الخميس، 30 يوليو 2009

فشل إضرابات المعارضة: إياك أن تمس كبير العائلة

في الرابع من أيار\مايو العام الماضي فشلت التظاهرة التي دعت اليها حركة السادس من أبريل. هذا العام دعت القوى المعارضة في مصر وقد انضمت اليها حركة الأخوان المسلمين الى اعتصام في البيوت في ذكرى الرابع من أيار\مايو. وكانت التحركات التي تبعت التظاهرة الناجحة في أبريل 2008 قد منيت جميعها بفشل ملحوظ يطرح أسئلة جوهرية عن أسباب نجاح وفشل تحركات معارضة للنظام القمعي في مصر. ما يلي محاولة للإجابة عن هذا السؤال عن طريق علم نفس الشعوب.
إسماعيل الإسكندراني- منصات
may 3.jpg
مجموعة من المتظاهرين أمام مبنى نقابة المحامين في القاهرة في الرابع من أيار 2008. © أي بي

في سياق عقد المقارنة بين الإضرابات الثلاثة (أبريل 2008 – مايو 2008 – أبريل 2009) لا يمكننا أن نغفل تقويم الوعي الجمعي المصري للتجربة الأولى وقيام الجماهير ببناء مواقفها التالية على أساسٍ من هذه النتائج. لكن النقطة التي لا يلتفت لها الكثيرون أن الأهم من الوعي الجمعي في مصر هو الوجدان الجمعي لشعب معظم سكانه مزارعون أو من خلفية ريفية اعتادت الصبر لدرجة التجاهل، أو قبول المهانة أحياناً. وهو ما يختلف كثيراً عن الخلفية التجارية المليئة بالمخاطرة، أو النفسية الساحلية المفعمة بالمغامرة، أو حتى عن الخلفية الصناعية القائمة على التعاقد الميكانيكي.

وكي لا نظلم تراث القاعدة العريضة من الجماهير المصرية، ينبغي ألا نغفل التغيرات التاريخية التي حدثت في الشخصية المصرية. فكما يولد الطفل باستعدادات متناقضة؛ للشجاعة والجبن، للكرم والبخل، للصدق والكذب، للجشع والعفة، فإن الشخصية العامة للشعوب تولد كذلك، ثم تتطور في ضوء الأحداث التاريخية المختلفة والحقب الزمنية المتتالية.


فالشخصية الثائرة - التي تجاوبت مع أحمد عرابي وسعد زغلول في ثورتيهما، والتي دعمت لحد كبير انقلاب "الضباط الأحرار"- فقدت الكثير من ملامحها عبر عقود متتالية من القهر العسكري والسياسي والإعلامي جعل الهم الأكبر للشعب المصري هو التحصل على الفتات ليقتات به ويستر الأولاد.


كما اتبعت الأنظمة المتتالية منذ عهد جمال عبد الناصر منهجيات لإذلال معارضيها، قد تكون تفاوتت في أشكالها وحدتها، إلا إنها جميعاً تتفق في امتهان كرامة أعلى المعارضين قدراً في المجتمع. فإذا كان عبد الناصر قد قام بمذبحة للقضاة عن طريق عزل من يشاء بتدخل سافر في استقلالية القضاء المصري، فإن عهد مبارك قد شهد ضرب القضاة بأحذية الشرطة. وإن كان عبد الناصر قد أعدم معارضيه من الإسلاميين في محاكمات صورية، فإن السادات قد سب رمزاً دينياً مهماً – وهو الشيخ أحمد المحلاوي - من فوق منصة مجلس الشعب وسجلت شتيمته التاريخية تليفزيونياً، ثم أتى النظام الحالي بموضة المحاكمات العسكرية للمدنيين ومصادرة الأموال، ولا أحد يعرف إلى ماذا كانت ستقود الأحكام لولا الضغوطات الدولية.


هنا نقول: إنه إذا كانت الشخصية المصرية أبيةً بطبعها، إلا إن هذا الإباء وهذه الكرامة دائماً ما تكون مرتبطة بالرموز الشعبية ذات الصفة الرسمية (قد يعود هذا أيضاً لقيمة احترام كبير العائلة أو القرية في التراث المصري الريفي)، فتبلغ بسالة المصريين ذروتها إذا ما كان الرمز هو رئيس الدولة كما حدث في حرب أكتوبر، وتقل هذه البسالة مع صغر الحجم الرسمي الذي يمثله الرمز (زعيم حزب – قائد عسكري). لأنه في هذه الحالة ينظر المصريون إلى الزعيم الشعبي كأنه الأب الذي يعارض الجد أو العم الأكبر (كبير العائلة). فرغم اعترافهم بشرعية ما يريد الأب إلا إن هناك وجداناً جمعياً يحملهم على عدم الخروج على النظام الكلي، وذلك لسببين؛ الأول: أنهم بطبيعتهم لا يريدون المشاكل والاضطرابات، والثاني: أنهم ليسوا على استعداد أن يدفعوا ثمن التغيير من كرامتهم وأعراض بناتهم وشرف عائلاتهم الذي قد يهان بأبشع الطرق في حالة فشل المخطط. وبالطبع يزخر التاريخ الحديث للسجون والمعتقلات المصرية بالعديد من الفضائح والمآسي والانتهاكات التي تجعل أي معارض يفكر ألف مرة في الثمن الغالي الذي قد يضطر لدفعه، بما في ذلك عرضه الأدبي والمعنوي والجنسي.


وللأمانة فإن الأنظمة الديكتاتورية في مصر - رغم غشامتها وتجبرها - إلا إنها كانت من اليقظة بمكان جعلها تقضي على فرص وجود أي رمز من أي نوع قد يتجمهر المصريون حوله، وهي بذلك نزعت فتيل الأزمة العاصفة التي كان من الممكن أن تحدث حال وجود زعيم (أب) قوي ومحبوب يهدد عرش كبير العائلة (الرئيس).


لذلك يمكننا أن نتفهم التغيير الذي حدث في الإضرابين الثاني والأخير عبر ثلاث خطوات؛ الأولى: أن نبصر الأحداث كأنها شريط سينمائي يحتوي على المشاهد التالية: (اعتقال فتاة - 3 قتلى في المحلة سقطوا في أحداث شغب - 100 مصاب - أحكام قضائية بالسجن - ..).

الخطوة الثانية أن نتخيل تعبيرات مجموعة عشوائية من المصرييين عند سماعهم عدد من الكلمات، من أمثال: (قسم شرطة - سجن - اعتقال - حبس - قوات أمن - مظاهرات - ...). أو بمعنى آخر: أن نتخذ علم نفس اللغة مدخلاً لفهم ما تعنيه هذه الكلمات في الوجدان الجمعي المصري.


أما الخطوة الثالثة فهي أن نطرح سؤالاً بسيطاً: هل المصريون على استعداد لدفع الثمن متمتعين بأمل الزعيم مصطفى كامل (الذي قال: "لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس")؟


وهنا نستطيع أن نستخلص النتيجة: فطالما كانت تجربة أبريل 2008 مكلفة، حتى لو لم تكن التكلفة هي الإصابات والقتل والاعتقال والتخريب، فيكفي أن هناك مواجهةً مع قوات الأمن، ويكفي كذلك أن هناك "تصنيفاً أمنياً" محتملاً قد يضر بمستقبل المشاركين ويمس مصادر أرزاقهم في حالة فتح "ملفات أمنية" لهم. وما دام الإحباط يستشري في الأوساط المصرية بشكل يتحدى أكثر المتفائلين ابتهاجاً، فلماذا يخاطر المصريون مرة ثالثة؟!


وفي سياق الوجدان الجمعي لا يفوتنا أن نشير إلى أن الأمن المصري حرص على استباق اللعب على أوتار التهديد العاطفي، فلم ينتظر حتى يوم الإضراب كي يعتقل فتاة أخرى، ولكنه بادر باعتقال سارة رزق وأمنية طه قبل الإضراب بأيام، بل وصل التبجح إلى اعتقالهما من داخل الحرم الجامعي. ثم ما لبث أن أظهر الوجه الآخر بشكل استباقي أيضاً، فرغم لطف معاملة الفتاتين توجه إلى المتضامنين معهما بعنف شديد طال المحامين الموكلين للدفاع عنهما. ولكن الأهم من ذلك حقاً أن إسراء من القاهرة الحضرية، وأن سارة وأمنية من كفر الشيخ الريفية، وفي ذلك دلالات وإشارات ورسائل.

وعلى صعيد آخر، قد يأنف بعض أصحاب الوعي من المثقفين المحبَطين أن يرجعوا الأسباب إلى الوجدان والعواطف والتردد والخوف، وقد يرون الحديث عن عاطفة المعارضين ووجدان الثوريين من الأمور التي تعيب حركة التغيير المصرية (رغم أن العاطفة والوجدان من خصائص البشر جميعاً، والمصريين خصوصاً). وهنا يتم اللجوء إلى أبرز الحيل الدفاعية المعروفة في علم النفس؛ التبرير. والمجال "المنطقي" الرحب المؤهل لاستضافة الهاربين من الواقع هو عالم الحقائق ولغة الأرقام.

فالحقائق (اليائسة / النسبية / الجزئية) تقول:


إن كان الإضراب الأول كان للاعتراض على ارتفاع الأسعار؛ فإن النظام قد عاقب الشعب بزيادتها بعد نجاحه في رشوته بالعلاوة، بل وارتفعت بعض الأسعار أيضاً (كالسيارات مثلاً) في عام 2009 رغم انخفاضها في العالم كله بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية.

إن كان إضراب أبريل 2008 كان لتحسين الأوضاع السياسية؛ فماذا عن النتيجة المؤلمة للمحاكمات العسكرية؟!
إن كان الهدف العام هو التغيير للأفضل؛ فهل حدث تغيير أصلاً؟ وإن كان قد حدث فهل كان للأفضل أم للأقتم والأمرّ؟!!

هنا نرى أن هناك ما هو أخطر من الوجدان الجمعي. إنه التفاعل الجدلي بين الوجدان الجمعي نفسه وبين الحقائق الانتقائية الدائرة في خلد الوعي الجمعي. وأقول "انتقائية" لأن الحقائق الإنسانية دائماً ما تكون نسبية، وإذا سلمنا أن التحيز خصيصة من خصائص البشر أيقنا أنه ما من حقيقة "تبريرية" إلا ويجب أن تكون "انتقائية".

بمعنى آخر فإن الكثيرين – وأنا منهم – قد يردون على هذه الحقائق بحقائق أخرى تكتمل بها الصورة، ويتضح بها مدى تبريرية هذه الحجج. لكن يبقى هؤلاء الكثيرون أقلية غير مؤثرة في فهم أسباب فشل إضراب أبريل 2009، لذلك أرى أنه لا داعِ لذكر الردود. فما هي إلا محاولة للفهم والتفسير، بعيداً عن التحفيز أو الإحباط، فللأخيرين مجالات أخرى. فبغض النظر عن أمنياتنا في إحداث الإصلاح والتغيير أو حتى الثورة (المستبعدة)، كانت هذه محاولة للخروج بالتحليل الموضوعي عن المعتاد في سياق تفهم أسباب اختلاف إضراب أبريل في 2009 عن سابقه في 2008، وتشابهه مع قرينه 4 أيار\مايو

السبت، 25 يوليو 2009

" المدونات " غريزة أساسية



«منال وعلاء» و«طق حنك» و«أفريكانو» و«مصر ديجيتال» أشهر المدونات المصرية ومدونة «مالكم إكس» و«الوعي المصري» فجرا بالصوت والصورة التحرش بالفتيات في وسط البلد! «درادج ريبوت» يعد الاب الروحي للمدونات التي ظهرت في تسعينيات القرن الماضي وكان وراء ونشر فضيحة «مونيكا لوينسكي» علي الرأي العام الامريكي!

عندما يشير احدهم الي المسلات الفرعونية او المعابد المصرية الرائعة، فإننا يجب الا ننظر فقط الي عبقرية المسلة او المعبد وننسي عبقرية الجدران، ان المصريين القدماء احترفوا التدوين علي جدران معابدهم، ولولا تلك اليوميات او لنقل تلك المدونات التي تشبه «البلوجرز» حيث التدوين كان وقتها علي الجدران بدلا من صفحات الإنترنت ولولا هذه المدونات الفرعونية ما فهمنا او عرفنا شيئاً عن اهم حضارة في التاريخ.

لا اقول ذلك لاثبت ان التدوين هو اختراع فرعوني لكن مقصدي هو التدليل علي ان التدوين هو غريزة انسانية، حق انساني، فعل حضاري، وهو عالمي وهو تاريخي تأريخي، بدأه الانسان منذ قرون، واستمر معنا عبر القرون دون انقطاع..الي ان بدأنا نكتب علي جدران الشوارع او ما يسميه الغر «فن الجرافت» كما هو موجود حاليا في جسور وميادين وشوارع المانيا وبلجيكا وغيرهما من الدول.. او كما يسميه المؤرخ الاجتماعي سيد عويس «هتافات الصامتين» فنجد كتابات الفلسطينيين للتفريغ عن همومهم علي جدران الشوارع وهو ما اضحي موجودا في العراق وفي كثير من العواصم العربية ويطلق عليه ادونيس «حرب السلام».

ومع التطور ووصل الانترنت وثورة النشر الالكتروني والميديا الرقمية الي اطراف اصابع رجل الشارع تحول التدوين هذا الفعل الحضاري الانساني «الي التدوين عبر الانترنت بفضل ثورة المدونات» بمرور الوقت وتحول المدونات والمدونين الي فكرة شعبية عالميا لم تعد فكرة المدونات هي مجرد كتابة علي الانترنت او تأريخ شخصي او كتابة يومية اشبه بالمذكرات اليومية، لكنها دخلت مرحلة اكثر تطورا كما اطلق عليها خبراء الاعلام والصحافة فسماها بعض الاكاديميين صحافة الشارع.. او صحافة المواطن واطلق عليها البعض الآخر انها احدي وسائل الاعلام الجديد «النيوميديا» وما يسمي بالـ «soft power» او القوي الناعمة التي ستغير من شكل بث الاعلام الذي اعتدنا عليه، ووصفها آخرون بانها الاعلام البديل بمعني بديل عن الاعلام الحكومي والخاص، اي انها اعلام مستقل لا يحمل اية اجندة او مصالح لتحميه؟

والسؤال الآن: هل المدونات هي مجرد عبث كما يصفها البعض ام انها اعلام جديد وصحافة شعبية ام انها اعلام مستقل وبديل من خلال كونها صحافة شخصية فردية او صحافة مواطن؟

سأستعير عبارة المدون واستاذ الاعلام التونسي جمال الرزن- صاحب مدونة http//jamelzran.jeeran.com- في ان المدونات هي «إنترنت داخل الانترنت» لاضيف ان ظاهرة المدونات ايا كان توصيفها هي احدي الثورات الانسانية والحقوق التعبيرية، الاهم في القرن الحادي والعشرين.

وهذا ما ادعي ساسة ومشاهير ومنهم «آلان جوبيه» الذي صار اشهر بلوجر في فرنسا، وكذلك نائب الرئيس الايراني السابق «محمد علي ابطحي» اشهر مدون في ايران قبل ان يدخل الرئيس احمدي نجاد عالم التدوين، واخيرا الرئيس الامريكي الحالي باراك اوباما للتدوين.

مصر والاعلام المستقل

في منتصف تسعينيات القرن الماضي في امريكا انطلقت المدونات وانطلقت تقارير المدونين، وصاحب الفضل في هذا هو «درادج ريبورت» الذي يعتبر الاب الروحي للمدونات وهو من كان وراء نشر فضيحة «مونيكا لوينسكي»- السكرتيرة الخاصة للرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون- وبذلك صار التدوين وعالم المدونات يقع في خانة الاعلام الجديد الذي لا يعتمد علي المصادر التقليدية للاعلام التقليدي، فالاعلام الجديد لعب تبديل الكراسي، صار القارئ او المشاهد هو مصدر ومنتج المادة الاعلامية، ولم يعد كالسابق يجلس علي الكرسي ليمسك بالصحيفة او ليشاهد التليفزيون، بل صار هو نفسه مصدر المعلومة او مصدر الخبر او علي الاقل شاهد عيان من قلب الحدث، وبذلك فإن المدونة هي ثورة اعلام واتصال جديدة حتي ان لم يستوعب البعض هذا.

وكما كانت مصر الفرعونية فجرا للتدوين صارت مصر الجديدة منبعا له ايضا، وكانت الانطلاقة مع مدونة «علاء ومنال» التي شجعت مئات الشباب ليدلوا بآرائهم السياسية عبر مدوناتهم ونتج عن ذلك انشاء مجتمع مصري للمدونات توج بحصول مدونة «منال وعلاء» - وهما زوجان اسمهما الحقيقي علاء ومنال- علي جائزة «الدويتشه فيلا» لافضل مدونة عربية عام 2005 بفضل كشفهما من خلال مادة وثائقية صورت بالموبايل عن بعض الوقائع وهو ما يثبت دور البلوجرز او الفلوجرز «اي المدونين عبر الكاميرا او عبر الفيديو» في بث مواد اعلامية كان يستحيل بثها بدونهما.

ما تقدم نبه الكثيرين من ذي الحس الاخباري والسياسي للدخل في عالم المدونات، وبانشاء مجمع التدوين المصري، وتضاعف عدد المدونين المصريين ظهرت اسماء لمدونين اخباريين وسياسيين علي الساحة مثل «طق حنك» و«أفريكانو» و»مصر ديجيتال».. وغيرها، لذلك يعتقد البعض ان الكتابة السياسية هي التي جعلت ظاهرة المدونات ظاهرة شعبية، وهذا ليس صحيحا فمواقع المعارضة موجودة علي الانترنت منذ سنوات، لكنها لم تحدث دوياً، لكن الحقيقة او المدونات الاخبارية او مدونات الخبر التي نقلت موضوعات واخباراً لم تطرقها الصحافة التقليدية حتي ان كانت الكترونية هي التي جعلت المدونات الاخبارية تتحدث عنها الخبراء بانها الاعلام الجديد او البديل.

وتشاء الاقدار ان يفجر المدونون المصريون مفاجأة ثانية مدوية لم يتطرق لها الاعلام من قبل، وربما لم يكن يجرؤ لأن يتطرق لها، «وأعلنوا بالصور في العيد الصغير لعام 2006 عن ظاهرة التحرش الجنسي بالفتيات بالشوارع الذي تم في هذا اليوم بوسط البلد في التحرير» وكان الخبر بالصور مثبوتاً عبر مدونة «مالكم اكس والوعي المصري» لـ وائل عباس. وبذلك نقلت الصحف الورقية الخبر عنهما، ثم قامت الصحف والمجلات القومية بفتح هذا الملف كملف مؤرق يدور في الشارع المصري نقلا عن تلك المدونات، ومع ذلك فقد شككت بعض الصحف في دقة الحصول علي المعلومة من المدونين وقامت بحملة كبيرة ضد المدونين.

بديل ام جديد؟!

اليقين ان المدونات قد فتحت الباب امام مصدر جديد من مصادر الاعلام، وهو مالا يحتاج الي اثبات بعدما ذكر سابقا، كما انها منحت العامة او الجمهور فرصة التعبير سواء اكانت كتابة صحفية ام كتابة ادبية ثم البث المرئي للافلام والمواد الاعلامية، وبهرتنا بان حولت اصوات الهواة لتصل الي الجمهور «رغم ان مقولة جمهور من المفروض انها الغيت لانه لم يعد هناك جمهور بالمعني القديم»، بعدما سيطرت لدهور مؤسسات صحفية واعلامية بعينها وفق ما كان يطلق عليه «كيانات الاتصال الجماهيري» فاصبح من حق المبدع والموهوب ايا كان «طبيباً او مهندسا او حرفيا» شابا ام كهلا طالبا ام خريجا ان يمارس حقه في الكتابة وحقه في ابداء الرأي وحقه في توصيل صوته وشهادته واعلامه الي العالم، لكن اصبح علي متلقي الخبر او المعلومة ان ينقد ما يره، فإما ان يصدق الخبر واما ان يكذبه.

السؤال الآن: هل اضحي للمدونات دور اخباري او دور في نقل الخبر، نعم اصبح لها دور اخباري بدليل تجاربها العالمية والعربية الموضحة سابقا.

وهل اصبحت المدونات مصدرا للمعلومة الموثوقة الاجابة ليست يقينية وتعود الي مصداقية المدون ذاته او مدي مصداقية المدون «تماماً كما تسألني هل تثق في خبر اذاعته قناة حزب الله ام تثق في نفس الخبر الذي اذاعته القناة الاسرائيلية الثانية لكن برؤية مختلفة» او تعود لأدواته الثبوتية التي يستخدمها من مواد فيديو محملة او صور واضحة من الحدث، وبذلك فإننا يمكن ان نعتبر المدونات الاخبارية مصدرا للمعلومة مادامت المعلومة موثقة بالصوت والصورة، اي اننا نحكم القرائن هنا حتي نقطع الشك باليقين، ومع ذلك فإن بعض الصحف تهاجم المدونات والمدونين بتعميم وتتهمهم بالكذب وتستهزئ من اعتبارهم «إعلاميا بديلاً» او «اعلاماً جديداً» او كونهم «صحافة شعبية» او «صحافة مواطن».

انهم اعلام جديد ولا غرو فهم آلية العصر التي تناست سرعته وتتناغم مع وسائل اتصالاته وهذه هي سيرورة وصيرورة الاعلام، فبعدما كان الراديو هو الطاغي في الثلاثينيات اصبح التليفزيون الي جانب الصحافة هما المنتشرين،والان فان وسائل الاعلام الجديد «ومنها البلوجرز والفزوجرز» «مدوني الفيديو» تختصر كل مافات، لكنها لن تلغي ما فات وللمواطن الحق في اختيار اسلوب متابعته الاعلامية، هل يتابع الاعلام القديم فقط ام ينغمس مع الجديد ايضا، فالمدونات هي «باختصار تليفزيون وصحافة معا مع حرية ارحب في رصد وتناول القضايا»، بما ان بها اخبارا مكتوبة ومرئية عبر فيديو الانترنت او يوتيوب او عبر كاميرا كل مدون، اذن ثورة المدونات الاعلامية هي ثورة الثورات او الثورة التي جمعت فيها كل ما فات من وسائل اتصال وايصال، لكن مع اضفاء عنصر التفاعلية، ان الاعلام الجديد الغي فكرة ان مراسل القناة التليفزيونية او الوكالة الاعلامية يشترط ان يكون في قلب الحدث، فهناك المدون او الانسان العادي الذي بامكانه ان يصور الحدث بكاميرا الموبايل او بالكاميرا الشخصية وبامكانه ان ينقل الوقائع بحذافيرها وهو امر لصالح التنمية الاعلامية ولصالح حرية تداول المعلومات، وهو مع سرعة نقل الخبر.

فكم ستنتظر الفضائيات العربية ايضا لتدرج بلوجرز في صلب عملها اليومي، مثلما تفعل الجرائد المكتوبة الآن، من يراقب الشاشات الامريكية المتلفزة، يلاحظ انها شرعت في التعامل مع صحافة بلوجرز باعتبارها صحافة ناجزة، ففي الانتخابات الامريكية لعام 2004 استضاف تليفزيون ان بي سي ثلاثة بلوجرز، ليدلوا برأيهم في النقاش الامريكي عن الانتخابات العراقية، ولم يكن مفاجئا ملاحظة ان صحافة بلوجرز اكثر صراحة في مناهضة التورط الامريكي العسكري في العراق، خصوصا بعد الدخول في مرحلة بناء الامة العراقية.

وفي انتخابات 2008 الاوبامية كان المدونون هم مديري حملة نجاح فريق اوباما، كما دعت الخارجية الامريكية 8 مدونين مصريين لمراقبة الانتخابات الامريكية في 2008 ونقل آرائهم.

ولكن السؤال بعد كل ذلك، كيف تتحول المدونات بعد ان اثبتت جدارتها بطرح القضية «قضية الاعلام الجديد» في ان يكون اعلامهم اعلاما ملتزما بمعني اعلام ملتزم بنقل نبض الشارع دون رقابة، ودونما المحاذير والضغوطات التي كتمت علي الانفاس لسنوات، وفي ذات الوقت اعلاما ملتزما بالاخلاقيات الاعلامية وبالأدب والآداب الاعلامية او حتي الانسانية، «وهو الاتهام الموجه للمدونين حالياً».

نقيب المدونين

اعتقد ان هذا التنظيم هو المنتظر من قبل المدونين الذين يرفضون ذلك بداعي كبت الحرية، وبداعي ان كل واحد حر في اخلاقيات مدونته.

ولعل نقيب المدونين العرب «وهو وصف مجازي» وهو صاحب اشهر مدونة في القرن العشرين والحادي والعشرين الكاتب الصحفي «احمد رجب» بمدونته »نصف كلمة» بجريدة الاخبار هو خير مثال للمدون الملتزم والاعلامي الحر حتي وان كانت خانته بنصف كلمة في جريدة الاخبار اليومية قبل ان تخترع المدونات بعشرات السنوات، لكن فكرة «خانة نصف كلمة» وشكلها هي فكرة تتشابه تماما مع المدونات الموجودة علي الانترنت، فهل تستفيد المدونات العربية من تجربة الكاتب الصحفي «المدون» احمد رجب!!

اما الذين يستعجبون ان المدونين هم ادوات الاعلام «الجديد» و«البديل» وأنهم «الصحافة الشعبية» فهذا ليس العجيب او الغريب.. لكن العجيب الذي سنراه قريبا ان سلطة المدونات ستتسع ربما للدرجة التي ستجعلها «سلطة خامسة»!!

بمعني انها ستصبح لاول مرة في التاريخ الاعلامي السلطة الشعيبة علي السلطة الرابعة «الصحافة» وعلي باقي السلطات وهذا ما يستشرفه المتخصصون وهي فكرة تعود لكاتب المستقبليات والخيال العلمي السعودي «أشرف الفقيه».

-هذا الموضوع نقلاً عن مجلة روزا اليوسف

الأربعاء، 22 يوليو 2009

أيها الأقوياء انتبهوا ..النيوميديا تحاصركم

أحمد عبد الحميد - الموضوع علي موقع منصات اللبناني


" الأيام دول " ..لم تكن الفضائيات -التي أزاحت القنوات الأرضية عن عرشها يوماً ما - تدرك أن هذه المقولة ستنطبق عليها بهذه السرعة حتي انفجار ثورة " النيوميديا " علي الشبكة العنكبوتية التي سحبت البساط من تحت قدميها، أقلّها في المناطق المعتمة التي لا تستطيع الفضائيات ولا وسائل الإعلام التقليدية الوصول إليها، أو ملاحقة الأحداث التي تلم بها .



وسام فؤاد الباحث في النوميديا ورئيس قسم البحوث والتطوير بشركة ميديا انترناشونال، يرى أهمية التمييز بين مساحتين مكملتين لبعضهما: الإنترنت كبنية، والإنترنت كمساحة فعل اجتماعي افتراضي. ويشير فؤاد هنا إلى الإنترنت الجديدة وليس الإنترنت القديمة. والانترنت الجديدة أهم خصائصها أنها أداة إعلامية قامت في بنيتها على تحدي نموذجي الأوليجاركية والاوتوقراطية الذين عرفهما الفكر السياسي. تتحدى الأوتوقراطية من خلال تقليل قدرة الأفراد والمؤسسات على منع نشر المحتوى على الإنترنت.

كما أنها والكلام لوسام فؤاد، قامت تتحدى الأوليجاركية من خلال كسر احتكار أصحاب رؤوس الأموال للإنترنت. كانت الانترنت القديمة أشبه بكشك للصحف فيها يمكن لصاحب رأس المال أن يشتري "دومين"، وأن يشتري استضافة، وأن يشتري برمجيات مرخصة، وأن يؤجر عنصر العمل المدرب.
أما الإنترنت الجديدة؛ فاستبدلت كل تلك المعايير بمهارة المستخدم، ومن ناحية ثانية كان يمكن لأي سلطة قديما أن تمنع موقعاً ما من الحضور على إقليمها. اليوم لم يعد المنشور في مواقع الإنترنت الجديدة حكراً على مواقع محدودة، بل تخطاها للمواقع العالمية. ويمكن لأي كان استيراد مدونته الى مدونة أخرى أو اعادة نشر موضوعاته على موقع آخر إن تم حجب المدونة أو الحساب الخاص به على موقع ثان.
الخلاصة أن الإنترنت الجديدة مثلت ثورة في حد ذاتها قبل أن تكون ثورة في توظيفها.

وعن التوظيف السياسي للنيوميديا أوضح الباحث وسام فؤاد أنه نتيجة للقهر وانسداد القنوات في العالم الواقعي، بدأ مستخدمو الإنترنت يجدون فيها منفذاً. وبدأ زحف الانترنت نحو التوظيف السياسي الذي بلغ نحو 30% من استخدامها في دولة مثل مصر.
يقول وسام :"الملاحظ أن موقعاً مثل فيس بوك يمثل ايقونة في مثل هذا التوظيف، وحتى من يستعملونه للترفيه نجد منهم طرفا ينشغل بالسياسة، ويتحمس لبعض أجنداتها، لكن بصفة عامة تسمح بعض التطبيقات للمستخدمين بإخفاء عناوين أجهزتهم مما يجعل ثمة امكانية لكي يلعب المواطنون دوراً سياسيا افتراضياً في كل الدول" .

يؤكد فؤاد أن الانترنت يمكن أن يساهم على الأقل في عملية توعية الشعوب، وتعبئتها إن أمكن من جانب النشطاء السياسيين بشرط ان يتم الالتفات إلى إحداث تراكم ما في مسألة الاستثمار في البنى التحتية لشبكة الانترنت من جانب النشطاء السياسيين.

يضيف وسام قائلاً :" التليفزيون وسيط اعلامي لكنه مغلق على حالة اوليجاركية واوتوقراطية يمثلها مالكو القنوات قبل الحكومات، وعندما نتحدث عن الإنترنت يجب أن نتحدث عنها كوسيط. الإنترنت في النهاية وسيط، ومن يتعامل معها باعتبارها أداة سياسية مخطئ".
"الانترنت رفعت القيود الى حد كبير عن تداول الرأي، ومدت إمكانية نشر الرأي لكل من يستطيع استخدام الانترنت. والثانية أن الإنترنت كبيئة افتراضية تضيف قيمة جديدة للإنترنت الوسيط. فهي تخلق تجمعا وتربط بينه وتنشر اهتماماته المشتركة وتعزز ترابطه وتخلق لكل تجمع جمهورا متابعاً ومهتماً " .



بلاد محجوبة إعلامياً

يمثل الداخل السوري والسعودي الأبرز عربياً من ناحية التعتيم الإعلامي نتيجة لهيمنة النظام السياسي، الذي في الأغلب أعاق نقل ما يدور على مستوى الشارع إجتماعيا وسياسيا. وعدم سماح النظام السياسي المهيمن بوجود صحفيين أجانب أو مكاتب لقنوات فضائية وضع حاجزاً أمام ظهور ما يدور في الشارع إلى الخارج .

لكن ثورة " النيوميديا الجديدة " ضربت هذه الحالة في مقتل حينما شوهد كثير من " التابوهات " يتم كسرها ونقلها والحديث عنها خلال مواقع مثل الـ" يوتيوب " أ و " تويتر " و" الفيس بوك " فضلاً عن المدونات الشخصية.
ففي السعودية صار موقع " اليوتيوب " أحد أهم المواقع التي يستخدمها الناشطون المعارضون للحكم السعودي بالإضافة لمجموعات طائفية وسياسية تلاقي اضطهادا دينياً وسياسياً هناك خصوصا الإصلاحيين والشيعة.

فاحتجاجات الشيعة في السعودية والتي لا يمكن رؤيتها على أي قناة فضائية، استطاع الشيعة ومن خلال اليوتيوب نقل أكثر من احتجاج من خلاله. كان أهمها " احتجاج البقيع " الشهير الذي جاء أثر تصوير نساء شيعيات أثناء زيارة مدافن البقيع من قبل رجال هيئة " الأمر بالمعروف "، حيث تم تنزيل فيديوهات كاملة للاحتجاج علي موقع "اليوتيوب"، أعقبها تحميل فيلم وثائقي كامل بإسم " المعاناة " وهي خطبة كاملة للشيخ نمر بن باقر النمر أحد أبرز المشايخ الشيعة المعارضين للنظام السعودي يستعرض فيها أوضاع الشيعة بالسعودية، والفيلم من إنتاج شبكة أسمت نفسها " شبكة الدفاع عن الشيخ نمر " .

في سوريا الحجب هو الحل

في سوريا كان موقع اليوتيوب – قبل حجبه من قبل السلطات السورية –بمثابة المتنفس الرئيسي للمعارضة والناشطين السياسيين في سوريا والحملات المستمرة المطالبة بالإفراج عن المعتقلين السوريين. تشتهر سوريا بأنها الأشهر على الإطلاق عربياً في الحجب الإليكتروني. مواقع الجماعات الكردية السورية وغير السورية ومواقع المعارضة السورية بالخارج كلها محجوبة.
أيضاً هناك حجب لمواقع صحفية شهيرة ومعروفة أبرزها موقع " إيلاف" بالإضافة لحجب المواقع التي قد تسبب صداعاً للنظام السوري. ويأتي على رأسها موقع "الفيس بوك" الإجتماعي ومدونات مكتوب وبلوجر، وأخيرا ً موقع " اليوتيوب ".

بل وصل الأمر أن طال الحجب مواقع عالمية ليس لها أي موقف معارض سياسياً من سوريا ، حيث حجبت الحكومة السورية مؤخراً موقع " ويكيبيديا " الناطق باللغة العربية وبريد " الهوت ميل " عدة أشهر قبل أن تعيد فتحه مؤخراً بدون أي تقديم أي أسباب لذلك .
الكاتب السوري نبيل شبيب والمقيم في ألمانيا أكد أن جهات معارضة كثيرة استطاعت أن تصل بأخبارها عبر الشبكة بمواقع لنفسها، ومن هؤلاء الأكراد، وإعلان دمشق، يضيف شبيب قائلاً :" من داخل سورية، وحتى من داخل حزب البعث يوجد من يعبر عن وجهة نظر (تحررية) واستطاعوا أيضا التعبير عن أنفسهم.. وابرز الامثلة على ذلك موقع ( كلنا شركاء ) ".

لكن المشكلة من وجهة نظره تكمن في في المعارضة وقدرتها على الاستفادة الهادفة من الوسيلة الإعلامية الحديثة. حيث يرى شبيب المعارضة السورية غير متجانسة وتحالفاتها و انشقاقاتها أكثر من مرة بصورة ارتجالية تضعف مواقعها السياسية جميعا، وبالتالي تضعف عطاءها الإعلامي ايضا كما يقول .

أوضح شبيب أن ما ساهم في إضعاف حصيلة الإعلام المعارض الرد عليه بصورة " ذكية" من جانب جهات رسمية أو شبه رسمية باستخدام الشبكة.
حيث يشير إلى أنه توجد حالياً مواقع إخبارية على مستوى جيد لا تظهر في مظهر الأبواق الإعلامية، وهذا يكسبها مصداقية. وقد تتجنب أسلوب الكذب الإعلامي، إنما لا تعرض الصورة كاملة. هذا الأسلوب أقرب إلى إقناع القارئ إذا كان غير قادر على المتابعة التفصيلية لمعرفة ما لا يذكر.
يقول شبيب :" إضافة إلى ذلك تنتشر في تلك المواقع أخبار وتقارير تحمل صفة المعارضة ولكن تقف عند حدود ما لا يمس جوهر المشكلة في النظام السياسي القائم، كحالة الطوارئ أو احتكار الحزب للسلطة بمادة دستورية وما شابه ذلك، مثل موقع " بانوراما سورية" و " شام برس " و" حدث سوريا ".

New Media
مصر ..النيوميديا فاعل سياسي

النيوميديا في الحالة المصرية لم يتعد دورها فقط كشف المناطق " المعتمة " أو كسر سيطرة النظام على أدوات إعلامية بعينها. بل وصل دورها الى الفعل والحراك السياسي والمجتمعي. ويصبح نموذج " إضراب 6 إبريل " أبرز الأمثلة الدالّة على ذلك، حيث استفادت مجموعة " إضراب 6 إبريل " من الأدوات المتاحة لتعميم دعوة إضراب عمال غزل المحلة لتحقيق مكسب سياسي للإضراب الذي كان الفاعل الأساسي فيه كان العمال وليس مجموعة " النشطاء الفيسبوكيين ".

الدكتور نبيل عبد الفتاح خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، رأى أن وسائل الإعلام الجديدة " النيوميديا " والصحف الخاصة قد أدت لبعض التغيرات السياسية والاجتماعية في الشارع المصري. أهمها التشكيك في حدود النظام الرسمي في السيطرة على المجال العام اجتماعياً وثقافياً وسياسياً. الأمر الثاني الذي أحدثته هو تجاوز وضرب الخطوط الحمراء المفروضة من قبل النظام، ومساعدة الشارع الشعبي على كسر حاجز الخوف مما أدى إلى كثافة تواجد حالات الإعتصامات والإضرابات المدنية والاجتماعية والسياسية التي تعدت الآلاف خلال الخمس سنوات الأخيرة.

الأمر التالي الذي أضافته وسائل الإعلام والصحف الخاصة وفقا للدكتور عبد الفتاح هو مساعدة المجال العام الافتراضي " شبكة المتواصلين على الإنترنت "على كسر التابوهات المعروفة والكلام فيها ومناقشتها والتعرف أكثر عليها مثل مسألة " الأقباط " و " البهائية " و " الشيعة " و" قضية النوبة" و " قضية تهميش أهل الجنوب".

الإعلام الجديد والصحف الخاصة من وجهة نظر عبد الفتاح دورها المحوري يكمن أيضاً في كشف مخالب القانون الرسمي وعدم ملائمته مع الواقع وأهمية طرح أن يعاد النظر في " القانون الرسمي " كليةً وإشكالياته التي تعتبر منتهية أو ممسوخة أمام الرأي العام .

واعتبر الدكتور عبد الفتاح أن الإعلام الجديد ساعد على إبراز قضايا على مستوى المجال الإفتراضي. ومن ثم تحولت تلقائياً إلي المجال العام التقليدي، والتي كانت معمتة من قبل الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي، مثل قضايا التعذيب ومكافآت وأجور العمال وقضية القضاة الإصلاحيين، ومشاكل البيئة مثل قضية " أجريوم " في دمياط .

يضيف عبد الفتاح :" ساعد الإعلام الجديد والصحف الخاصة الحركات الاحتجاجية في حشد تعبئة جماهيرية والذي تمثل في أشكال الاحتجاجات الرمزية ضد مواقف الدولة وأجهزتها من خلال الإعلان عن مواقيت هذه الاحتجاجات، والترويج لها، ونشر مواقف الدولة السلبية من خلال التقارير أو الفيديوهات أو الصور وهو ما عزز اتخاذ موقف سلبي من الرأي العام ضد النظام الرسمي والنظام " .

المصداقية والدعم

المدون محمود سالم والمتخصص في الإعلام الإلكتروني والحملات الإعلانية اعتبر أن " النيوميديا " أصبح يمثل إعلاماً بديلاً به ميزات عدة. أهمها أن الناشطين يقومون بتنظيم المظاهرات والتنسيق من خلاله.
بالإضافة لعمليات الحشد الجيدة وكان أبرز الأمثلة إضراب 6 إبريل الذي كان المحرك الأساسي له هو موقع " الفيس بوك " .

يوضح سالم أن شبكة اليوتيوب أحد أهم أدوات النيومديا التي صارت علامة مميزة لإعلام المواطن الذي يستطيع أن ينشر ما لا تستطيع المؤسسات الإعلامية التقليدية نشره وإعلانه، من خلال التحميل بكاميرات الديجتال وكاميرات المحمول التي تلتقط الأحداث في وقتها.
وكثيرا ما يصبح صاحب الكاميرا ليس ناقلاً فقط، وإنما مشاركاً في الحدث وهو ما يعطي مصداقية أكبر في الحدث المضاف أو المشاهد علي اليوتيوب.

يقول سالم :" الميديا القديمة ترتبط مصداقيتها بالدعم وبالتالي مصداقيتها مرتبطة بأجندة الكيان أو المؤسسة التي تدعمها. الميديا الجديدة غير مرتبطة بدعم أو تمويل وبالتالي ليس لها أجندة. تخاطب الميديا الجديدة الناس بالحدث بنفس الشكل الذي وقع به، إضافة إلى أن الصحفيين التقليديين صاروا معالجين للخبر أكثر من كونهم ناقلين له، وهذا غير موجود مع الميديا الحديثة لإن أبطالها هم أبطال الحدث الذي ينقلونه" .

يشير سالم إلي أن النظام الإيراني قام بتقييد عمل البي بي سي لدرجة اعتباره أن المظاهرات التي تحدث في الشارع هي بتأثير قناة البي بي سي البريطانية. وهنا تبرز –والكلام لسالم- نقطة أن الإعلام التقليدي أي الفضائيات وغيرها، تتقيد بحدود الدولة وسياستها. تأخذ تصاريح للعمل في الشارع، تأخذ تصاريح لكي تعمل في بلد ما، وبالتالي عند حدوث أي أزمة سياسية يغلق مكتبها مباشرة. هذا الأمر غير موجود بالمرة مع " النيوميديا " المختَرِقَة بقوة لأي شارع معتّم إعلاميا من قبل مؤسسة رسمية محافظة أو مستبدة.
الميديا القديمة من وجهة نظره لم تمت وإنما فقدت الكثير من المصداقية أمام تغوّل وانتشار وسائل " الإعلام الحديثة " بكافة أشكالها.

السبت، 11 يوليو 2009

لاهوت التحرير ..مسيحية المعدمين


حسام تمام



لاهوت التحرير (Liberation Theology) هو القراءة الثورية للمسيحية التي من خلالها أعاد بعض آباء الكنيسة الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية قراءة المسيحية لمصلحة الفقراء والمعدمين والمظلومين والمهمشين، في ضوء اتجاه الكنيسة لإعادة تكييف علاقتها مع المجتمع. وهي بذلك تمثل انقلابا لاهوتيًا أدى لتوسيع مجال الإيمان، بحيث يشمل المسئولية تجاه الواقع وتغييره، متجاوزا تغيير وإصلاح الضمير والنفس وحسب، وذلك من خلال قراءة تؤكد على أن "الخلاص لا يكون بالتحرر من الخطايا فقط، بل بكل أشكال التحرر الأخرى بما فيها التحرر السياسي والاقتصادي..."، وهي قراءة تزاوج بين الخلاص وتحرر الإنسان، وبين الإيمان والعمل السياسي، وبين ملكوت الله وبناء العالم.

وإذا كانت هناك إضافة حقيقة قدمتها قارة أمريكا اللاتينية للفكر الإنساني في القرن العشرين، فهي "لاهوت التحرير" الذي يعد بحق إبداعا لاتينيًا خالصًا جدد رؤية المسيحية في القرن العشرين.

وقد ظهرت حركة (لاهوت التحرير) في الستينيات والسبعينيات من ذلك القرن حينما كانت الأنظمة الشمولية والعسكرية تسيطر على معظم دول أمريكا اللاتينية (بيرو- شيلى- أوروجواي- الأرجنتين- البرازيل)، كما لم تكن دول أمريكا الوسطى أيضًا تختلف عنها كثيرًا، حيث كانت حروب العصابات ومواجهات الحرب الباردة تعم كولومبيا وفنزويلا ونيكارجوا؛ فكانت هناك حالة من القهر والاستبداد تسيطر بها السلطات العسكرية الشمولية على كل شيء، فتصادر وتؤمم كل قوى ومؤسسات شعوبها التي كانت ترزح تحت نير الجهل والفقر، وكان ثمة تحالف غير معلن يكرس هذه الأوضاع بين القوى الرئيسية المسيطرة على هذه البلاد، وهى: الطبقات الحاكمة التي كانت مرتبطة في شكل استعماري سافر بمصالح القوى الاستعمارية الإمبريالية المركزية في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة، وكبار الملاك والإقطاعيين الذين ارتبطت مصالحهم بالرأسمالية الأمريكية، بالإضافة إلى عدد من كبار رجال الكنيسة الذين كانوا بمثابة ضمان لاستمرار وتكريس هذه الأوضاع الظالمة، حتى صار الفقر والظلم الاجتماعي كأنه قدر ينبغي للمؤمنين أن يحافظوا عليه! وكانت الكنيسة وقتها تطرح رؤية محافظة تقليدية تدعو الفقراء والمظلومين والمعدمين إلى الصبر على ما هم فيه، وتبشرهم بالفوز بـ (ملكوت السماوات) تعويضا عن حالة الفقر والظلم التي يرزحون تحتها والتي جعلتها الكنيسة حتمية اجتماعية لا تشجع التمرد عليها.

وقد أثارت هذه الأوضاع الجائرة التي يزداد فيها الفقراء فقرا والأغنياء غنى عددًا من رجال الكنيسة الكاثوليكية في أنحاء أمريكا اللاتينية؛ فتفاعلوا معها وتبلورت لديهم رؤية ثورية راديكالية أكثر اقترابًا من هموم وقضايا الفقراء والمهمشين، وبدأت تظهر مجموعات راديكالية ثورية من القساوسة قامت بنقد المجتمع والسلطة والكنيسة أيضا، خاصة في علاقتها بالمجتمع، فطالبوا بخروج الكنيسة من عزلتها وبانفتاحها على المجتمع، خاصة بعد أن أصبحت القوة الوحيدة الباقية خارج سيطرة الأنظمة الشمولية التي صادرت كل القوى والأحزاب والمؤسسات السياسية والاجتماعية والعالمية، مؤكدين على أن الكنيسة الحقة ليس لها وجود إلا على المستوى الشعبي، وأعادوا قراءة التوراة والإنجيل والتراث الكنسي كله قراءة منحازة للفقراء ضد الأغنياء، مؤكدين على أن المسيح نبي الفقراء ومخلصهم، وأنه كان فقيرا، ولا بد أن يكون في صف الفقراء وليس الأغنياء.

كما أولوا عناية فائقة بقضايا الفقر في قراءتهم للنصوص الدينية والتراث المسيحي؛ فاستطاعوا إحياء صورة الفقير في الثقافة الكلاسيكية منذ العصور الوسطى، وصنعوا حالة من التعاطف معها، كما ركزوا في قراءتهم على اكتشاف النصوص المسيحية التي تتحدث عن حقوق الفقراء والمضطهدين والمحرومين وبلورة خطاب مسيحي أكثر اقترابا منهم وتعاطفا معهم

آباء الفكر ورموز الحركة


وساهم في ذلك التغيرات التي كانت قد طرأت آنذاك على الكنيسة الكاثوليكية وعلى الخطاب البابوي بإزاء الفقراء؛ إذ كان البابا بولس السادس قد أصدر وقتها ( سنة 1967 تحديدا ) خطابه الشهير "تنمية الشعوب"، الذي أبدى فيه تعاطفًا مع الفقراء، وحين هاجم الرأسمالية "المتوحشة".

كما كان دور الكنيسة، خاصة في أمريكا اللاتينية، قد اتسع وصار أكثر تأثيرًا بفعل مقررات مجمع الفاتيكان الثاني (سنة 1965) التي دعت إلى تحويل لغة العبادة من اللاتينية إلى اللغات المحلية للشعوب المسيحية، وهو ما جعل القساوسة يتحدثون بلغة الناس اليومية، ومن ثم صاروا أكثر ارتباطاً بالجماهير وتأثيراً في أفكارهم وحياتهم، وأكسب الخطاب المسيحي قدرة أكبر على التأثير في أتباعه من كل الشعوب، خاصة في أمريكا اللاتينية التي كانت تعرف بالقارة المسيحية بسبب تدينها وتمسكها الشديد بالمسيحية.

وانتشر دعاة "لاهوت التحرير" من آباء الكنيسة الكاثوليكية في معظم مناطق أمريكا اللاتينية فكان "ليوناردو بوف" في البرازيل، و"بابلو ريتشاردز" في شيلي، و"أوتومادور" في فنزويلا، و"خوان لويزسيجوندو" في أورجواي، و"خافيير جورستياجا" في نيكاراجوا…، لكن كانت هناك أعلام بارزة لحركة لاهوت التحرير ينسب إليها صياغة مبادئ الحركة وأفكارها الرئيسية، ويعتبرها الكثيرون بمثابة الآباء المؤسسين للاهوت التحرير، وعلى رأس هؤلاء يأتي القس الكولومبي "كاميللو توريس"، ورغم أنه كان ينتمي في بدايته لأسرة عريقة وثرية في بوجوتا العاصمة، وتعلم في أوروبا ونال من بلجيكا الدكتوراه في علم الاجتماع، فإنه انقلب فكريًا تمامًا بعد الدراسات الميدانية التي أجراها لحياة الفقراء خاصة في الريف الكولومبي فأصبح ثوريًا راديكاليا، وشكل سنة 1965 "الجبهة الواسعة" وهو تحالف سياسي يسعى للاستجابة لمتطلبات غالبية أهالي بلاده؛ فكانت النتيجة طرده من الحياة السياسية والدينية أيضًا، وهو ما دفعه للانضمام لجيش التحرير الوطني المسلح.

والإضافة الكبرى التي قدمها كاميللو توريس هي "تثوير المسيحية" أو قراءتها قراءة ثورية؛ فقد قام ببحث عميق لمعنى الحب المسيحي، وأعاد صياغة مفهومه ليحوله من كونه شعورًا فرديًا عاطفيًا ليصبح عملية اجتماعية تتضمن معاني الزهد والتضحية والتعاطف مع الضعفاء والفقراء والمحتاجين.

ورغم أن "توريس" لم يعمر كثيرًا وقتل في 1966، فإنه ظل رمزًا لما أصبح يعرف بالكنيسة التقدمية نظرًا لوعيه السياسي الذي قاده لآرائه الثورية، انطلاقًا من فهمه الديني الذي حول مفهوم الحب المسيحي إلى ثورة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أيضًا، فعلى ضوء المفاهيم التي صاغها كاميللو توريس تكونت جماعات كاثوليكية في كل مناطق الريف اللاتينية لعبت كلها دورًا بارزًا في المجالات الخدمية والإنسانية للفقراء.

وبجانب توريس يقف الأب "جوستافو جوتييرز" في بيرو كأحد أهم مؤسسي حركة لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية، فقد استطاع بكتاباته خاصة كتاب (رب الحياة) صياغة المفاهيم والأفكار الرئيسية للاهوت التحرير، والمحور الأساسي فيها هو اعتبار "المسيح هو مسيح الفقراء ومسيح المضطهدين، ومسيح الحرية…".

أما أهم رموز حركة لاهوت التحرير على الإطلاق فهو "أوسكار روميرو" كبير الأساقفة الراحل في السلفادور، فقد كان أكثر آباء الكنيسة انحيازًا للفقراء، وكان أول من أعلن ذلك صراحة، وأعلن معارضته لحكومة بلادة الديكتاتورية التي وصفها بالدموية والعداء للفقراء، وكان من أبرز معارضي الهيمنة الأمريكية بالمنطقة، وقد وضع عدة مؤلفات تعد الأساس الفعلي لحركة لاهوت التحرير، أهمها كتاب (عنف الحب) و(صوت من لا صوت لهم) الذي صار فيما بعد عنوانًا لسلسلة الكتب التي تعبر عن فكر وتوجيهات هذه الحركة. ولم يطبع هذان الكتابان إلا بعد رحيل روميرو بأكثر من عشر سنوات. وله كتاب (رسالة الأمل من أحد الشهداء)، وهو عبارة عن شرائط كانت تحمل تسجيلاته، إضافة إلى كتابه (أوقفوا الاضطهاد).

وقد استمر روميرو في دعوته إلى أفكاره المناصرة للفقراء والمستضعفين والرافضة لهيمنة الأغنياء حتى قتل في أوائل الثمانينيات، واتهمت حكومة السلفادور وقتها الثوار اليساريين بقتله، لكن ثبت بعدها أن المسئول عن اغتياله (كتائب الموت) التي كانت تابعة للشرطة والجيش السلفادوري، التي كانت مختصة بالتخلص من أعداء النظام، كما ثبت أيضًا تورط المخابرات المركزية الأمريكية في هذه العملية الشائنة!

وقد بلغت مكانة روميرو أن اعتبر جوستافو جوتييرز في كلمة ألقاها في الذكرى الخامسة عشرة لاغتياله "أن موت الأسقف" روميرو "يمثل نقطة فاصلة في تاريخ الكنيسة بأمريكا اللاتينية".

الأثر والصدى

وقد أحدثت حركة لاهوت التحرير، وقتها، انقلابًا هائلاً على كل المستويات في جميع دول أمريكا اللاتينية والوسطى، فلعبت دورًا هامًا أثناء فترات الحكم الديكتاتوري في تقوية الشعوب وحثها على الصمود، ودفعها أيضًا للمقاومة والتصدي لهذه الديكتاتوريات والتضحية بالأرواح ولكن في سياق إيماني، فتأثرت كل حركات التحريرية والثورية في هذه المنطقة بلاهوت التحرير، كما انخرط كثير من الأساقفة الكاثوليك في صفوف الثوار وخاضوا حروب العصابات، وحدث في كثير من الأحيان تداخل بين المنظمات الكنسية وبين المنظمات الثورية التي لم تملك إلا التأثر بلاهوت التحرير خاصة في جوانبه المتعلقة بنصرة الفقراء والمظلومين والانحياز لهم.

كما أحدث لاهوت التحرير انتعاشًا في مجال العمل الخدماتي والإنساني بسبب اهتمامها بالبعد الاجتماعي والخدمي في قراءتها لدور المسيحي، وتجديدها لاقترابات تفسير النصوص الدينية والتراث المسيحي؛ إذ نجحت جماعة اللاهوت في نشر اعتقاد داخل الدوائر الكنسية بقدرة الناس على التغيير إذا ما فكروا وعملوا معا، وقدرتهم على تغيير ظروفهم البائسة بل والدنيا بأسرها.

ويشير مسح أجرى عام 1989 في مدينتي ريودي جانيرو، وساوباولو بالبرازيل إلى أن (90 %) من الجمعيات التي تأسست لخدمة الفقراء وتنميتهم وتحسين أوضاعهم تأسست سنة 1970، وهي السنة التي بدأ فيها التأثير الحقيقي لحركة لاهوت التحرير، هذا بالإضافة إلى تنامي الدور الاجتماعي داخل الإبراشيات الكاثوليكية نفسها.

وفى إطار اهتمامها بالفئات المهمشة والمعدمة فتحت حركة لاهوت التحرير الباب لأول مرة أمام العناصر النسائية للتأمل المسيحي والتفكر في أصول الدين المسيحي، بعد أن كان ذلك قاصرًا على الرجال.

وعملت الحركة أيضًا على إتاحة كل شيء للفقراء بما فيها الثقافة والعلم والمعرفة؛ فكان لها دور تثقيفي وتنويري رائد بجانب الدور الاجتماعي والإنساني، فقدمت أهم كتب الثقافة والمعرفة في طبعات زهيدة تناسب الفقراء والمعدمين، فكان هناك -على سبيل المثال- سلسلة كتب بعنوان "صوت من لا صوت لهم" المأخوذة عن كتاب أوسكار روميرو الشهير السالف الذكر، وكان يحررها خوليان جوميث ديل كاستيو.

وكانت تُعنى بنشر مؤلفات الكٌتاب المهمشين والمجهولين في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الذين تمثل مؤلفاتهم قيمة حقيقية في طريق العدل الاجتماعي من منظور لاهوتي وتتفق مع أفكار لاهوت التحرير، وكانت هناك دار نشر تابعة للحركة الثقافية المسيحية مقرها في إسبانيا تتولى نشر هذه السلسلة، وكانت تتوجه لتأييد الحركات العمالية والشعبية في مواجهة الأغنياء والرأسماليين ومثلت أهم روافد حركة لاهوت التحرير الفكرية.

وقد كان تأثير حركة لاهوت التحرير متجاوزا لأمريكا اللاتينية والوسطى إلى داخل الولايات المتحدة نفسها التي كانت أكثر طرف تصدى لهذه الحركة وحاربها؛ لأنها تقوم بتمكين المستضعفين خاصة في ظل وجود أقلية معتبرة من أصول "هيسبانية"-مكسيكية وأمريكو/لاتينية-، بل وظهرت فيها حركة (لاهوت التحرير الأسود) متأثرة بنفس المنطق (إعادة قراءة المسيحية لمصلحة فئة معينة هي الأقلية السوداء)، حيث أعاد بعض الأمريكان السود من أتباع المذهب البروتستانتي قراءة المسيحية لمصلحة السود كرد فعل لعنصرية البيض وتمييزهم ضد السود، لكنهم انتهوا إلى نوع من العنصرية المضادة، وإلى الإعلاء من السود باعتبارهم العرق الأنبل، واعتبرت أن المسيح هو نبي السود ومخلصهم حتى صارت هناك رؤية لمسيحية سوداء بإزاء المسيحية البيضاء!

ويلاحظ أن الدين بشكل عام كان سلاحًا للسود لدعم تميزهم مثل أمة الإسلام على الجانب الآخر، التي وظفت الدين كعنصر تضامن وقوة مكنها من القيام بمسيرة مليونية للبيت الأبيض وتجميع السود حول قيادات بارزة.

على أن الفارق بين لاهوت التحرير في أصوله اللاتينية وبين لاهوت التحرير الأسود كان أن الأول بدا أكثر تركيزًا على الجانب الاجتماعي بعكس الثاني الذي غلب فيه البعد العرقي.

بين العدل والماركسية

وقد تحدث الكثيرون عن تأثر حركة لاهوت التحرير بالفكر اليساري والماركسي بصفة خاصة، واعتبروا أنها تمثل تمازجًا بين المسيحية والماركسية؛ نظرًا للتشابه الكبير في الأفكار الخاصة بالفقراء والمهمشين والعمال المعدمين، إلا أن التحليل الدقيق يؤكد عدم صحة ذلك؛ إذ إن التشابه في كثير من الأفكار يرجع -بصفة أساسية- إلى الواقع المشترك الذي ولّد اهتمامات مشتركة وأفرز أفكارًا متشابهة كان القاسم المشترك بينها الرغبة في التغيير ورفض الواقع الذي أدى إلى الظلم والفقر، في حين كانت المنطلقات متباينة تمامًا، ففي حين تأثر يساريو أمريكا اللاتينية بموجة المد الشيوعي التي كانت قد اجتاحت المنطقة في الستينيات والسبعينيات كانت منطلقات ومصادر فكر آباء حركة لاهوت التحرير منطلقات مسيحية كنسية خالصة.

فأوسكار روميرو الذي يردد مقولته الشهيرة "الخطيئة الحقيقية هي الظلم وعدم العدالة في توزيع الثروات"، وكأنه يبدو كمفكر يساري أصيل، كان من ألد أعداء الشيوعية، وكثيرًا ما هاجمها بعنف مؤكداً إيمانه المسيحي، وأن "الكنيسة" هي ظل الله في الأرض، وهو صاحب الشعار المعروف (الدين للفقراء) الذي يعتبر الدين المخلص للفقراء.

وكتاب (الإنثروبولوجيا الاجتماعية) الذي كان بمثابة وثيقة عمل ورؤية نظرية لحركة لاهوت التحرير -رغم تأثره الواضح والكبير ببعض الأفكار الماركسية- نجد أن مؤلفه دون كوماس مالاخون كان يعكس فيه أفكاره كمسيحي ملتزم وليس كيساري، وكان دائم التأكيد على دور الكنيسة المسيحية رغم آرائه التحررية والثورية في كافة جوانب الحياة.

والحقيقة أن الخلط السائد عند بعض المحللين بين أفكار حركة لاهوت التحرير وبين الأفكار اليسارية لا يرجع فقط إلى تشابه الواقع الذي أفرزهما، وإنما أيضًا إلى ما حدث من تعايش خلاق بينهما، ففي حين كان رجال لاهوت التحرير يتمتعون بانفتاح واسع ومتحرر على الفكر الإنساني على اختلافه بما فيه الفكر اليساري، كانت الحركات اليسارية في أمريكا اللاتينية تدرك طبيعة شعوبها وخلفيتها الدينية وتعي أنها شعوب مسيحية مؤمنة ومتمسكة بإيمانها المسيحي فلم تسع إلى الصدام مع الخلفيات الدينية لها بما سمح بالتعايش والتلاقح الفكري بين الجانبين، وهو ما أوجد نوعًا من التشابه بين أفكار كل منهما، وإن احتفظ كل فريق بمنطلقات ومرجعيات مغايرة للآخر.

ومع نهاية عقد السبعينيات ومنتصف الثمانينيات كان الواقع الذي ظهرت فيه حركة لاهوت التحرير قد تغير كثيرًا في أمريكا اللاتينية عما كان عليه بعد أن سقطت الأنظمة الشمولية والعسكرية، ودخلت بلادها عصور التحول الديمقراطي، وهو ما دفع بأحد كبار مؤسسيها "جوستافو جوتييرز" سنة 1996 للقول بأن "العالم الذي أوجد لاهوت التحرير يبدو أنه يقترب من نهايته، وتبدو حتمية لسلسلة من التغيرات السياسية والاقتصادية والكنسية على نطاق العالم وعلى نطاق أمريكا أيضًا".

ورغم ذلك فتظل حركة لاهوت التحرير إحدى علامات الفكر الإنساني الهامة في العصر الحديث، والتي تفيد في تطوير رؤانا بشأن علاقة الدين بالعدل والإيمان بالحرية والكرامة الإنسانية للفئات المهمشة والمستضعفة في عصر عولمة الرأسمالية وتدويل سلطة السوق.

يمكن الرجوع للنسخة الأصلية علي موقع إسلام أون لاين.

الثلاثاء، 7 يوليو 2009

هل يكره الغربيون الإسلام..؟! علاء الأسواني

السيد دينى باتين، قسيس أمريكى من طراز خاص.. فهو قد أنشأ عام 1996 فى ولاية أريزونا، جمعية اسمها «الدبلة الفضية».. الهدف الأساسى لهذه الجمعية دعوة الشباب الأمريكيين من الجنسين إلى الامتناع عن ممارسة الجنس قبل الزواج وإقناعهم بأن الجنس خارج الزواج هو الزنا الذى حرمه السيد المسيح. فى كل أسبوع يعقد القس باتين احتفالات تحضرها عشرات الفتيات الأمريكيات، يقرأن معه الكتاب المقدس ثم يتعهدن أمام الرب بالاحتفاظ بغشاء البكارة سليما حتى يفضه الزوج الشرعى..

فى نهاية الاحتفال ترتدى كل فتاة فى يدها اليسرى دبلة فضية منقوش عليها كلمة النقاء، وتظل الدبلة الفضية فى يد الفتاة دليلا على عذريتها حتى يخلعها زوجها من يدها فى ليلة الزفاف. المدهش أن دعوة السيد باتين تلقى رواجا متزايدا فى أمريكا حتى اقترب عدد أتباعه من 2 مليون أمريكى. بل إن بعض الفتيات اللاتى فقدن عذريتهن قبل انضمامهن إلى جمعية الدبلة الفضية يجرين عمليات ترقيع لغشاء البكارة حتى يبدأن من جديد سلوك الفضيلة كما يسميه القس باتين. كما تتلقى الجمعية دعما ماليا سنويا من الحكومة الأمريكية.


وقد شاهدت فى التليفزيون الفرنسى برنامجا طويلا عن القس باتين وجمعيته. ظهر فيه أتباعه يدافعون عن عذرية الفتاة كمقياس للفضيلة. وظهرت طبيبة نفسية فرنسية ناقشت أفكارهم واختلفت معهم باحترام.. ووجدتنى أتساءل: إن أفكار القس باتين عن عذرية الفتاة كمعيار للفضيلة تتطابق تماما مع الثقافة العربية الإسلامية. لكنهم فى تليفزيون فرنسا يتعاملون معه بأدب لأنه أمريكى مسيحى أبيض ولو أن نفس الكلام صدر عن عربى أو مسلم لانهالت عليه الاتهامات بالتخلف والهمجية واحتقار المرأة.. هذه الازدواجية الغربية منتشرة والأمثلة عليها بلا حصر. أجريت الانتخابات مؤخرا فى إيران وفاز بها أحمدى نجاد ثم ثارت شكوك واتهامات بالتزوير وهنا قامت الدول الغربية جميعا ولم تقعد وأصدرت بيانات شديدة اللهجة من أجل نصرة الديمقراطية فى إيران ويدفعنا ذلك إلى السؤال: إن الانتخابات المصرية تزور بانتظام منذ سنوات طويلة والرئيس مبارك يتولى الحكم عن طريق استفتاءات مزورة، فلماذا لم يثر ذلك غضب الساسة الغربيين؟..

الإجابة أن الغرض من هذه الضجة ليس نصرة الديمقراطية ولا يحزنون وإنما إحراج النظام الإيرانى الذى يعادى إسرائيل ويسعى لتطوير قدراته النووية مما يشكل تهديدا للاستعمار الغربى، أما النظام المصرى، فعلى الرغم من كونه استبداديا وفاسدا، إلا أنه مطيع ومستأنس وسياساته تصب دائما فى خدمة إسرائيل وأمريكا ولذلك يغطى الإعلام الغربى على أخطائه مهما بلغت بشاعتها.. أثناء المظاهرات الإيرانية الأخيرة انطلقت رصاصات مجهولة المصدر فقتلت فتاة إيرانية من المتظاهرين، اسمها ندا سلطان.. وسرعان ما تحول مقتلها إلى الخبر الأول فى صحافة العالم وقد تأثر السياسيون الغربيون لمقتل ندى أشد التأثر حتى أن الرئيس أوباما قال وهو يغالب دموعه: «إنه لأمر يمزق القلب حقا».. وبعد أسابيع قليلة، فى مدينة دريسدن الألمانية، كانت السيدة المصرية مروة الشربينى.. تحضر محاكمة شخص ألمانى وجه لها سبابا عنصريا لأنها محجبة.. وقد حكمت المحكمة الألمانية بتغريمه مبلغ 2800 يورو عقابا له على إهانة مروة. وعند النطق بالحكم، أصيب المتطرف الألمانى بهياج شديد وانهال على مروة وزوجها طعنا بالسكين فماتت مروة فورا متأثرة بجراحها بينما نقل زوجها إلى المستشفى فى حالة حرجة..

المفترض أن قيمة الحياة الإنسانية تتساوى عند الناس جميعا فالحزن الذى أصاب أهل مروة لمقتلها لا يقل عن حزن أهل ندى الإيرانية.. يفترض أن مقتل مروة ومقتل ندى جريمتان متساويتان فى البشاعة والتأثير.. لكن مقتل المصرية المحجبة لم يتمزق له قلب الرئيس أوباما ولم يظهر أصلا فى صدارة الإعلام الغربى بينما تركزت الأضواء كلها على مقتل ندى. والسبب أن مقتل ندى يشكل إدانة للنظام الإيرانى المعادى للغرب أما مقتل مروة فيدل على أن الإرهاب ليس قاصرا على العرب والمسلمين.. فها هو إرهابى ألمانى مسيحى أبيض يقتل إنسانة بريئة لا يعرفها ويشرع فى قتل زوجها لمجرد أنها مسلمة ومحجبة. وهذا المعنى لا يحب الإعلام الغربى أن ينقله أبدا.. الخلاصة أن الغرب غالبا ما يتبنى، سياسيا وإعلاميا، رؤى وسياسات معادية للعرب والمسلمين.. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها.. ولكن هل يعتبر العرب والمسلمون مجرد ضحايا أبرياء للتحيز الغربى؟ الإجابة لا قاطعة.. فلا يمكن أن نستعمل الغرب كمصطلح حصرى.. الغرب لا يعنى شيئا واحدا. إذا كان الغرب منحازا ضدنا سياسيا وإعلاميا فإن ملايين الغربيين العاديين لا يحبون الإسلام ولا يكرهونه لأنهم ببساطة لا يعرفون عنه شيئا.. والآن.. ما هى الصورة التى يقدمها المسلمون أنفسهم للإسلام؟..

لو أن مواطنا غربيا قرر أن يعرف حقيقة الإسلام عبر ما يفعله المسلمون وما يقولونه.. ماذا سيجد..؟!.. سوف يطالعه أسامة بن لادن وكأنه خارج من كهوف العصور الوسطى ليعلن أن الإسلام يأمره بقتل أكبر عدد من الغربيين الصليبيين، حتى ولو كانوا مواطنين أبرياء لم يفعلوا أى شىء يستوجب العقاب. ثم سيقرأ الغربى كيف قررت حركة طالبان إغلاق مدارس البنات فى المناطق التابعة لها لأن الإسلام يمنع تعليم المرأة باعتبارها كائنا ناقص العقل والدين. بعد ذلك سيقرأ الغربى تصريحات من يسمون أنفسهم فقهاء إسلاميين.. يؤكدون فيها أن المسلم إذا انتقل إلى دين آخر فإن الإسلام يأمر باستتابته أو ذبحه من الوريد إلى الوريد. سيؤكد بعض هؤلاء الفقهاء أن الإسلام لا يعرف الديمقراطية وأن طاعة الحاكم المسلم واجبة حتى ولو ظلم رعيته وسرق أموالهم.. وسوف يرحبون بأن تغطى المرأة وجهها بالنقاب حتى لا يقع من يراها فى الشهوة الجنسية فيتحرش بها أو يغتصبها. وسيؤكد كثير منهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تزوج من السيدة عائشة وهى طفلة فى التاسعة من عمرها.. سوف يقرأ الغربى كل ذلك وهو لن يعرف الحقيقة أبدا. لن يعرف أن عمر زوجة الرسول كان 19 عاما وليس 9 سنوات، لن يعرف أن الإسلام قد ساوى تماما بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات جميعا. لن يعرف أن من قتل نفسا بريئة فى نظر الإسلام فكأنما قتل الناس جميعا. لن يعرف أبدا أن النقاب لا علاقة له بالإسلام وإنما هو عادة انتقلت إلينا، بأموال النفط، من المجتمع الصحراوى المتخلف.. لن يعرف الغربى أبدا أن رسالة الإسلام الحقيقية هى الحرية والعدل والمساواة. وأنه قد كفل حرية العقيدة فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وأن الديمقراطية هى الإسلام نفسه لأنه لا يجوز للحاكم المسلم أن يتولى السلطة إلا برضا المسلمين واختيارهم.. بعد كل ذلك هل نلوم هذا الغربى إذا اعتبر أن الإسلام دين التخلف والإرهاب؟..

فى العام الماضى حصلت على جائزة برونو كرايسكى الأدبية فى النمسا. وقام السيد رئيس وزراء النمسا بتسليمى الجائزة.. وكان يفترض أن ألقى كلمة بهذه المناسبة. فاخترت أن أتحدث عن حقيقة الإسلام وحكيت للأجانب الحاضرين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان رقيق المشاعر لدرجة أنه عندما كان يسجد للصلاة كان حفيداه الحسن والحسين كثيرا ما يقفزان للعب على ظهره، فيظل هو ساجدا حتى لا يزعج الطفلين حتى ينتهيان من اللعب ثم يستأنف الصلاة.. وقلت للحاضرين: هل تتخيلون أن رجلا يوقف صلاته حتى لا يزعج الأطفال، يمكن أن يدعو إلى قتل الأبرياء وإرهابهم؟.. وقد استقبل الحاضرون هذه الحكاية باهتمام وجاء كثيرون ليسألونى كيف يستقون معلومات حقيقية عن الإسلام..

صحيح أن السياسة الغربية تعاملنا باعتبارنا سكان مستعمرات، لا يحق لنا أبدا أن نتمتع بحقوق المواطن الغربى وصحيح أن الإعلام الغربى ينحاز غالبا ضد العرب والمسلمين لكن الصحيح أيضا أن القراءة السلفية الوهابية المتخلفة المنتشرة الآن فى العالم الإسلامى تساعد فعلا على ترسيخ صورة ظالمة وسيئة للإسلام.. واجبنا أن نبدأ بأنفسنا.. يجب أن نخلص الإسلام من كل الخزعبلات والأكاذيب والأفكار المتخلفة التى التصقت به وهو منها براء..

الديمقراطية هى الحل