجة الأخطاء في الطريق ، أو تقديم أطروحات فكرية تتناسب وتتوازي مع الواقع السياسي والفكري والإجتماعي حينها ، وهذه المشكله أدركها بعض أعضاء الجماعة من الأسماء اللامعة فكريا فيما بعد وهم من سموا بجماعة المشروع ، يقول الأستاذ حسام تمام :" بالنسبة لـ" جماعة المشروع " التي تكونت عام 1948 من مجموعة من الشباب الإخوان المثقف والمهتم بالفكر الذين أقلقهم الخوف من هيمنة العمل المسلح وسيطرة النظام الخاص على الجماعة فاتجهوا إلي وضع نواة ما اعتبره أول حركة تجديد فكري داخل التنظيم بتوجيه من مؤسسها الشيخ حسن البنا –رحمه الله – كما كان برعاية من د. عبد العزيز كامل الذي كان من أبرز رموز الجماعة والمقربين إلي المرشد قبل أن يخرج منها لاحقا ويتولى وزارة الأوقاف في ثورة يوليو.

وكانت الفكرة أن تتفرغ المجموعة لتللقي تكوينا ثقافيا وفكريا معمقا من خارج التنظيم علي أيدي رموز من مختلف التيارات أيا كان موقفها من الإخوان المسلمين فذهبوا إلي عباس العقاد ومحمود شاكر "وغيرهم من أسماء هؤلاء الشباب سنعرف جمال الدين عطية وعبد العظيم الديب ومحمود ابو السعود وعبد الحليم أبو شقة وفتحي عثمان"ولكن للأسف لم تؤت المجموعة ما كان ينتظر منها وقتها فقد اغتيل الإمام البنا في فبراير 1949 وكان الداعم لها والمتفهم لأهميتها كما جرت تحولات في مصر وفي الجماعة دفعت بالأخيرة إلى الدخول في نفق المواجهة مع النظام ثم العمل السري خاصة بعد الصدام مع ثورة يوليو وهو ما أثر علي المزاج الحركي للجماعة وقلص من مساحة الفكر والثقافة داخلها!

التبرير بالقلة أو عدم الأهلية

الملاحظ دائما أنك عندما تتحدث عن هؤلاء الذين خرجوا أو تم إخراجهم تُقابل بثلاث تبريرات أولهما هو أن الذين خرجوا قلة لا تُعد علي أصابع اليد الواحدة وهذا التبرير تلقاه حينما تسأل عن رمز كبير خرج كالغزالي مثلا أو الأستاذ عبد العزيز كامل أو جمال الدين عطية أو غيرهم ، أما لو كانوا غيرمعروفين كالأشخاص السابق ذكرهم فهو واحد من إثنين إنكار وجوده في الإخوان مسبقا فهو لم تطأ قدماه الإخوان ولو وطئت لما خرج ،وأنه قد مر مرور الكرام علي باب الجماعة ولم يلج بابها ( فمن ذاق عرف )، الثاني وهو رميه بكل التهم المعروفة والمحفوظة عند مسئولي التربية ( ذوي الحصانة ) كشكل من أشكال الترهيب المعنوي والنفسي لمن خرج من الإخوان ففي نظرهم أن من خرج من الدعوة ( لاحظ إستخدام الخروج من الدعوة وليس من الجماعة ) هم متساقطون علي طريق الدعوة إما لخوف أو أو لضعف وكسل وعدم تحمل لأعباء الطريق ، وحينما يُسأل عن أخ فارق الجماعة مثلا تصدم بالمقولة " أن الأخ ترك الصف الله يرحمه " " ده مش أصبح أخ " ،

في مخالفات صريحة لفكر الإمام البنا ومنهجه فهو مثلا يقول عن أناس لم ينضموا للصف ، ولكنهم يحملون سماته " كم منا ليسوا فينا ، وكم فينا ليسوا منا " ، أو هو ناتج عن عدم فهم أن التنظيم قد يستوعب أناسا وأخرين يصعب إستيعابهم لإختلاف الأمزجة والنفوس والأفكار ، وأن الفرد النشط فعليا أقوي من الجمع الخامل فالرسول قال عن المبدعين والمتميزين أنهم رواحل يقدر المرء الراحلة علي فعل ما لا تقدر علي فعله أمة فأسماء بوزن الغزالي وعبد الصبور شاهين والقرضاوي وجمال الدين عطية وأحمد كمال أبو المجد وأبو العلا ماضي وعبد العزيز كامل وسيد سابق هم في النهاية مجموعة رواحل أضافوا للدعوة وللحركة ما لم يضفه آلاف مؤلفة ويصعب
وصفهم بإنهم " خبث الدعوة " كما يقال ..

وتبقي الحياة السياسية الموؤدة والوضع السياسي المصري بشكل عام وعدم وجود كيانات سياسية متبلورة حقيقة أحد الأسباب الهامة لعدم إستيعاب تلك العقول الجيدة التي تخرج من الجماعة ، أو سبب رئيسي في تردد البعض من المجمدين في الخروج من الجماعة ..

لمتابعة النص الأصلي للموضوع يرجي مراجعته علي الروابط الأتية :-

1-جريدة العصر

2-موقع المصريون

3-جريدة الغد الأردنية

4-جريدة القاهرة

5- ملتقي الإخوان