السبت، 17 أكتوبر 2009

الإعلام الحديث والتحول الديموقراطي ..الحالة الإيرانية

-أنس الأحمد، كاتب سعودي

ربما نستطيع القول إن الانتخابات الإيرانية الأخيرة وما تبعها من احتجاجات ومظاهرات وتغطية تلفزيونية وصحفية، دخلت فيما يعرف اليوم بالظاهرة الإعلامية الحديثة، حيث إن شبكات الإعلام المجتمعي الحديث والتفاعل الالكتروني المباشر حولت تفاعلات المجتمع إلى ظاهرة مؤثرة وفعالة في تحريك السياسة وقادتها.



وفي حالة الانتخابات الإيرانية الأخيرة، كانت السبب ـ أعني الظاهرة الإعلامية الحديثة ـ في تصنيع الفعل والحدث السياسي. ومن الصعب أن تُفهم القوة التأثيرية السياسية اليوم من دون الرجوع إلى حالة الإعلام المجتمعي الحديث. هذا الإعلام الذي يبدو الأكثر أثرا وأقل تحكما ورقابة، يسهم بفعالية وحيوية في نشر الآراء ويعمق معاني الحرية ويؤذن بانتشار مذهب التعددية الفكرية.

فالمعروف أن تاريخ الكبت يحفظ الحكومات القمعية أو على الأقل القيادات السياسية ويساعدها في الاستمرار. لكن مع وجود حالة الإعلام المجتمعي الحديث هذه ربما يكون هناك تهديد لهذه الاستمرارية.

فالإعلام الحديث يكشف حالات الفساد، ويقاوم احتكار الكلمة ويخلق جو من الشفافية، وهو بهذا يهدد الأنظمة الشمولية والاستبدادية والقمعية التي تغيب معها الشفافية وتبتعد عن مقتضيات المسؤولية والمحاسبة والمراقبة.

والإعلام اليوم يكسر كل هذه "المحظورات"، ليعزز صفوف المقاومة السلمية من خلال التعامل الالكتروني المفتوح، والفضاء المرئي المفتوح. وهذه الظاهرة لا تهدد المجتمعات المحافظة فقط، وإنما أيضا تهدد الحكومات. فعملية انتشار المعلومات وتوفرها، عملية شفافة، إذ إن مزيدا من المعلومات، يعني مزيدا من الديمقراطية، والأخيرة هذه لا تعني بالضرورة المعارضة للحكومة بأكثر من كونها استخدام الإعلام الاجتماعي الحديث، الذي يورث ويؤسس للديمقراطية.

وما حصل في إيران هو حرب معلوماتية بالدرجة الأولى. فالمزيد من المعلومات هو بمثابة إعلان حرب أخرى للمعلومات، كما أنها حرب يدخل فيها التضليل والتشويه وتسويق الأفكار الصحيحة والخاطئة، والسليمة والسقيمة معاً.

ولكي لا نستطرد كثيرا، فإنّ ما يهمنا في هذا الصدد هو أن حركة الشباب الإيرانية الجديدة، استفادت كثيرا من التقنية الحديثة، وقام الغرب بدعم هذه التوجهات بصورة مباشرة و غير مباشرة.

فصورة التظاهر وإعلان الشفافية والمحاسبة هو مطلب شعبي، وهو واجب وطني لأصحاب الضمائر الحية اليقظة. وقد ساعدت شبكات الإعلام المجتمعي الحديث في أنها حولت المشهد الإعلامي الإنتاجي وكذلك الإدراكي في صناعة القوة السياسية، وفي تخطي وتجاوز الحدود لإنشاء قوة وقاعدة سياسية طبيعية تكون رديفة للحكومة الفعلية.

فجيل الشباب الحديث الذي لم يكن لديه فرصة في التعبير عن آرائه أو الاستماع له، أما والحالة الجديدة هذه، فإن جيل الشباب اليوم بدأ يستقبل وينقل الآراء ومختلف الأفكار في جو إلكتروني تنافسي، ولم يعد اعتماده منصبا على الصوت الرسمي والحكومي المحتكر في الدول النامية.

المجتمع الإيراني شاب، وأكثر من 75% منهم لديهم هواتف جوالة، والكثير منهم يستخدم التكنولوجيا الحديثة. لديهم معرفة قوية بـ"ثقافة الشاشة". هذه الثقافة هي التي جعلت هؤلاء الشباب يناضلون من أجل أن يقولوا كلمتهم. ففي تويتر، هناك حوالي 30 ألف شخص يتابع آخر مستجدات وتطورات المرشح الرئاسي السابق الإصلاحي موسوي، وينتظر إعلاناته وبياناته كل دقيقة. وكانت أغلب المظاهرات والإعتصامات تنسق عن طريق التويتر.. من كتابة اليوم المحدد والساعة المحددة والمكان المقصود للتجمع والتظاهر ورفع اللافتات والشعارات.

كما أن لموسوي غرفة خاصة في اليوتيوب زوارها من 75 ألف يوميا وعدد المشتركين فيها 3 ألاف. تبث مقاطع مصورة عن التظاهر لحظة بلحظة وأحيانا إلى الصدامات التي تحصل بين المتظاهرين وعناصر الشرطة وغيرهم. هذه المقاطع حولت اليوتيوب إلى ما يشبه القناة التلفزيونية. أما في "الفيس بوك"، هناك أكثر من 5 ألاف صديق (رقم كبير جدا إذا ما قورن بعدد الأصدقاء في الموقع)، وهناك 18 ألف معجب وأكثر من 110 ألاف داعم له. هذا فقط فيما يتعلق بموسوي أما الأخر خاتمي، وأيضا هناك داعمون ومعجبون وصفحات خاصة له لكن بدرجة أقل.

ندى أغا سلطان زار حادث مقتلها في اليوتيوب أكثر من نصف مليون خلال ساعات ونقلتها أكثر وسائل الإعلام الغربية ووضعتها في موقعها الرئيس.

أحد المقربات ذكرت أن ندى ليس لها توجه سياسي، وإنما هي طالبة في الفلسفة وتأخذ بعض الدورات في الموسيقى والغناء. فهي "عصرية" وكانت ضحية لهذا الحراك. وفي ساعات، تحولت ندى إلى رمز للحركة المناهضة للحكومة بل وأصبحت صورتها منبرا لمن قتل في سبيل الحرية.

هذا الفيديو أظهر ندى، وهي ملطخة بالدماء فقط دون معرفة كيف ومن قام بإطلاق الرصاص عليها؟ هذا المقطع بثته أغلب وسائل الإعلام الغربية سواء في موقعها الالكتروني أو في التلفزيون. كل ذلك يؤكد قوة الإعلام المجتمعي الحديث في تحريك السياسية وأحيانا في تفعيل الحدث السياسي وصناعته. بل أكثر من ذلك في تغيير الحاكم نفسه!

والإعلام الحديث سوف يكون له دور كبير في إسهام المجتمع ومشاركته في الديمقراطية، ستتفتح الأذهان وستساعد التعددية الفكرية في تنويع وإثراء الآراء، وستصبح شعارا. وسيختفي الفكر المحتكر وسيذهب إلى الزوال. سوف تكون النقاشات مفتوحة للجميع، وسوف تبتعد نظرية الصراخ من أبجديات الصارخين أنفسهم وتبقى اللغة المسموعة لغة العقل والحكمة التي ستكون الأعلى شأناً والأقوى أثراً. إنها مقاومة إعلامية إلكترونية وفضائية مفتوحة ضد سلوك العنف المباشر.

الإعلام الغربي، بطبيعة الحال، ركز على فئة الشباب المتمردة والثائرة والخارجة عن النظام. تلك المجموعة التي لا تقدس أية الله ولا تعترف بولاية الفقيه، وهو جيل متمدن عصري يتعامل مع الانترنت. وبالتالي، فإن الثورة الإيرانية والمظاهرات وكل الفعل السياسي الذي تلاها هو بقيادة الإعلام المجتمعي المفتوح وبإشراف من موسوي.

فهي بالتالي ثورة شبابية حديثة. يقودها الشباب وتعكس أزمتها المظاهرات والاعتصامات.. فقد تم اعتقال أكثر من 2500 شخصا.. شباب ضحوا من أجل الإصلاح السياسي. من أجل أن يقولوا كلمتهم وأن يعبروا عما بداخلهم.

فهم يتفوقون على شباب العرب الذين استطاعت حكوماتهم أن تغريهم، إما بالأموال وإما بالموقع الوظيفي البارز أو على الأقل في قمعهم والتفنن في إسكاتهم. وهؤلاء الشباب أقاموا حركة سلمية أعلنوا من خلالها وقوفهم ونبذهم للعنف. فهم طبقوا هذا الأمر فعليا.

وكأي تجمع، فلا يخلو من وجود ضحايا وجرحى واعتقالات.. المهم أن الصورة بدأت واضحة، وأن الجيل الإيراني الحديث استطاع أن يلفت أنظار العالم والإعلام الغربي، وإن كان هناك توافق في الأيدلوجيات. هذه الحركة الشبابية السليمة أيقظت الحكومة بل وغيرت وجه السياسة الإيرانية، وهذا باختصار فعل ديمقراطي بحت.

وبغض النظر عن السبب الحقيقي الذي وقف هؤلاء الشباب حوله واتفقوا عليه، فإن المحصلة أنهم قاموا بفعل ديمقراطي بحت. أما فيما يتعلق وتأصيل المبررات والحجج ودعم الغرب لهم، فالنتيجة واحدة.

ومها كانت المقولات بوجود المخابرات الأمريكية، والهدف ما هو إلا إضعاف الحكومة المركزية، فإن الحقيقة التي لا ريب فيها أن الشباب الإيراني الحديث استطاع أن يقوم بثورة ناعمة، بعدما أدرك أهميته كقوة وككتلة في المجتمع بأدائه لهذا الدور، ولإيمانه أن العملية الديمقراطية تحتاج إلى تضحيات، وهو بالتالي على استعداد لهذه التضحية مهما كانت النتيجة. صحيح أن هناك دعم غربي لهذا التحول لكن طالما أنه يصب في مصلحة الديمقراطية وأن المجتمع سيستفيد من هذه التطورات وسيصلح الحال والواقع السياسي فلا يعيبها ذلك.

إضافة إلى ذلك فإن أهداف المعارض موسوي لا تتوافق بالضرورة مع الأجندة الغربية، خصوصا فيما يتعلق بقضية البرنامج النووي. وقد بينت الانتخابات الإيرانية الأخيرة، أن "الفعل الديمقراطي" يهدد كيان القوى الحليفة، ولذلك مافتئ الإعلام يركز على هذه النقطة، وأن ذلك هو بمثابة حرب جديدة للأفكار.


أثر الإعلام الأمريكي في الانتخابات الإيرانية


لم تكن هناك انتخابات أثارت الاهتمام والجدل والفضول العالمي مثلما حدث مع الانتخابات الإيرانية الأخيرة، ولو أن أي انتخابات حدثت في مكان آخر، لما كان لها هذا الوقع والاهتمام. ربما يكون معروفا من هو الرئيس الفرنسي أو الايطالي أو الألماني، لكن في الوقت نفسه، لا يعرف من هو الرئيس السويدي أو من الذي فاز في انتخابات النرويج وكلها دول معروفة.

فكيف بدول لم يسمع عنها من قبل تقبع في أفريقيا أو في المحيط الهندي. السبب هو في تركيز الإعلام لهذه الدول أكثر من غيرها، وهو ما يعرف بنظرية "الإطار" الإعلامية. لكن السؤال هو كيف غطى الإعلام الأمريكي أحداث إيران؟ التركيز على مقولات ومشاريع الإصلاحيين لا على أصوات الإيرانيين الحرة ولا على حرية التعبير وقدرتهم في المشاركة السياسية.

فقبل الانتخابات الإيرانية، كانت وسائل الإعلام تشير إلى أنه لن يكون هناك شيئا جديدا، سيتغير أو يستحق الذكر في تلك الانتخابات، وأن كلمة المرشد المقدسة هي الأخيرة، وأن الجميع سيتبع المقدس.

ولكن بعد ظهور موسوي ورفضه لكلام المرشد وخروج المظاهرات ورفع اللافتات والشعارات، بدأ الإعلام الأمريكي حملته المكثفة، وإعطاء مزيد من الاهتمام لهذه الانتخابات. وهناك فريقان بارزان في الأحداث. الأول فريق موسوي، والآخر فريق خامنئي ونجاد.

الفريق الأول، يدعمه الغرب بكل وضوح بطريقة مباشرة وغير مباشرة على الأقل من الجانب الإعلامي. ولكي نقف حول هذه النقطة، فإن الحديث هنا يتركز على البعد الإعلامي للحدث من خلال التغطية والتأييد الغربي ونقد الحكومة الإيرانية. وقبل ذلك السبب في التحرك الإعلامي الجديد، الذي لم يصاحب أية انتخابات أخرى.

فالمعروف أن الحرب الإعلامية بين المحافظين والليبراليين أو بين الديمقراطيين والجمهوريين في أمريكا تصاعدت وتيرتها وحدتها أكثر من أي وقت مضى مع أول يوم دخل فيه الرئيس أوباما البيت الأبيض.

ومنذ ذلك الحين، تعالت الصيحات الإعلامية والانتقادات المتتالية من المحافظين للرئيس أوباما، كما أن الليبراليين مافتئوا يذكرون أيام بوش وسنواته الوحشية كما يقولون.

أما والحالة الإيرانية.. فالكل قد اتخذ موقفاً واحداً لا أكثر، وهو الاتفاق على تزوير الانتخابات ونقد نجاد ودعم موسوي وحركة الشباب. فقد اتفق الإعلام الغربي على أن الانتخابات مزورة، والتأكيد على أن نجاد ليس الحاكم بل هو سارق الأصوات، على الرغم من عدم وجود مصادر تؤكد هذا الأمر، وبالتالي فلا وجود للمعلومات المستقلة فيما يتعلق وقضية الانتخابات.

فالصحف الرئيسية الأمريكية كلها اتفقت على أن الانتخابات مزورة، بل ذهبت لوس انجلس تايمز إلى أبعد من ذلك، حيث قالت في افتتاحيتها "رسالة إلى الملا: إذا كنتم تريدون تزوير الانتخابات، فلا أقل من أن تكون النسبة بين المرشحين معقولة!!".

وقالت النيويورك تايمز إن "تعامل قوات الشرطة مع المتظاهرين كان وحشي وهمجي!!"، كما أن الأخيرة وضعت زاوية لتعليقات القراء وأخرى لصور القراء، وكل ما يتعلق بتصوير المظاهرات والصدامات وبثها في الموقع.

وفي الوول ستريت جورنال المحافظة، ذكرت أن "من يقود إيران اليوم هم جيل الشباب والطلاب وعلى الحكومة أن تسمح لهم بالعبور". أما الواشنطن بوست والأكثر اعتدالا، ذكرت أن قوات الشرطة "ما فتئت أن تحارب صوت الحرية".

كما أن الإعلام الغربي ظل يطالب القيادة السياسية بإعادة التصويت، وهذا بالتالي يعطي نوعا من عدم المصداقية أو النزاهة للانتخابات الإيرانية. فالاتفاق على التزوير كان هو محور التحرك للإعلام الغربي، إضافة إلى ذلك، تعامل الحكومة مع المنادين بالشفافية وإعادة التصويت. لكن الذي لم يظهر هو أن موسوي أعلن فوزه قبل إعلان النتائج الرسمية، مما سبب نوعا من البلبلة لهذه القضية.

في انتخابات إيران وما تلاها من أحداث، كان التركيز على أن قوات مكافحة الشغب والشرطة، التي مافتئت تحارب الديمقراطية. فالتعبئة الإعلامية الآن، تكرر أن الشعب يعيش قمعاً سياسياً ويعيش حالة من اللاحرية وانعدام الأمن ويواجه حكومة ديكتاتورية. والهدف الأساس الأمريكي من ذلك، هو إشاعة جو من الارتباك وعدم الثقة في الانتخابات الإيرانية، وتشويه صورة الحكومة الإيرانية على أنهم طغاة ومجرمون، يقتلون مواطنيهم الآخرين، الذين يبحثون عن لقمة الحرية.

في النهاية، نجد أن مصادر الشعب الإلكترونية في إيران هي القوة الخفية في تشكيل الرأي العام، وتوحيد الموقف الشعبي من الحكومة، لكن لا تسأل عن المصداقية.

فهل الحالة الإيرانية تضعف الإعلام المهني؟ الجواب على ذلك، أن الإعلام الغربي يستفيد من الثغرات ويستغل الفجوات بما يتوافق وأجندته المحددة سلفا. ومهما كان الدعم الإعلامي والحكومي الغربي للمتظاهرين وللمعارضين، فإن ذلك لا يهمل أهمية دور الإعلام الحديث في الوقوف ضد توجهات الحكومات وأحيانا مواجهتها.

ويبقى القول، إن الشعب الإيراني استطاع وبكل اقتدار الخروج من القمقم، ولديه القدرة ليُسمع صوته إلى العالم، ونجح في اختبار حرية التعبير والاختيار.

* الموضوع علي موقع مجلة العصر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق